قال فضيلة د. علي محي الدين القر داغي الامين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن مشيئة المولى عز وجل قضت أن تحمل الشعائر التعبدية في طياتها مجموعة من الأمور التربوية العظيمة، لافتا إلى أنه على الرغم من أن الشعائر هي عبودية لله واداء لحق المولى عز وجل على العباد فإن الله شاء أن يربط هذه الشعائر لاسيما – الأركان الخمسة – بمجموعة من القضايا التربوية التي تربي الفرد والمجتمع والأمة على القيم النبيلة والأخلاق الكريمة مثل الصبر والثبات والكرم والشجاعة ونحو ذلك من الصفات التي يحتاج إليها الإنسان في حياته ..
وقال د. على القرة داغي في خطبة الجمعة أمس بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريج كليب إن كل ركن من أركان الإسلام مدرسة في حد ذاته مشتركة مع بقية المدارس الأربع الأخرى، موضحا ان الحج، على سبيل المثال وهو الركن الخامس من أركان الإسلام، يحمل في طياته مجموعة من القضايا تخص الجانب العقدي والأخلاقي والإنساني والإجتماعي والسياسي والإقتصادي في نفس الوقت (يَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) .
التوحيد أساس العقيدة
وذكر الخطيب ان من أهم هذه الأسس التربوية ترسيخ عقيدة التوحيد في نفوس الإنسان من خلال كون الحج والعمرة لله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) حيث قال تعالى: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ)
وقال ان كل حركات وسكنات الحج، وشعائره وفرائضه وأركانه و ما يقوله الحاج يؤكد توحيد الله لاسيما هذا الشعار العظيم الذي يكرره الحاج دوما (لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك .. إن الحمد والنعمة لك والملك .. لا شريك لك لبيك)
واكد ان توحيد الله سبحانه وتعالى هو الأساس في عقيدتنا الإسلامية وفي قبول العبادات، وهو الاساس في دخول الجنة، وان التركيز على التوحيد يهيئ الحجاج لأن يكونون كما وصفهم الله تعالى (حنفاء لله غير مشركين به) فهم يصبحون على دين الحنيفية، ودون أي معاني من معاني الشرك، سواء كانت هذه المعاني ظاهرة أم خفية.
واشار خطيب جامع عائشة إلى أن من معاني الحج ايضا التركيز على تصفية الداخل، سواء كان فيما يتعلق بالجانب الروحي أو القلبي أو النفسي أو العقلي ، مشيرا إلى أن هذه الأمور الأربعة هي في داخل الإنسان ، يركز مشاعر وشعائر الحج وكل الايات والأحاديث والسيرة النبوية العطرة على تصفية هذا الداخل (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ) والتقوى هو الربط الداخل بالله بحيث تكون الروح عالية سامية، وأن تكون النفس طيبة مطمئنة، ولا تكون أمارة بالسوء، وأن يكون القلب سليما مليئاً بالحب لله سبحانه وتعالى وللمؤمنين، وأن يكون هذا القلب بعيدا عن الحقد والبغض والعنصرية وغير ذلك، وأن يكون هذا العقل خادما لهذا الدين، مفكرا في مصلحة أمته ومستعملاً طاقاته لخدمة هذه الأمة.
وشدد على ان القران الكريم ركز في الحج في هذه الفترة كلها بدءاً من يوم السفر إلى يوم العودة على الجانب الأخلاقي، وأهم هذه الأخلاق عفة اللسان وعفة الفرج والصبر وكظم الغيظ، فالله سبحانه وتعالى يقول (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) والرفث هو معاشرة الإنسان زوجته بالحلال ولكن خلال فترة الإحرام لا يجوز من الإنسان أن يقترب من زوجته، فكيف ببقية المحرمات وفي خلال هذه الفترة يجب ان لا يجادل الانسان ولا يماري، لا في القضايا الفقهية ولا في قضايا أخرى،.
ودعا إلى متابعة النبي الرسول صلى الله عليه وسلم في الشعائر والعبادات في الحج كلها (خذوا عني مناسككم) مع بيان الفرق لما هو فرض أو سنة وكذلك تعظيم شعائر الله وإجلالها ومحبتها (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) ..و اشار الى ان الغرض من هذه الدورة التربوية أن يتعلم الإنسان حتى يستفيد منه في حياته وتعامله إذن يترك الجدال والفسق في كل مجالات الحياة وهذا واجب المسلم دائماً.
كل الأركان الخمسة تركز على أن يكون هذا الإنسان متميزا بأخلاقه وجماله وجمالياته وسلوكياته وتصرفاته وأقواله وأفعاله عن الآخرين.
تسارع الحجاج
وانتقد الخطيب تسارع الحجاج في رمي الجمرات مع ان وقته يمتد لأكثر من 24 ساعة واضاف : لقد ثبت لي من خلال بحث قمت به وقبلي علماء آخرون من المراجع التي طبعت مثل مصنف عبد الرزاق: أن 14 صحابي وتابعي رموا جمرة العقبة في اليوم الأول من بعد منتصف الليل إلى الليل الآخر أي حوالي 28 ساعة من اليوم الأول ثم اليوم الثاني 24 ساعة واليوم الثالث نفس الشيء،
وتساءل فضيلته : هل يجوز بعد ذلك ان يقتل الناس أو يموتوا لهذا السبب! (عليكم بالسكينة فإن البر ليس بالإيضاع)
وقال ان البر يكون باتباع منهج الله و أن يكون الإنسان متخلقا بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم من القدرة على التعامل باللين والرفق.
واشار خطيب جامع عائشة إلى أن الحج يركز على التربية على الضبط والنظام، حيث كل شعائر في وقته وله نظامه وأن حركات الأنسان محسوبة .
وقال إن الحج يركز على التربية وعلى كثرة ذكر الله تعالى والدعاء حيث يستحب فيه البكاء وكذلك التربية على الإستقامة ( الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) ..كما يركز الحج ايضا على ترسيخ التربية على التواضع وإنكار الذات حيث اللباس واحد، والوقوف واحد والشعائر واحدة وكذلك ترسيخ التربية على البذل والعطاء والتضحية والفداء والتربية على ترك المعاصي .
المعاني الاجتماعية بالحج
ولفت إلى أن الحج يحمل معاني اجتماعية كبيرة جدا ومن أعظمها الأخوة الإيمانية ووحدة المسلمين (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)
واشار إلى ان الحكمة والغرض أن يشهدوا المنافع الدنيوية والأخروية، وكلمة المنافع: جمع ولكنه جمع تكسير للكثرة، أي منافع كثيرة جدا جدا دنيوية وأخروية واجتماعية وسياسية واقتصادية، ولم ولن يفرض الله الحج ليموت فيها الناس، أو ليؤذي بعض الناس الآخر، وإنما فرض الحج لتحقيق الأخوة ولتحقيق معنى الأمة الواحدة، والمساعدة والتعاون فيما بين الناس، والإحساس بالأخوة، ومساعدة الآخرين
و نوه إلى أن بعض المفكرين الغربين حينما نظروا إلى الحج وجدوا فيه عظمة كبرى حتى نظموا المؤتمر في بداية القرن العشرين لبحث كيفية التبشير وقالوا أن من أخر التحديات التي تواجه المبشرين هو الحج وأن المسلمين جميعا يتجدد إيمانهم وأخوتهم من خلال ذهابهم إلى الحج ونزداد إيمانهم وطاقتهم وروحانيتهم. فأين الروحانيات والواحد يخاف على نفسه وأين الروحانيات والأوساخ تملأ كل الأماكن وأين الروحانيات والناس كأنهم سكارى
افساد المبشرين
وذكر فضيلته ان المبشرين قد علموا بخطورة الحج وخطبة الجمعة على تبشيرهم وعملوا على إفسادها بكل الوسائل، وقالوا (وبما أننا لا نستطيع منع المسلمين من الذهاب الى الخطبة والحج ولكن نستطيع أن نعمل شيئين بأن نشوه الحج لدى المسلمين وأن نجعل الخطباء غير قادرين على إنسجامهم مع المجتمع من خلال الدعايات، ونجعل من الناس أن لا يهتموا بخطبة الجمعة. فاصبحت أفضلية الخطبة اليوم بقلة دقائق الخطبة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وجعل الشيطان فعلا أن لا نستفيد من الخطبة كدين قادر، وليس هناك دين يستطيع أن يجمع الناس في يوم واحد كما هو في يوم الجمعة وليس هناك دين قادر على أن يجمع مليونين أو ثلاثة في بلد واحد على حسابهم وهم يشكرون الله أن أتموا شعائر الحج.