جريدة الراية – الدوحة
قال فضيلة د.علي محي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء
المسلمين: إن من المشكلات التي عانت منها الأمة الإسلامية منذ أكثر من قرن
قضية تحديد معاني العديد من المصطلحات. وأشار في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريق كليب إلى أن من المصطلحات التي التبست على أعداد غير قليلة من المسلمين مصطلح الاعتداء على الأموال، حيث يرى البعض أن النهي الوارد في القرآن والسنة النبوية المطهرة إنما يتجه نحو تحريم العدوان على أموال الآخرين بمعنى المال الخاص بينما الصحيح والصواب على ضوء الآيات الكريمة والأحاديث النبوية أن المقصود هو الاعتداء المطلق وهو ما يؤكده قول المصطفى صل الله عليه وسلم (كل المسلم على المسلم حرام ) فجميع ما للمسلم وكذلك لغير المسلم كما ورد في أحاديث أخرى حرام على المسلم وذكر الرسول ثلاثة أمور محرمة منه: دمه وماله وعرضه ولكن الآيات والأحاديث الأخرى تدل على أن للمسلم حقوقًا أخرى هي حريته وكرامته، وتدخل الكرامة في قضية عرض الإنسان وشرفه وكرامة الإنسان مرتبطة بحرمة إرادته واختياره وحينما تُسلب هذه الحقوق والإرادات والحريات من الإنسان حينئذ تقع هذه الاعتداءات في نظر الشريعة على قمة الاعتداءات التي تنال من كرامة الإنسان الذي نفخ الله سبحانه وتعالى فيه من روحه، وهذه الروح تشير إلى إرادة الإنسان وإلى عقل وكرامة الإنسان وإلى هذه النفخة الروحانية من عندالله سواء كانت هذه الإضافة إضافة تشريف أم غير ذلك.
وأضاف فضيلته أن المولى سبحانه وتعالى حرّم علينا أربعة أنواع من الاعتداءات هي، الاعتداء على المال بطريق الخفية وتسمى السرقة، وقد قال الله تعالى في حق مرتكبها ( السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما)، ومعظم المحققين لا سيما من علماء فقه اللغة يرون أن السارق يشمل سرقة الأموال وسرقة الحقوق وإن لم يكن هناك حد بقطع اليد لهؤلاء الذين يسرقون حقوق الإنسان وحريته وإرادته ولكن العقوبة المادية لا تعني أن هذه الجريمة عندالله سبحانه وتعالى أقل إجرامًا بل الآيات والأحاديث تدل على أن من يعتدي على كرامة الإنسان فهو أشد وأبعد من الله سبحانه وتعالى وأكثر تعرضًا لعقوبة الله في الدنيا والآخرة ممن يأخذ جزءًا من المال فإذا كان الرسول يلعن من يسرق بيضة فكيف بمن يسرق حقوق الشعب وأموال الشعب وكرامة الشعب، فهذا من باب طريق الأولى في مقاصد الشريعة وجوهر المعاني لكل هذه الآيات التي تتحدث عن الاعتداء الواضح أشد الوضوح في أن هذا الاعتداء يشمل كل هذه الجوانب سواء كان يسمى في اللغة السرقة أو خيانة إذا كان أخذ الحقوق عن طريق الغش وإذا كان عن طريق الغصب والقوة فيسمى في مصطلح القرآن فسادًا في الأرض وقطعًا في الطريق.
وقال إن الله توعد من يسرق حقوق الناس بالقوة والعنف سواء كانت معنوية أو مادية بأشد أنواع العقوبات (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ).
واعتبر فضيلته أن تحديد المصطلحات في غاية الأهمية ولذلك نهى الله عن استعمال كلمةٍ وأرشدنا إلى استعمال كلمة أخرى حينما كان بعض المسلمين يستعملون كلمة راعنا فقال سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا)، رغم أن الكلمتين في اللغة العربية بمعنى واحد فقد حذرنا الله من المصطلح الأول لأنه يستخدم من قبل اليهود في السب والشتيمة، فأرشدنا إلى مصطلح صافٍ
وأضاف: العلماء والدعاة يركزون على سرقة المال الخاص وينسون المال العام وهذا خلل كبير لأن سرقة المال العام أخطر عند الله تعالى من سرقة المال الخاص، لأن من يسرق المال الخاص يمكنه أن يذهب إلى الضحية ويطلب منه الصفح وبراءة الذمة لكن حينما يسرق الموظف أو المسؤول أو الحاكم فقد أفسد بهذا العمل في الأرض وسرق من أموال الأمة.
وحذّر الذين تورطوا في اقتراف مثل هذه الأعمال قائلاً: عليهم أن يتوبوا وأن يردوا هذه الأموال بقدر ما أخذوا وبقدر ما استفادوا وبقدر ما أفسدوا لعل الله أن يغفر لهم.