– جريدة الوطن – الدوحة
هجرة العقول والعمالة إلى الخارج، فقد أشارت التقارير الحديثة في الهند- مثلاً- إلى أن نحو 30% من خريجي معاهد القضاء وعلوم الكمبيوتر، والكيمياء، والهندسة الميكانيكية في الهند يهاجرون سنويًا إلى أميركا وكندا وغيرها.
وقد عقد في القاهرة مؤتمر لمناقشة هذه الظاهرة الخطيرة، توصل من خلاله إلى أن وراءها مجموعة من الأسباب حيث ذكر ضمن البحوث أن مصر وحدها هاجرت منها إلى الخارج أكثر من 824000 عالم في مختلف التخصصات، ونشرت جريدة الحياة دراسة أعدها مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية في الإمارات إلى أن الدول العربية تتكبد خسائر مذهلة لا تقل عن مائتي مليار دولار سنويًا بسبب ما يعرف بهجرة العقول العربية إلى الخارج، وأظهرت الدراسة أن 5.4% من الطلبة العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى أوطانهم وأن 34% من الأطباء الأكفاء في بريطانيا هم من العرب علمًا بأن عدد الأطباء العراقيين فقط في بريطانيا وحدها 2000 طبيب وأن 75% من الكفاءات العلمية المهاجرة تتجه نحو أميركا، وبريطانيا، وكندا، ومن الملاحظ أن هجرة العقول تدخل في الآثار الاجتماعية السلبية لأنها تؤدي إلى خلخلة الوضع الاجتماعي، وتدخل كذلك في الآثار العلمية السلبية، وفي الآثار الاقتصادية السلبية للفقر.
2- التفكك الأسري وزيادة الطلاق، أو عدم الزواج أصلاً، حتى أن الإسلام أمر من كان فقيرًا بالعفاف فقال تعالى: «وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ» وذلك لخطورة الفقر على الأسرة، فالزوج العائل إذا لم يجد مالاً ينفق على عياله الذين يتضورون جوعًا، أو يموتون بسبب عدم الدواء والغذاء يفكر- إن لم يكن تقيًا- في أي وسيلة لتحصيل المال، ولذلك يستغل تجار المخدرات هؤلاء الفقراء ويغرونهم بالمال حتى يوقعوهم في شباك التهريب والترويج لسموم الموت، بل إن الله تعالى أشار إلى ما كان يفعله الجاهليون من قتل أولادهم بسبب الفقر فعلاً، أو الخوف من وقوعه فقال تعالى: «وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُم مِّنْ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ»، وقال تعالى: «ولاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا».
ومن واقعية الفقه الإسلامي أن الفقهاء أجازوا التطليق قضاءً بسبب الإعسار وعدم القدرة على الإنفاق.
3- زيادة الجرائم بين الشباب، والنساء، والأحداث، فلا شك أن للفقر أثره الكبير في زيادة الجرائم التي تقع من الشباب، أو النساء، أو الأحداث، حيث ترى المدرسة الاجتماعية في تفسير الإجرام أن الأحوال الاقتصادية السيئة تحتل المرتبة الأولى في مسؤولية الجنوح نحو الإجرام، وأن هناك ارتباطًا وثيقًا بين الجريمة والدورات الاقتصادية، فالبيئة التي فيها الفقر والبطالة هي البيئة التي تكثر فيها جرائم المال والاغتصاب والقتل ونحوها- هذا بلا شك إذا جرد المجتمع من قيمه الدينية المؤثرة- وذكرت بعض الدراسات الاجتماعية أن 25% من أطفال المناطق الفقيرة يجنحون إلى الجريمة، في حين أن النسبة في المناطق المتقدمة لا تزيد على 1%، وكذلك تدل الدراسات الاجتماعية أن انتشار البغاء والدعارة له ارتباط كبير بالفقر والمناطق الفقيرة، وقد عملت مقابلات مع النساء الداعرات في تركيا في عهد أربكان- عندما كان رئيسًا للوزراء- فتبين أن نسبة كبيرة منهن دفعتهن الظروف المعيشية والجهل إلى هذه المهنة، وأن نسبة تزيد على 95% مستعدات لتركها إذا أتيحت لهنّ معيشة مناسبة مع زوج صالح، ولذلك فرق بعض الباحثين بين البغاء في المجتمعات الفقيرة الذي يرتبط بالحاجة، والبغاء في المجتمعات المتقدمة الذي يرتبط بالتحلل الجنسي والترفيه.
وهكذا تعاطي المخدرات، وتهريبها، حيث أوضحت بعض الدراسات: أن أكثر الفئات تعاطيًا للمخدرات هم الفقراء، ومتوسطو الجهل، حيث تأتي مرتبة الأغنياء في المرتبة الثالثة، وذلك لشيوع الجهل فيما بينهم والهروب من المشاكل وغير ذلك كما تشير الإحصائيات إلى أن حجم استهلاك المخدرات في الهند وصل إلى 250 طنًا متريًا عام 1987 وفي باكستان 34 طنًا متريًا، وفي دراسة للمجلس القومي للأمومة والطفولة بمصر تبين أن 16% من الشباب جربوا المخدرات، و4% منهم أدمنوا عليها، وأن مصر تكبدت خلال السنوات العشر الأخيرة 178 مليار جنيه، ولكن الواقع أن المخدرات منتشرة حتى في الدول الخليجية الغنية مما يستدعي دراسة عميقة مفصلة لجميع أسبابها التي لا تقتصر على سبب واحد.
خامساً- الآثار السياسية للفقر:
يترتب على شيوع الفقر في المجتمع عدة آثار سياسية منها:
1- الاستبداد السياسي، والتبعية السياسية في الداخل من خلال أن القوة تكون لأصحاب الأموال والنفوذ، وشراء الذمم في الداخل، والتبعية السياسية للخارج، أي للدول الاستعمارية المانحة للقروض والمساعدات.
والواقع الفعلي للشعوب الفقيرة هي أنها تعاني من الاستبداد السياسي والديكتاتورية المطلقة، وأن للفقر دورًا في صنع المستبد والديكتاتور الذي يعتمد على الشعارات البراقة وعلى دعم الطبقات الجاهلة، وإبعاد الطبقات المتعلمة والسياسية عن مراكز القرار، والمشاركة السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني، وبالمقابل إعطاء الدور الأكبر للعسكر، والإنفاق العسكري، لذلك يظهر لنا بوضوح أن هناك خطة لتطبيق سياسة التجويع والإفقار في عالمنا الإسلامي لإعداده للاحتلال المباشر من جديد «والله المستعان».
2- الاضطراب السياسي وعدم الاستقرار، حيث تدل التجارب الواقعية على أن الفقر أحد أسباب الفوضى والاضطراب، وأن معظم المشاكل السياسية تعود إلى الفقر والعوز والحرمان، وأن غنى الشعب أحد أهم الأسباب لاستتباب الأمن، لأن الأمن من مصلحته، ومصلحه ماله فيحافظ عليه، ناهيك أن المجتمع الفقير محروم تنقص فيه نسبة المتعلمين، وتزداد فيه نسبة الأمية، لاسيما إذا رأى الفقير المعدوم أن الأغنياء يتمتعون بغناهم المفرط وهو يتضور جوعًا، فلا يستبعد منه أن يبذل كل جهده للفوضى والاضطراب حتى يكون الجميع سواء، ناهيك عن استغلاله من قبل الأعداء للتجسس وإثارة المشاكل والقلاقل، كما يحدث الآن في بعض الدول الفقيرة.