الدوحة – الشرق
أوضح فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشروط الشرعية التي يجب توافرها في التعامل مع العملات.
وقال لم أجد في الصناديق الحالية التعامل بالعملات (فوريكس) بالهامش (مارجن) الشروط والضوابط الشرعية المطلوبة، وأشار فضيلته في فتوى له مجيبا على تساؤل وصله من أحد القراء إلى أن القبض الفوري من شروط التعامل الشرعي في العملات (فوريكس).
وكان نص السؤال كما يأتي: يثور التساؤل من حين وآخر حول مدى جواز التجارة في العملات (فوريكس) عن طريق الهامش (مارجن) ولاسيما نجد أن الفتاوى فيها قد اضطربت، وقد أنشئت صناديق تسمى صناديق إسلامية للاستثمار في العملات عن طريق الهامش، فنناشدكم الله تعالى أن توضحوا لنا حقيقة الأمر حتى نكون على بينة من الأمر.
وكان الجواب:
المقصود بالتجارة في العملات (فوريكس) عن طريق الهامش (مارجن) هو ما يجري في النظام الرأسمالي/ أن يدفع شخص ألف دولار، فيعطي له ائتمان (يسمونه قرضا) عشرة أضعاف، وفي بعض الأحيان مائة ضعف أو أكثر، ولكن بمجرد ما وصلت الخسارة إلى ما يقرب ألف دولار يسكر الحساب فيرجع العميل (صاحب الألف) بخفي حنين وتستفيد الشركة المستثمرة من العمولات فهل هذا جائز.
أولا أن الفتاوى لا تعطى بالجملة وإنما يجب أن تنزل على واقعة معينة بذاتها.
ومن المعلوم أن التعامل في العملات له شروط خاصة، منها: القبض الفوري الذي يتم بالقيد المصرفي.
ثانياً ـ وأما التعامل بالعملات (فوريكس) بالهامش (مارجن) فإنني لم أجد في الصناديق الحالية الشروط والضوابط الشرعية المطلوبة، لأن الجهة المقرضة ـ حسب دعواها ـ لا تقرض وإنما هي مجرد منح ائتمان وضمان في حدود مبلغك، وأن القرض لا يدخل في حسابك لا قانوناً ولا شرعاً، وبالتالي فهو تعامل على مجرد الائتمان، وإلاّ لو وجد من يقرضك قرضاً خفيفاً، ويدخل في حسابك، فهذا أمر آخر.
بالإضافة إلى ذلك فإن هناك مشكلة أخرى، وهي الجمع بين القرض، إنْ صح ـ الوكالة بالأجر التي هي من المعاوضات.
ولذلك صدر قرار من المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي حول تداول العملات وتجارتها، وهذا نصها:
القرار الأول:
المتاجرة بالهامش
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه. أما بعد:
فإن مجلس المجمع الفقهـي الإسلامـي، برابطـة العالم الإسلامي، في دورته الثامنة عشرة المنعقـدة بمكـة المكرمة، فـي الفترة من 10-14/3/1427هـ، الـذي يوافقه 8-12إبريل 2006م، قد نظر في موضوع: (المتاجرة بالهامش)، والتي تعني: (دفع المشتري ] العميل [ جزءاً يسيراً من قيمة ما يرغب شراءه يسمّى]هامشاً[، ويقوم الوسيط ] مصرفاً أو غيره [، بدفع الباقي على سبيل القرض، على أن تبقى العقـود المشتراة لدى الوسيط، رهناً بمبلغ القرض).
وبعد الاستماع إلى البحوث التي قدمت، والمناقشات المستفيضة حول الموضوع، رأى المجلس أن هذه المعاملة تشتمل على الآتي:
(1) المتاجرة (البيع والشراء بهدف الربح)، وهذه المتاجرة تتم غالباً في العملات الرئيسة، أو الأوراق المالية (الأسهم والسندات)، أو بعض أنواع السلع، وقد تشمل عقود الخيارات، وعقود المستقبليات، والتجارة في مؤشرات الأسواق الرئيسية.
(2) القرض، وهو المبلغ الذي يقدمه الوسيط للعميل مباشرة إن كان الوسيط مصرفاً، أو بواسطة طرف آخر إن كان الوسيط ليس مصرفاً.
(3) الربا، ويقع في هذه المعاملة من طريق (رسوم التبييت)، وهي الفائدة المشروطة على المستثمر إذا لم يتصرف في الصفقة في اليوم نفسه، والتي قد تكون نسبة مئوية من القرض، أو مبلغاً مقطوعاً.
(4) السمسرة، وهي المبلغ الذي يحصل عليه الوسيط نتيجة متاجرة المستثمر (العميل) عن طريقه، وهي نسبة متفق عليها من قيمة البيع أو الشراء.
(5) الرهن، وهو الالتزام الذي وقعه العميل بإبقاء عقود المتاجرة لدى الوسيط رهناً بمبلغ القرض، وإعطائه الحق في بيع هذه العقود واستيفاء القرض إذا وصلت خسارة العميل إلى نسبة محددة من مبلغ الهامش، ما لم يقم العميل بزيادة الرهن بما يقابل انخفاض سعر السلعة.
ويرى المجلس أن هذه المعاملة لا تجوز شرعاً للأسباب الآتية:
أولاً: ما اشتملت عليه من الربا الصريح، المتمثل في الزيادة على مبلغ القرض، المسماة (رسوم التبييت)، فهي من الربا المحرم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) (البقرة:278-279).
ثانياً: أن اشتراط الوسيط على العميل أن تكون تجارته عن طريقه، يؤدي إلى الجمع بين سلف ومعاوضة (السمسرة)، وهو في معنى الجمع بين سلف وبيع المنهي عنه شرعاً في قول الرسول ?: ” لا يحل سلف وبيع … ” الحديث رواه أبو داود (3/384) والترمذي (3/526) وقال: حديث حسن صحيح. وهو بهذا يكون قد انتفع من قرضه، وقد اتفق الفقهاء على أن كل قرض جر نفعاً فهو من الربا المحرم.
ثالثاً: أن المتاجرة التي تتم في هذه المعاملة في الأسواق العالمية غالباً ما تشتمل على كثير من العقود المحرمة شرعاً، ومن ذلك:
1. المتاجرة في السندات، وهي من الربا المحرم، وقد نص على هذا قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة رقم (60) في دورته السادسة.
2. المتاجرة في أسهم الشركات دون تمييز، وقد نص القرار الرابع للمجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته الرابعة عشرة سنة 1415هـ على حرمة المتاجرة في أسهم الشركات التي غرضها الأساسي محرم، أو بعض معاملاتها ربا.
3. بيع وشراء العملات يتم غالباً دون قبض شرعي يجُيز التصرف.
4. التجارة في عقود الخيارات وعقود المستقبليات، وقد نص قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة رقم (63) في دورته السادسة، أن عقود الخيارات غير جائزة شرعاً، لأن المعقود عليه ليس مالاً ولا منفعة ولا حقاً مالياً يجوز الاعتياض عنه.. ومثلها عقود المستقبليات والعقد على المؤشر.
الوسيط الذي لا يملك
5. أن الوسيط في بعض الحالات يبيع ما لا يملك، وبيع ما لا يملك ممنوع شرعاً.
رابعاً: لما تشتمل عليه هذه المعاملة من أضرار اقتصادية على الأطراف المتعاملة، خصوصا العميل (المستثمر) وعلى اقتصاد المجتمع بصفة عامة. لأنها تقوم على التوسع في الديون، وعلى المجازفة، وما تشتمل عليه غالباً من خداع وتضليل وشائعات، واحتكار ونجش وتقلبات قوية وسريعة للأسعار، بهدف الثراء السريع والحصول على مدخرات الآخرين بطرق غير مشروعة، مما يجعلها من قبيل أكل المال بالباطل، إضافة إلى تحول الأموال في المجتمع من الأنشطة الاقتصادية الحقيقية المثمرة إلى هذه المجازفات غير المثمرة اقتصادياً، وقد تؤدي إلى هزات اقتصادية عنيفة تلحق بالمجتمع خسائر وأضراراً فادحة.
ويوصي المجمع المؤسسات المالية باتباع طرق التمويل المشروعة التي لا تتضمن الربا أو شبهته، ولا تحدث آثاراً اقتصادية ضارة بعملائها أو بالاقتصاد العام كالمشاركات الشرعية ونحوها، والله ولي التوفيق