جريدة الوطن – الدوحة
اعتبر فضيلة الشيخ د. علي محيي الدين القره داغي الامين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن ضعف الامة يعود الى التفرق والتشرذم، مضيفا أننا في الواقع لا نفعل ايماننا التفعيل الصحيح ولا نحرك القدرات الايمانية والطاقات الايمانية نحو التطبيق الصحيح. واشاد بما قامت به قطر في دعم استقرار السودان منتقدا تقاعس دول كثيرة عن ذلك وانتقد استفادة النظام السوري من كل المهل التي يمنحها من المنظمات الدولية واستحث احساس المسلمين ونخوتهم لما يجري في سوريا للاطفال والابناء.. وقال في خطبة الجمعة امس بجامع عائشة رضي الله عنها ان من أهم آثار الايمان الاحساس بآلام الآخرين، وبأوجاع الآخرين، وبفقر الآخرين، والاحساس بما يصيب الاخرين من المسلمين من مشاكل ومصائب، وقال الرسول الكريم في الحديث الصحيح «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
وتابع قائلا: ولوكنا هكذا كما شبهنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالجسد، لتحركنا حكاما ومحكومين لدعم اخواننا في سوريا، ولانقاذه من بطش هذا الظالم، وهواستفاد واستغل كل المهل التي تعطى له من قبل جامعة الدول العربية، ثم من قبل الامم المتحدة، ففي كل يوم يعطى مهلة لهذا النظام هو يسيح في الارض فسادا، ويقتل وينتهك الاعراض، ويغتصب النساء، ويستعمل شبيحته لمزيد من القتل والدماء، فأين النخوة الاسلامية واين هذا الاحساس لأخواتنا وابنائنا واطفالنا الذين يستشهدون هناك ومما يفعل بهم من تشويه.. مشددا على أن نعود الى هذا الايمان المؤثر الى هذا الايمان الذي يجعلك شاعرا بالاخرين متحسسا من كل شيء، وقادرا على أن تفعل ما يخدم الاخرين كما تخدم نفسك، حينذئذ يكون املنا كبيرا بأن نكون مع الانبياء والصديقين.
الإيمان الحقيقي
وكان قد بدأ خطبته قائلا: لو نظرنا الى عالمنا الاسلامي وخريطته الجغرافية وموارده البشرية والمالية وما حباه الله سبحانه وتعالى من الخيرات والبركات وما أودعه الله سبحانه وتعالى في باطن ارضه من الثورات والبترول والغاز وغير ذلك بالاضافة ما مكن الله سبحانه وتعالى به لهذه الامة من التمكن في البحار والمضايق وغير ذلك لتوصلنا الى ان ضعف العالم الاسلامي لا يعود الى قلة الموارد المالية ولا الى ضعف الجانب الجغرافي.. ومن جانب آخر فنحن كذلك لا نعاني من قلة الصائمين في رمضان ولا المعتمرين والحجاج وانما نعاني من قلة العاملين بهذا الايمان الحقيقي من قلة الذين يطبقون على انفسهم ما آمنوا به، من قلة ممن تتفرع السنتهم وجوارحهم وتصرفاتهم وسلوكياتهم من خلال الايمان، قبل ان نفكر في العمل نفكر في رضاء الله سبحانه وتعالى ونفكر في مدى مطابقة ما يقوله وما يفعله لشرع الله ورسوله.
واضاف: اذن يعود ضعف الامة الى التفرق والتشرذم والى أننا في الواقع لا نفعل ايماننا التفعيل الصحيح ولا نحرك القدرات الايمانية والطاقات الايمانية نحو التطبيق الصحيح.
فعالمنا اليوم رغم انه عالم اسلامي لكن الضوابط ضعيفة والاحساس بالآخر اضعف وربما حينما تأتي المصالح فمظم الناس لا يبحثون الا عن مصالحهم الشخصية او الحزبية وربما اول ما يظهر لنا هذا الضعف من خلال ما يحدث الان في السودان.
الإحساس بالآخر
وأضاف فضيلته: هنا يأتي الاحساس بالآخر، كيف يقتطع جزء مني وانا لا افكر به، وحينما اقتطع هذا الجزء من السودان لم تتحرك الدول التحرك المطلوب، واليوم كذلك لا يتحركون، انما مجرد إدانة لا قيمة لها بينما غيرنا يقولون ويفعلون، رغم ان مصر ساعدت جنوب السودان ورغم ان بعض الدول العربية ساعدته ولكن وقفوا مع دولة كبيرة مع الاسف الشديد ولذلك اسرائيل وقفت معه بالقوة وبالفعل ودعمته كما أرودتها كثير من الوكلات الاعلامية، والتقارير الدقيقية، وان اسرائيل زودت جنوب السودان بالاسلحة الفتاكة، ومن هنا استطاعت خلال فترة وجيزة ان تحتل بعض المدن، وهي اليوم تهدد باحتلال مدن أخرى كما يدعي رئيسها ذلك، بينما العرب رغم انهم يجمعهم الايمان والعروبة والمصالح والاخوة الاسلامية، كل ذلك لم تعط السودان لا سلاحا ولا مالا، وانما ترك السودان رغم ان السودان اذا تفكك اكثر سوف يتضرر منه العالم العربي، ولا سيما مصر وبقية الدول العربية، ولم يتحركوا التحرك المطلوب الا هذه الدولة، قطر، حينما ادركت خطورة ما تحاك بالسودان فحاولت على اقل تقدير الا تتفكك السودان من خلال بقية مناطقه وبقية اراضيه، ويبقى السودان موحدا على أقل تقدير فيما بقي له، ولكن دولة واحدة لن تستطيع ان يكون لها تأثير كبير، ولكن ماذا عن الدول العربية الكبرى؟ فمصر مشغولة بنفسها، والعسكر كنا ذكرناهم وشكرناهم على ما فعلوا في البداية، ولكنهم طبقوا فيما بعد أجندة لا تحمد عقباها، وكذلك بقية الدول الكبيرة الاخرى لا تتحرك باعتبارات قد لا تذكر في الخطبة، وبقي السودان يعاني من الفقر والجوع كما في دارفور وبقية مناطق اخرى من السودان.
موحدة ومؤمنة
وقال: هكذا اراد الله سبحانه وتعالى لهذه الامة ان تكون موحدة، وأن تكون مؤمنة، وان يكون هذا الايمان فعالا، والا فلا قيمة لهذا الايمان قيمة تذكر، ومن هنا يأتي حبر الامة وترجمان القرآن سيدنا ابن عباس رضي الله تعالى عنه يضع الكفر على مراتب، فيجعل كفران النعمة من الكفر، ويجعل كذلك تفرق الامة من الكفر، وفسّر قول الله سبحانه وتعالى «وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» حينما تتحدث عن تصرف الاوس والخزرج بسسب حيلة اليهود قال هذا الكفر هنا كفر تفرق، وهو كفر دون كفر. وبين انه ليس المقصود بالكافر في القرآن الكريم ان يكون مشركا فقط او ملحدا فقط وانما المقصود يشمل هذا ويشمل مراتب أقل من هذه المرتبة، وهي كفر التوحيد، فعدم التوحيد كفر حقيقي، وتفريق الامة ايضا كفر آخر وان كان اقل مرتبة. وهذه الامور لا تعالج الا من خلال ما أمر الله به، وهو ان نحرك إيماننا يقول الله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا) أي حركوا ايمانكم، فعلوا ايمانكم، اجعلوا ايمانكم متحركا يمشي معكم، يؤثر فيكم، ويوجهكم نحو الصحيح، ومن هنا وضع الله سبحانه وتعالى لهذا الايمان المتحرك القوي الذي يجمع ولا يفرق، الذي يقوي ولا يضعف به الامة، جعل له معيارا، وجعل له مقيساسا يقاس به، والمقياس هو ايمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وايمان صحابته الكرام حينما قال (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا ۖ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ) فلذلك يجب ان يكون إيماننا مثل إيمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أن يكون إيماننا مثل ايمان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تآخوا وتوحدوا وأزالوا في أنفسهم حظوظ النفس.