الحلقة : العاشرة

المواطن داخل ضمن العقد الاجتماعي الذي ينظم العلاقة بين المواطن والدولة ، ولذلك تنظم معظم الدساتير حقوق المواطنة ومسؤولياتها حيث إن من مقتضياتها أو من واجباتها على المواطن ما يلي:

1- الولاء والانتماء للوطن.

2- تحمل الواجبات المالية بدفع الضرائب والرسوم عند الطلب ، وبالخدمة العسكرية ونحوها ، واحترام الدستور والنظام العام ، والحفاظ على الممتلكات العامة ، وعدم خيانة الوطن ، والتصدي للشائعات المغرضة ، والتكاتف مع أفراد المجتمع لحماية الوطن.

3- المشاركة في الحياة العامة وفي الأنشطة السياسية والاجتماعية.

4 – قبول جميع المواطنين – على أساس المواطنة فقط – مهما كانت عقديتهم ودينهم .

ومن الواجبات الملقاة على الدولة ما يلي :

1- حماية حقوق الوطن ، والمواطن وحريته وكرامته وإنسانيته وحياته.

2- السعي الجاد لتوفير الأمن السياسي ، والاجتماعي ، والاقتصادي ، والصحي ، والثقافي ، والتعليمي ، والقانوني ، والقضائي بالعدل والانصاف والمساواة .

3- المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص.

4- توزيع الثروات توزيعاً عادلاً حسب الدستور والقوانين العادلة والسعي الجاد لحمايتها ، بل وتحقيقها واكتشافها والافادة منها لتحقيق حياة كريمة لكل مواطن ..

وأما مصطلح (الوطنية) فيستعمل في تبني الفكر الوطني ، وجعله الرابط الجامع ، فالوطني هو من يتبنى ذلك ويظهر مشاعر حب الوطن .

وتتحقق المواطنة في عصرنا الحاضر بالجنسية وهي بكونه مواطناً ولد من والد له جنسية البلد ، أو اكتسب الجنسية بسبب مشروع في ظل الدولة ، ولذلك تعتبر من مكوناتها الأساسية : الدولة ، والشعب ، والأرض ، والانتماء الجامع الذي تمثله القومية ، ولذلك لأن فكرة المواطنة ظهرت بديلاً عن فكرة الكنيسة الجامعة لأهلها على يد القوميين الثائرين عليها.

ويرى الأستاذ علي الكواري أن ثلاثة تحولات كبرى متكاملة حدثت في أوروبا هي التي أرست مبادئ المواطنة في الدولة القومية الديمقراطية المعاصرة ، وهي :

1- بروز الدولة القومية نتيجة صراع الملوك مع الكنيسة.

2- المشاركة السياسية للمواطنين.

3- صياغة القوانين التي تنظم العلاقات على أساس المواطنة ولكنها في ظل العولمة وتداعياتها تمر المواطنة بمرحلة المراجعة التي تستهدف كسر حاجزها القومي ، كما هو الحال في الاتحاد الأوروبي الذي كسر حاجز القوميات.

وقد استفادت أوروبا من وحدتها السياسية والاقتصادية فأصبحت قوة ثانية أو ثالثة اقتصادياً بعد أمريكا والصين فلولاها لما أمكنها إنقاذ بعض دولها من الافلاس الاقتصادي مثل اليونان ، واسبانيا ، وايطاليا ونحوها ، كما أنه لولا هذه الوحدة لما استطاعت أيضاً دولها الكثيرة أن تشكل هذه القوة الضاغطة سياسياً القادرة على الدفاع عن نفسها ومصالحها وأن تكون لسياستها القوة الملحوظة دولياً واقليمياً حيث ظهرت بوضوح – حتى بعيدة عن أمريكا – في إسقاط نظام القذافي ، وعسكرياً حيث وفرت الأموال الكثيرة للصرف على مجموعة من الجيوش القوية من خلال القوة العسكرية الضاغطة (ناتو) بالتعاون مع أمريكا.

وقصدي من ذلك أن الانحسار في الدائرة القومية الضيقة ، أو المواطنة الضيقة له سلبياته الكثيرة ، ومن هنا فعلينا أن نستفيد من إيجابياتها ، ولا نأخذ سلبياتها – كما سنوضحه فيما بعد – بل إن الغرب تعامل بها بروح المصالح ودرء المفاسد ولم يتعصب لها عندما وجد أن مصالحه في الوحدة الأوروبية بل الوحدة الأوروبية الأمريكية .

يقول المفكر الاسلامي الأستاذ راشد الغنوشي : (ارتبط مفهوم المواطنة في الفكر السياسي الحديث بالدولة القومية من جهة ، وبالديمقراطية من جهة ثانية ، وبالعلمانية غالباً ، إذ أن الدولة في السابق (أي في عهد الكنسية) كانت مرتبطة بالدين المسيحي الجامع لعدد من القوميات والأعراق ، وكان الدين هو الرابط ، فلما تخلت أوروبا عن الدين ..تبنت الوطنية القومية ، ولكنها لم تربط المواطنة بالمساواة دائماً).

وحقاً أن المساواة بين الهنود الحمر (السكان الأصليين) وبين الأمريكيين المستوطنين لم تتحقق في أمريكا في ظل المواطنة ، كما لم تتحقق هذه المساواة للسود إلى وقت قريب ، كما أن ألمانيا في ظل الحكم النازي فعلوا باليهود المواطنين هولكوست ، كما أن الأفكار اليمينية المتطرفة في أوروبا اليوم لا تعترف بالمساواة بين المسلمين المواطنين وغيرهم ، بل تطالب بطردهم من أوروبا ، وتضيق على حرياتهم الدينية ، فقد صدرت قوانين بمنع النقاب ، بل والحجاب في بعض الدول.

مدى الفرق بين الجنسية والمواطنة :

إن مما لاشك فيه أن المواطنة تقوم على أساس الجنسية ، وأن من لديه جنسية دولة يتمتع – من حيث المبدأ – بجميع الحقوق المقررة له من خلال دستورها ، وكذلك عليه واجبات، ولذلك لم يذكر معظم الباحثين أو الموسوعات الدولية الفرق بينهما ، فكلاهما بمعنى واحد ، أو مؤداهما واحد.

ولكن دائرة المعارف البريطانية فرقت بينهما من حيث إن الجنسية تتضمن بالاضافة إلى المواطنة حقوقاً أخرى مثل الحماية من الخارج.

وأزعم أن هذا الفرق غير جوهري إذ من حقوق المواطن على دولته أن تدافع عنه ، وتحميه بكل الوسائل المتاحة حتى خارج وطنه.