الحلقة : الثالثة

الإسلام يعترف بمجموعة من دوائر الارتباط والوشائج وإن كان قد جعل وشيجة العقيدة والاخوة الإيمانية هي الأساس ، حيث يريد من خلال التوسع في هذه الدوائر إيجاد أرضيات مشتركة للتقارب والتعايش والتعاون ، والدعوة ، وتلك الدوائر هي:

أ ـ دائرة الإنسانية حيث الجميع من آدم وحواء ولذلك يجيء الخطاب بـ : يا أيها الناس.

ب ـ دائرة القومية ، حيث عبر القرآن عنها بالاخوة أيضاً ـ كما سبق ـ .

ج ـ دائرة أهل الكتاب

د ـ وأخيراً دائرة الباحثين عن الحق مطلقاً.

9- ان إعلان الإسلام الجهاد في أول آية تنزل فيه ؛ لأجل الحرية الدينية ، والمعابد مطلقاً لا بدّ أن يأخذ حيزاً كبيراً في التعامل ، حيث يقول الله تعالى : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ) .

10- ان في تركيز الإسلام ـ على أن الجهاد في سبيل الله ليس القتال فقط ، بل القتال هو آخر المطاف بشروطه وضوابطه ـ إعطاءً لفرص أخرى من الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة ، ونحوها.

11- ان مقاصد الشريعة في الاختلاف هو التعارف ، وليس الصراع ، والتناحر بنص القرآن الكريم فقال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) .

12- إن المبدأ العام الذي أوجبه الله تعالى للتعامل مع غير المسلمين هو ما ذكره القرآن الكريم في الآيات الثلاث الآتية : (عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) حيث تؤكد على ما يأتي :

أ- ان الإسلام يتطلع إلى إزالة العداوة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين المشركين ، وأسبابها ، حتى تعم المودة ، والتعايش والأمن والأمان.

ب- أن الذين لم يقوموا بالاعتداء وعدم الإخراج والقتال ضد المسلمين فهؤلاء يتعامل معهم على أساس الاحسان والعدل.

ج- وأن الإسلام لا يعلن الحرب إلاّ على مَنْ أعلنوا الحرب والقتال ضد المسلمين وتآمروا على المسلمين فأخرجوهم من ديارهم بمكة ، فهؤلاء لا يجوز نصرتهم والولاء لهم.

الأحكام العامة المرتبطة بفقه الأقليات المسلمة:

وأما الأحكام العامة المرتبطة بفقه الأقليات المسلمة فهي :

1- إن الأصل في جميع التكاليف الشرعية هو شمولها لجميع المكلفين إذا توافرت شروط التكليف في الحكم الشرعي ، وشروط التكليف ، والتنزيل ، والتنفيذ ، وتحقيق المناط هي التي تجعل دائرة الحكم الشرعي واسعة أو ضيقة ، أو غير موجودة .

2- إن الأحكام التكليفية سواء كانت للأكثرية أم الأقلية منوطة بالقدرة والاستطاعة التي تتاثر بالزمان والمكان والظروف والأحوال ، فقد قال الله تعالى : (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) وقد تكرر محتوى هذه الآية في القرآن الكريم ، وفصلتها السنة النبوية المطهرة.

3- إن علاقة الأقلية الإسلامية بدولتها وبالمؤسسات والمجتمع تقوم على أساس حقوق المواطنة التي تنشأ من العقود التي رضي بها المسلم ، ومن النظام الذي قبله ، والقوانين والتشريعات السائدة ، وبالتالي فيجب عليه أن يؤدي ما عليه من حقوق مشروعة ، كما قبل أواستفاد مما له من حقوق منذ دخوله تلك البلاد أو وجوده الأصلي فيها – وسيأتي تفصيل لذلك –

4- إن قاعدة التيسير ورفع الحرج والمشقة ومراعاة حالات الضرورة والحاجة للأفراد ، والجماعة من المبادئ العامة القطعية التي تواترت عليها نصوص الكتاب والسنة ، وعليها الاجماع.

5- إن في الإسلام أحكاماً لا يتحقق تطبيقها ، بل ولا يجب تطبيقها إلاّ في ظل دولة إسلامية مثل قضايا الحدود والعقوبات المقررة في الإسلام.

6- إن من مقاصد الشريعة أمن الجماعة والمجتمع والحفاظ عليه بالاضافة إلى أمن الفرد في نفسه وعرضه ، وبالتالي يجب أن يكون هذا المقصد دائماً أمام نظرنا في كل حكم ، أو نشاط إسلامي ، بل إن حاجيات الجماعة ، والمجتمع تنزل منزلة الضرورة ، فلتقرأ ما ذكره إمام الحرمين : الجويني :

7- إن الأصول العامة للفقه الإسلامي هي : (الكتاب ، والسنة ، والاجماع ، والقياس ، وشرع من قبلنا ، والمصالح المرسلة ، والاستحسان ، والعرف) هي الحاكمة في فقه الأقليات أيضاً ، ولكن مع ربطها بالمقاصد العامة للشريعة وفقه المآلات وسد الذرائع ، والتدقيق في تحقيق المناط ، وشروط التنفيذ ، وفقه التنزيل ، ورعاية القواعد العامة والمبادئ العامة الخاصة بالتيسير ورفع الحرج ، ورعاية الفتوى بتغير المكان والزمان والأعراف ، ونحو ذلك.