بقلم حسن عبيد
أكّد الأمين العام للاتّحاد العالميّ لعلماء المسلمين البروفسور علي محيي الدين القره داغي أنّ الاتّحاد لا يتأثّر في مواقفه بأيّ جهّة سياسيّة، وأنّ مواقفه مستقلّة، وتسعى إلى تحقيق خدمة القضايا الإسلاميّة، وهو يمثّل المسلمين في كلّ مذاهبهم وطوائفهم.
وأكّد القره داغي خلال لقائه مع “المونيتور” في مدينة كولن الألمانيّة في 12 نيسان/إبريل الجاري، أنّ الاتّحاد يقف إلى جانب حركة حماس ويدعمها في دفاعها عن الشعب الفلسطينيّ، ويعرّف الاتّحاد العالميّ لعلماء المسلمين نفسه بأنّه اتّحاد إسلاميّ خالص، يتكوّن من علماء مسلمين، ويعمل لخدمة القضايا الإسلاميّة، وهو يمثّل المسلمين بكلّ مذاهبهم وطوائفهم، لا يتبع دولة من الدول ولا يعادي الحكومات.
المونيتور: لماذا أيّد الاتّحاد العالميّ لعلماء المسلمين حملة “عاصفة الحزم” ضدّ جماعة أنصار الله في اليمن؟
القره داغي: قمنا بإدانة الظلم والاستبداد في مصر، ووقفنا مع الحريّة في سوريا وفي كلّ مكان، ونقف مع الحقوق المشروعة للفلسطينيّين. ومن المنطلق الإسلاميّ نفسه ومع بداية الانقلاب الحوثيّ، أصدرنا بيانات عدّة لإدانة هذا الانقلاب، كما أدنّا الانقلاب في مصر، وليس لدينا ازدواجيّة معايير. وأصدرنا بيانات ننصح فيها جماعة الحوثي بالعودة إلى أماكنها وعدم المساس بالشرعيّة والالتزام بالمبادئ والمواثيق التي اتّفقت عليها أغلب مكوّنات الشعب اليمنيّ. ولكنّ الحوثيّين، وهم أقليّة لم يستمعوا إلى نصائح الاتّحاد، وتمادوا إلى حجز الرئيس عبد ربّه منصور هادي، وفرض انقلابهم بالسلاح والقوّة على الشعب اليمنيّ والاستقواء بالخارج. أمام هذا الوضع، استعان الرئيس اليمنيّ بدول الخليج لإعادة اليمن إلى الشرعيّة، واستجابت الدول الخليجيّة إلى هذا الطلب. ونحن في الاتّحاد، نؤيّد هذه الاستجابة.
المونيتور: هل موقف الاتّحاد العالميّ لعلماء المسلمين من حملة “عاصفة الحزم” كان سياسيّاً أم شرعيّاً؟
القره داغي: وجدنا أنّ التأصيل الشرعيّ لهذه القضيّة هو أنّ السلطة الشرعيّة في اليمن بقيادة منصور، جاءت بإقرار الشعب اليمنيّ، وبالتالي يكون هذا الانقلاب العسكريّ الدمويّ داخلاً في باب البغاة، “فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ”. وهذا ما طبّقه سيّدنا علي رضي الله عنه على الخوارج لأنّهم خرجوا خروجاً مسلّحاً عن طاعته. ومن هنا، كان الموقف الشرعيّ لهذا التأصيل من دون تأثّرنا بأيّ موقف سياسيّ لأيّ دولة. فالاتّحاد التزم من خلال نظامه الأساسيّ وما اعتمدته الجمعيّة العموميّة، بالوقوف مع العدل ضدّ الظلم، حتّى لو أدّى ذلك إلى الإضرار به استناداً إلى قوله تعالى: “الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا”.
المونيتور: ما هي طبيعة العلاقة بين الاتّحاد العالميّ لعلماء المسلمين ودول الخليج، وخصوصاً العلاقة مع المملكة العربيّة السعوديّة بعد وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز؟
القره داغي: ليس عندنا موقف سلبيّ مع أيّ دولة خليجيّة، وخصوصاً المملكة العربيّة السعوديّة. وللسعوديّة مكانة خاصّة لدى الاتّحاد. لدينا مواقفنا الشرعيّة التي اختلفت مع السعوديّة، كالموقف من الانقلاب في مصر، فلا يجوز شرعاً دعم هذا الانقلاب والمفروض الوقوف مع الشرعيّة، وأيّ خلل أثناء حكم مرسي كان من المفترض علاجه بالمصالحة. ومواقف السعوديّة حاليّاً مع أمّتها، والسعوديّة على مرّ التاريخ تقريباً تقوم بالإصلاح بين المتخاصمين في العالمين العربي والإسلاميّ، مثل دورها المحوريّ في المصالحة بين أطراف النزاع في أفغانستان، والمصالحة بين فتح وحماس، ونحن متفائلون بدور مهمّ للسعوديّة للإصلاح بين المتخاصمين في العالم الإسلاميّ، وخصوصاً بين السنّة.
المونيتور: ما موقفكم من تصنيف الإمارات العربيّة المتّحدة للاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين بالإرهابيّة؟ وهل تواصلتم مع الإمارات حول هذا الموضوع؟
القره داغي: هذا موقف متسرّع. فالاتّحاد يضمّ علماء الأمّة، ويضمّ حوالى 95 ألف عالم و67 منظّمة وجمعيّة علمائيّة. نحن متفائلون بتراجع الإمارات بسرعة وحذف الاتّحاد من هذه القائمة. وهذه القائمة محليّة تابعة للإمارات، وليس لها تأثير على العالم، وهي تضمّ مؤسّسات لها صفة استشاريّة في وزارة الخارجيّة الأميركيّة، مثل منظّمة كير. لم نتواصل مع الإمارات مباشرة، وقد وصلها موقفنا، ونحن كاتّحاد لم نسئ إلى أحد، ويجب التفريق بين الاتّحاد ومواقفه من خلال بيانات رسميّة، وشخصيّات منتمية إلى الاتّحاد. ومهما كانت طبيعة هذا الشخص، فإنّ رأيه لا يمثّل الاتّحاد، وإنّ ما يمثّل الاتّحاد هو البيانات التي يعتمدها الرئيس والأمين العام، أو مجلس الأمناء.
المونيتور: هل للاتّحاد العالميّ لعلماء المسلمين دور سياسيّ في بعض القضايا العربيّة والإسلاميّة؟ بمعنى هل قمتم بالوساطة بين بعض الأطراف المتخاصمة؟
القره داغي: كنّا في صدد عقد مؤتمر قبل تمدّد الحوثيّين بين علماء الزيديّة والشافعيّة من خلال فرع الاتّحاد في اليمن. ولكنّ تسرّع الحوثيّين وتمدّدهم بالسلاح، قضى على هذا الجهد للمصالحة. وحاولنا قبل 30 حزيران/يونيو 2013 التوسّط والمصالحة بين الأطراف المختلفة في مصر، ولدينا “مجلس حكماء المسلمين”، ويرأسه الرئيس السودانيّ الأسبق المشير عبد الرحمن سوار الذهب، ويضمّ شخصيّات رفيعة المكانة، منها رئيس وزراء ماليزيا السابق الدكتور مهاتير محمّد، ولكن للأسف، لم ننجح في الوساطة. وفي شكل عامّ، لم تنجح وساطاتنا في العالم العربيّ.
المونيتور: هل نجحت وساطاتكم خارج العالم العربيّ؟
القره داغي: نعم، نجحنا في وساطات في العالم الإسلاميّ، فقد نجح الاتّحاد مثلاً في عام 2010 في قرغيزستان، وأنا كنت على رأس وفد من علماء المسلمين، وكانت الزيارة تلبية لدعوة عمر بك تيكيبايف، نائب الرئيسة القرغيزية روزا أوتونبايفا، وكان هناك صراع محتدم بين القرغيز والأوزبيك، ونحن رأينا 3000 منزل محترق. واستهدفت الزيارة مساعدة قرغيزيا في بلوغ المصالحة الوطنيّة وإعادة إعمار البلاد. واستطعنا الإصلاح بين أطراف النزاع، ولم تحدث مشكلة منذ عام 2010 ولغاية هذا اليوم. وقمنا أيضاً في عام 2012 بالإصلاح بين الحكومة الداغستانيّة والمعارضين، وقد عبّر رئيس جمهوريّة داغستان السيّد محمّد سلام محمدوف عن سعادته بقيام الأمين العام للاتّحاد العالميّ لعلماء المسلمين بتلبية دعوته لزيارة داغستان، مثمّناً دور الاتّحاد في حلّ العديد من القضايا الشائكة التي كان آخرها فضّ النزاع العرقيّ في قرغيزستان(قرغيزيا)، وكذلك اعتماده منهج الوسطيّة والاعتدال.
المونيتور: ما هي علاقة الاتّحاد العالميّ لعلماء المسلمين بجماعة الإخوان وحركة حماس؟
القره داغي: يضمّ الاتّحاد جميع علماء المسلمين، علماء الاتّحاد وعلماء السنّة وعلماء مقرّبين من حماس والأباضية والسلفيّة والزيديّة والصوفيّة والتبليغ، وننظر إلى حركة حماس من باب النظر إلى القضيّة الفلسطينيّة، وقضيّة فلسطين يجب أن تكون قضيّة كلّ العرب والمسلمين والعالم الإنسانيّ الحرّ، وليس فقط قضيّة الاتّحاد. فنحن نقف ضدّ القمع والاستبداد والتشريد والاعتقال الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيليّ، وهذا موقف إنسانيّ ودوليّ، وحماس تدافع عن حقّ الأمّة، والأمّة يجب أن تقف مع من يدافع عن قضيّتها الأولى.
المونيتور: هل لكم تأثير على بعض حركات المعارضة السوريّة، خصوصاً الإسلاميّة منها ؟ وهل تطلب منكم بعض الفتاوى؟
القره داغي: نحن اتّحاد يضمّ علماء واتّحادات وجمعيّات سوريّة. وهناك ستّ جمعيّات من علماء سوريا متمثّلة في المجلس الأعلى للعلماء الذي يرأسه الشيخ أسامة الرفاعي، جميعها أعضاء في الاتّحاد. ولدينا تواصل طبيعيّ مع الحركات السوريّة السياسيّة المعارضة، ولكن ليس تواصلاً رسميّاً، فتواصلنا الرسميّ هو مع علماء سوريا.
المونيتور: قضت محكمة مصريّة في 11 نيسان/إبريل الحالي بإعدام المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمّد بديع و13 آخرين في القضيّة المعروفة بغرفة عمليّات رابعة، ما هو موقف الاتّحاد من هذه الأحكام؟
القره داغي: أصدرنا بيانات عدّة حول الإعدامات لأنّها ظلم وتفتقد إلى أدنى شرعيّة أو قانونيّة. وقد شجبنا هذه الأحكام، وطلبنا من الدول العربيّة والإسلاميّة والمنظّمات الحقوقيّة أن تتدخّل لإيقاف هذه الأحكام، لأنّها تخالف شرع الله والقوانين وأبسط القواعد في أحقيّة أيّ متّهم في الدفاع عن نفسه. أحكام الإعدامات أحكام جائرة، وهذا ما أكّدته المنظّمات الحقوقيّة في العالم.
حسن عبيد