أكد فضيلة الدكتور القره داغي ، أن إراقة الدماء في سوريا واليمن، تفقدان حكامهما شرعية الحكم باتفاق العلماء.
ونبه إلى أن المقصد الشرعي من الإمام أو من الخليفة أو من أي حاكم هو حماية المسلمين، فإذا لم يوفر الحماية افتقد الشرعية.
وأشار إلى أن الحلال والحرام خصوصية لهذه الأمة، في جميع مجالات الحياة، وهما الدافع وراء تقدمها.
وقال: من أراد أن ينجو فيجب عليه أن يلتزم بأوامر الله سبحانه وتعالى في اكتساب الأموال.
وأكد أن المال الحرام «له آثار خطيرة على عباداتك وعلى تعاملك وعلى دعائك وتقربك وتضرعك عند الله سبحانه وتعالى».
وخاطب من يقول إنه يحب وطنه قائلا: إذا كنت تدعي حب الوطن، فاعمل لوطنك.
جاء ذلك في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بجامع السيدة عائشة بفريق كليب.
واستنكر القره داغي ما تدعو إليه الجامعة العربية من المصالحة بين الشعوب والأنظمة العربية خاصة في اليمن وسوريا، واستنكر أن تتم مثل تلك المصالحة مع أنظمة تعيث فسادا في الأرض وتقتل شعوبها، مشيراً إلى أن أي نظام يقتل شعبه يفقد شرعيته حتى لو كان قد جاء بطريقة شرعية للحكم.
وتحدث في الخطبة عن المال واكتسابه وخصوصية الأمة الإسلامية بالحلال والحرام.. فقال:
وفي هذه الخطبة، نحاول أن نتحدث عن المسؤولية في هذه الأموال حينما يعطي الله سبحانه وتعالى هذه الأموال للإنسان، فما مسؤوليته أمام هذه الأموال؟ ومن هنا يأتي الحديث النبوي الشريف حول الأسئلة التي توجه إلى الإنسان، وهي أربع أسئلة أساسية، وأسئلة أخرى توجه إلى الإسنان وهو أمام الله سبحانه وتعالى، وأول ما يسأل عنه سؤالان يخصان جانب المال، كيف اكتسب الإنسان هذا المال؟ وفيم أنفقه؟ لذا يجب على كل إنسان مسلم أن يعد نفسه لهذا اليوم العصيب، الذي فيه ترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، في هذا اليوم العظيم، في هذا اليوم المشهود يسأل الإنسان هذان السؤالان، الأول: كيف اكتسبت هذا المال؟ والثاني: فيم أنفقته؟ ومن هنا يكون حديثنا اليوم حول الإجابة الشرعية التي يجب علينا أن نعدها لذلك اليوم حول هذين السؤالين الخطيرين العظيمين.
الإجابة على السؤال الأول: من أراد أن ينجو في ذلك اليوم، وأن ينال رضاء الله سبحانه وتعالى، فيجب عليه أن يلتزم بأوامر الله سبحانه وتعالى في اكتساب الأموال، بأن يكتسب المال بأوجه شرعية، بأوجه مشروعة، بطرق مشروعة وهي كثيرة وليست قليلة، ولكن النفس الأمارة بالسوء ووراءها الشيطان هي التي تدفع الإنسان إلى ارتكاب المحرمات في الأموال، مع أن المحرم في الأموال لم يجعل الله سبحانه وتعالى فيه البركة لا في ذاته، ولا في صاحبه، ولا في عمر صاحبه، ولا في أهله إلا إذا تابوا إلى الله سبحانه وتعالى. وذكر أنه يجب على كل مسلم أن تكون لديه معلومات كافية حول أساليب الرزق، وكيفية اكتساب الرزق، فإن كان تاجرا فيجب عليه أن يعلم الحلال والحرام فيما يخص جانب المال والتجارة في الأموال، وإذا استشكل عليه يجب عليه أن يسأل أهل العلم: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، وهذا واجب عظيم، وكانت الدولة الإسلامية تشارك في تحقيق هذا الواجب، مثل سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه، حيث كان يقف عند الأسواق، ويسأل التاجر بعض الأسئلة حول الحلال والحرام في البيع إن كان بائعاً، وكيف تؤجر، وكيف تكون سمسارا، وما الواجبات الشرعية، فإذا كان البائع له العلم بذلك، سمح له أن يتاجر في أسواق المسلمين، وإن لم يكن كذلك فحينئذ يمنعه ويقول له: تعلم الحلال والحرام في الأموال قبل أن تأتي إلى الأسواق، حتى لا ترتكب المحرمات.
آثار الحرام
وأوضح أن المال الحرام له آثار خطيرة، فإذا كان المال حراما وقد أنفقته حينئذ لن يكون هناك قبول عند الله سبحانه وتعالى، وإذا قمت بالحج به أو بالاعتمار به حينئذ -كما ورد في بعض الآثار- يقال للحاج: لا لبيك ولا سعديك فمالك حرام ونفقتك حرام وراحلتك حرام وكسبك حرام وطعامك حرام. إن كنت صادقا في كلمة لبيك -أي استجابة لك يا رب- فكان الواجب أن تستجيب لأوامر الله سبحانه وتعالى في كسب الأموال، ونواهيه فيما حرم الله سبحانه وتعالى، فإذا كنت لم تستجب لأوامر الله، فلن يستجيب الله لك، وهكذا ورد في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم بالنسبة للشخص الذي يدعو الله ويتضرع ويقول: يا رب يا رب يا رب، ويتضرع ويلح، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول أنّى يستجاب له؟! مأكله حرام وملبسه حرام ومشربه حرام، ومن هنا يجب علينا جميعا أن نعود إلى الله، ونتوب إليه، وأن نطهر أموالنا ونخلصها من هذه المحرمات. وقال: اليوم إذا نظرنا إلى هذه الآيات والحلال والحرام في هذا المجال، ما الذي يحدث في عالمنا؟ يقتل الأبرياء وتراق دماؤهم بدم بارد وعقلية دكتاتورية غريبة، وفي كل يوم يقتل هؤلاء الشباب والأطفال في سوريا وفي اليمن، تراق دماؤهم لأجل شخص أو نظام فاسد وصل إلى الحكم بطريق غير شرعي، وحتى لو أتى بطريقة شرعية، فإراقة الدماء على هذا المستوى تفقده شرعيته باتفاق العلماء، لأن المقصد الشرعي من الإمام أو من خليفة المسلمين أو من أي حاكم هو حماية المسلمين، فإذا تحول من الحماية إلى القتل أصبح فاقدا للشرعية تماماً، وهذا الذي يجري مع الأسف الشديد، والوضع الذي عليه بعض شعوب الدول العربية، والعالم ساكت، والجامعة العربية تريد أن تقدم مشروع مصالحة، ولكن أي مصالحة؟ ومع من؟ أنت تصالح حينما يسلم القاتل نفسه وأن يكون مستعداً أن يُقتل هو لأنه قد قَتل واحدا أو اثنين، فكيف تصالح لإبقاء الظالم ليعيث في الأرض فسادا أكثر وأكثر؟ فلذلك نحن نوجه نداءنا إلى أمتنا الإسلامية والعربية، وإلى الحكام والعلماء أن يقفوا مع إخوانهم، مع الشعب السوري، والشعب اليمني، ليس للمصالحة فقط، وإنما لإزالة هذا النظام حتى ترتاح هذه الشعوب وتقرر مصيرها، وذلك حق أعطاه الله للإنسان والشعوب، كما أعطته الدول والأمم المتحدة لكل الشعوب أن يختار الإنسان من يمثله.