الدوحة – الشرق

الحلقة : التاسعة

الحفاظ على حياة الإنسان وخصوصيته :

فقد جعل الإسلام الحفاظ على حياة الإنسان أحد المقاصد الكلية للإسلام ، وإحدى الضروريات الأساسية ، ولذلك جعل من يعتدي على فرد فكأنما اعتدى على الناس جميعاً ، فقال تعالى : (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ).

وبالنسبة لخصوصية الإنسان وحرمة الاعتداء عليها وردت آيات ، وأحاديث كثيرة تدل على أن للمسكن حرمة واحتراماً ، وأنه لا يجوز دخول غير صاحبه إلاّ بعد الاستئذان والاستئناس ، فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ).

ولقد أولى الإسلام عناية قصوى بحرمة المسكن حتى أعطى لصاحبه حق الدفاع عن حرماته دفاعاً شرعياً قد يصل إلى فقأ عين المتلصص ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لو أن امرءاً اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح ).

ولا فرق في وجوب احترام المسكن بين الفرد العادي ، والحاكم ، إلاّ لحالات الضرورة القصوى ، فقد ورد في المصنف : (أن الخليفة عمر رضي الله عنه حدّث أن أبا محجن الثقفي يشرب الخمر في بيته هو وأصحاب له ، فانطلق عمر حتى دخل عليه ، فإذا ليس عنده إلاّ رجل فقط ، فقال أبو محجن : يا أمير المؤمنين ، إن هذا لا يحل لك ، فقد نهى الله عن التجسس ، فقال عمر : ما يقول هذا ؟ فقال له زيد بن ثابت : صدق يا أمير المؤمنين ، هذا من التجسس ، قال : فخرج عمر وتركه) ، وروى عبدالرزاق أيضاً : ( أن عمر دخل على فتية يتعاقرون شراباً ، ويوقدون في أخصاص – بيوت من شجر أو قصب – فقال : نهيتكم عن المعاقرة ، فعاقرتم ، ونهيتكم عن ايقاد في الأخصاص فأوقدتم ؟ فقالوا : يا أمير المؤمنين قد نهى الله عن التجسس فتجسست ، وعن الدخول بغير إذن فدخلت ؟ فقال : هاتين بهاتين ، فانصرف ولم يعرض لهم ).

وهذا دليل على أن أي تحقيق أو دليل على حادثة بني على أساس غير مشروع فهو غير مشروع لا يحتج به ، ولا يبنى عليه ، وبالتالي ترك عمر رضي الله عنه الحدّ على هؤلاء ، لأنه لم يجد إلاّ الضبط الذي تم بطريق غير مشروع وبالتالي فلا يحتج به ، وبهذا المنهج سبق الفقه الإسلامي القانون الوضعي ، وبخاصة القانون الأمريكي الذي امتاز باستبعاد الدليل المتحصل عليه بطريق غير مشروع .

ويلحق بحرمة المسكن حماية حرمة الاتصالات والمراسلات الخاصة بالإنسان حيث لا يجوز الاعتداء عليها ، أو الاطلاع عليها إلاّ لحالات الضرورة القصوى.

وقد نصت المادة (37) من الدستور القطري على ذلك فقالت : ( لخصوصية الإنسان حرمتها، فلا يجوز تعرض أي شخص، لأي تدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو أية تدخلات تمس شرفه أو سمعته، إلا وفقاً لأحكام القانون وبالكيفية المنصوص عليها فيه).

رابعاً ـ حماية حقوقه السياسية :

حيث حمى الإسلام هذه الحرية أيضاً ما دامت في إطار غير مسلح مثل إبداء الرأي ، ومعارضة الحاكم بالحكمة والموعظة الحسنة ، أو حسب المصطلح الإسلامي ” النصيحة ” حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة ، قلنا : لمن ؟ قال : ( لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين ، وعامتهم).

ولا مانع شرعاً في نظرنا تشكيل أحزاب سياسية ، لكل حزب برنامجه الخاص في إطار الشرعية والدستور الإسلامي ، بل إن في ذلك ثراء وإثراء وتحويلاً للنصيحة الفردية إلى المؤسسة المنظمة القادرة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صورة أفضل وأقوى من الفرد ، والمساهمة الفعالة في منع الفساد الإداري ، وفي تحقيق التنمية الشاملة .

ومن الحقوق السياسية : حق تولي الوظائف العامة ، وحق المشاركة في تدبير شؤون الدولة على أساس الاختصاص دون التفرقة بين شخص أو آخر.

خامساً ـ حماية الحقوق الاقتصادية من حرية التملك ، وحرية العمل ، وهذان الحقان مفصلان في شريعتنا الاسلامية الغراء لا يسع المجال هنا للخوض في تفاصيلهما.

سادساً ـ حماية الحقوق الثقافية والعلمية :

لم نجد إلى اليوم كتاباً قديماً ، أو دستوراً ، أو نظاماً يبدأ بالأمر الجازم بالقراءة والعلم إلاّ ذلك الدستور الإلهي الخالد : القرآن العظيم الذي تنزل منه أول آية تقول : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ). ثم تنزل مئات الآيات في بيان فضل العلم وأهميته ، وأنه مفتاح الحضارة ، والاستخلاف والتعمير ، وقد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم أهمية هذا الحق فجعله مشاعاً وحرم كتمانه ومنعه ، بل جعل التعليم فداءً لفك الأسرى في غزوة بدر الكبرى ، فقد روى سعد عن عامر الشعبي قال : ( أسر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر سبعين أسيراً ……… وكان أهل مكة يكتبون ، وأهل المدينة لا يكتبون فمن لم يكن له فداء دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة فعلمهم ، فإذا حذقوا فهو فداؤه ) وهذا دليل على أهمية العلم ، وأنه يمكن أخذه من غير المسلمين.

إذا نظرنا إلى الحضارة الإسلامية لوجدناها أنها قامت على العلم ، وأن أصحابها صرفوا الغالي والنفيس في سبيل تحقيقها ، وأن العلم في الإسلام للجميع.

هذا وقد نص الدستور القطري على هذا الحق في مادته (49) فقال : (التعليم حق لكل مواطن وتسعى الدولة لتحقيق إلزامية ومجانية التعليم العام، وفقاً للنظم والقوانين المعمول بها في الدولة).