الدوحة – العرب  

رأى فضيلة د. علي محيي الدين القره داغي أنه لا يجوز التشكيك في شرعية الثورات العربية فهي جاءت من منطلق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودعا الأمة إلى الوقوف معها، وقال فضيلته في خطبة الجمعة أمس بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها: على الأمة إذا أرادت حياة العزة والكرامة أن تكون مخلصة متجردة قادرة على قول الحق لا تخاف في الله لومة لائم، والحمد لله فالذين يقودون هذه الثورات حكماء، انظر إلى إخواننا في اليمن رغم تواجد الأسلحة ولكن ثورتهم سلمية، يقتلون ويذبحون ويرشون بأسلحة ممنوعة وسامة وهم صابرون، هذه هي الحكمة، ولولا هذه الثورات والحرية لما ظهرت هذه الحكمة والصمود والنضج والعقل لأنها غطيت وتسترت من قبل هؤلاء الحكام، وكذلك في مصر فلم يكتفوا بالثورة بل حكماء هم مستمرون في الثورة إلى إتمامها. وهكذا هي بقية حال الشعوب التي فيها الثورات.. وأضاف أن ما يؤلمنا اليوم ما يحدث في غزة وهم بلا عون، فمجتمعاتنا مشغولة بالثورة، والغرب لديه الازدواجية في التعاطي مع قضية غزة حتى غولدستون تراجع عن تقريره.. داعيا للنصر للمسلمين جميعا.

الإخلاص

وكان فضيلته قد بدأ خطبته قائلا: تحدثنا في الخطبة السابقة عن أهمية الإخلاص وأنه الركن الأساسي لقبول العبادات، وأن الناس العاملين هلكوا إذا لم يكونوا مخلصين فقال تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة)، (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) وهذا الإخلاص أيها الأحبة يتكون من عنصرين أساسيين: العنصر الأول: وهو ما يسمى بالجانب الوجودي الذي يتمثل في توحيد الله سبحانه وتعالى، وما يترتب على ذلك من العبودية لله سبحانه وتعالى، وهذا ما تحدثنا عنه في الخطبة السابقة. وهذا مقام (إياك نعبد وإياك نستعين)، والعنصر الثاني وهو المكمل تماماً للإخلاص هو الجانب العدمي للإخلاص، وهو عدم الإشراك بالله تعالى لا شركا ظاهراً كما كان عليه المشركون ولا شركا خفياً كما هو الحال لدى الرياء والنفاق والمجاملة الخارجة عن حدودها. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن أخوف ما أخاف على أمتي الرياء والشهوة الخفية التي هي أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء) رواه الحاكم وصححه.

خطورة الرياء

وأضاف قائلا: قال تعالى: (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون) قال مجاهد: هم أهل الرياء، وهذا هو الجاه المذموم، أما الجاه المحمود فهو أن يستعمل في خدمة المجتمع فالإخلاص يعني أن تكون كل الأعمال لله تعالى (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا).

الرياء هو داء العلماء، والكرماء، والشهداء، والعباد المشمرين عن ساق الجد، لسلوك طريق الآخرة، والرياء هو التظاهر بالخير، وإظهار العمل والعلم، وحب المدح والإطراء وحب الشهرة، وحب الجاه (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة المتقين).

وهذا الجانب أصعب بكثير من الجانب الأول، وذلك لأن الإيمان بالله تعالى، وحتى الإيمان بالتوحيد، متوافر لدى الكثيرين، أما تحقيق ذلك من خلال طرد جميع التصورات والنيات التي تكون لغير الله تعالى، ومنع الرياء داخل القلوب فلا يوجد إلا لقلة من الناس، وهذا معنى ما قاله بعض الصالحين الحكماء، فربما يفتح لك باب الطاعة، ولكن لا يفتح لك باب القبول عند الله تعالى لأنه لم يفتح لك باب الإخلاص الحقيقي، وهذا هو المفهوم من قوله تعالى (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) أي ذبحت الأضاحي والهدايا، وأريقت الدماء، وهذه هي الطاعة الظاهرة، ولكن النجاة في الإخلاص، وهذا لا يتحقق إلا بالتقوى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر. قالوا وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال الرياء، يقول الله عز وجل إذا جاز العباد ما عمل: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فهل تجدون عندهم الجزاء) رواه أحمد والطبراني