شدد فضيلة الشيخ د. علي محيى الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على ضرورة الاتفاق على مشروع الوحدة الوطنية وما تريده الجماهير العربية والإسلامية مفتيا بعدم جواز الصراع حول هوية الأمة وقال متناولا أحوال الأمة الإسلامية انه يجب الاتفاق على مشروع وسطي معتدل وعلى نبذ ثقافة العنف والتطرف، ورفض أي مشروع من الخارج.. ورأى أن معظم المفكرين والعلمانيين الذين لم يفهموا الإسلام بصورته الحقيقية ولم يفهموا شمولية الإسلام وجعلوا الإسلام السياسي، أو الحركات الإسلامية السياسية بما يسمى بالإخوان أو بغير الإخوان، جعلوا ذلك بمثابة الأعداء أو العدو.
.. جاء ذلك في خطبته للجمعة بجامع السيدة عائشة بفريق كليب وقد بدأ خطبته بقوله: تدل التجارب التاريخية على أن المعارك الفكرية، وأن الغزوات الفكرية، أشد وأبقى وأخطر من أي معركة أخرى، ومن أي غزوة أخرى، وقد تتعرض الأمة، لبعض المعارك المادية والعسكرية، أو السياسية، ثم بعد ذلك سرعان ما تحسم هذه المعركة، ولكن الإشكالية أن تبقى آثارها الفكرية، أو أن تبقى المعركة الفكرية قائمة وباقية تعمل عملها داخل الإطار الذي يحدده أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، وكلما دخلت هذه الأمة، معركة سياسية أو عسكرية، كانت النتيجة وكانت النهاية النصر والفوز لهذه الأمة، ولكن الإشكالية – كما قلت- انها تبقى الآثار الفكرية ، والغزوة الفكرية تبقى قائمة وتعمل عملها بخطورة شديدة.
وانتهى من هذا إلى خطورة المعارك الأخيرة، التي خاضها أعداء الاسلام وخاصة المستعمرون منذ أكثر من مئتي سنة، ضد هذه الأمة، قال: ليست هذه المعركة عسكرية فقط، وإنما كانت فكرية وحضارية وتشريعية وقانونية واقتصادية، وكلما حل الاستعمار في أي بلد من البلاد، على مر تاريخنا المعاصر الذي يمتد في بعض الأحيان إلى أكثر من ثلاثة قرون، كما في الجزائر، وكما كان في المغرب العربي، وكذلك في المشرق الإسلامي والمشرق العربي، وبقية الدول. حينما بدأت هذه المعارك العسكرية، ونجح فيها المستعمرون، فأول ما بدأوا بتنفيذ آثار نجاحهم في هذه المعركة العسكرية، كان تغيير التشريعات واستبدال الشريعة الاسلامية وتغييرها بنظم وقوانين وضعية، وكذلك تغيير القوانين الاقتصادية والقوانين الاجتماعية داخل هذه الأمة، رغم محاولاتهم الشديدة أيضا لتغيير الدين من خلال وسائل التبشير ووسائل التنصير، التي كانت دائما تمهد للاستعمار، وتقف مع المستعمرين مهما كان، ناسيا هؤلاء الشعوب غير المسلمة في معظمها، ناسيا قوميتهم، أو غير ذلك في كثير من الأحيان.
شعار الجهاد
وأضاف قائلا: منذ أكثر من مائة سنة في الجزائر والمغرب وتونس، ثم بعد ذلك في مصر والعراق والشام وغير ذلك من البلاد العربية والاسلامية، وانتصر في هذه المعارك المسلمون من خلال شعار الجهاد، لم تكن هناك كلمة ترفع، ولم تكن هناك قوة تقف، إلا قوة باسم الاسلام، وباسم الجهاد، فتحررت هذه البلاد تحت هذه الراية، ولكن الشعوب في ذلك الاثناء، أو تلك الأوقات لم تكن مهيأة التهيؤ المطلوب، لأن تعود تماما إلى هويتها وإلى دينها وإلى الشعار الحقيقي الذي رفعته هذه الشعوب، وهؤلاء الاقوام، والتي انتصر بها وهو شعار الجهاد، ومن هنا تحررت هذه الدول من الغزو العسكري، وتحررت هذه الدول الاسلامية ومنها العربية من الاحتلال العسكري، ولكنها بقيت بالاحتلال الفكري والغزو الثقافي والانسلاب الحضاري، ومحاولة تغيير هوية الأمة، وفرض هوية أخرى وثقافة أخرى على هذه الامة، ونجحوا في ذلك، حينما غيروا الشرائع الاسلامية بالقوانين الوضعية، وظلت هذه القوانين سائدة في معظم البلاد الى يومنا هذا، وغيروا كذلك الانظمة الاقتصادية مهما كانت متواضعة وحلت محلها الأنظمة الاقتصادية الرأسمالية في غالبها ثم الاشتراكية الشيوعية في بعضها، ودخلت هذه الأمة في صراع مرير من خلال صراع بين هوية الأمة، وعامة الأمة التي تريد أن تكون هويتها الإسلام وأن تكون الشريعة الحاكمة هي شريعة الاسلام، وأن يكون نظامها الاقتصادي قائما على الحلال والحرام الذي يؤمن به داخل المسجد وداخل السوق، ولكنه مجبر عليه أن يتعاون مع الحرمات من خلال الانظمة الربوية والرأسمالية والاشتراكية، وأجج هذه الصراع من قبل الاعداء ، ودائما كان المحتلون يدعمون كل توجه، سوى توجه – مهما كان- اسمه الاسلام ، حتى أن مهادران في تقريره ٢٠٠٥ و ٢٠٠٦ ذكر هذه المسألة ، ولم يستثن من الاسلاميين حتى الصوفية، وقالوا: وان كانت الصوفية اليوم هي اقرب ما تكون الينا وممكن ان نستثمرها لضرب الاسلام السياسي، ولكن الصوفية ايضا لها مخاطر من خلال مرجعيتها الاسلامية، ومن خلال هوية الاسلام.
الإسلام والحرية
ولفت فضيلته إلى أن هؤلاء المحتلين الذين يريدون أن يكون لهم السيطرة والهيمنة على بلادنا، يعرفون أن الاسلام هو الذي يرفض الذل، ويرفض العبودية لغير الله، ويرفض التبعية لغير الله سبحانه وتعالى، لا بد أن يُحارَب، وان يُبعَد، وأن يُغيب عن ساحات الحضور، وساحات الجماهير وساحات التشريعات وساحات السياسة فإذا كانت المعركة في ظاهرها بين ما يسمى بالإسلام السياسي وبين المشروعات الغربية أو الشرقية ولكن هذه المعركة في حقيقتها وجوهرها بين ما يريده الاسلام لهذه الأمة أن تكون أمة واحدة، أمة عزيزة، أمة قوية وشاهدة، وأمة قادرة، أمة متحضرة، أمة مستقلة ، بين ما يريد الاسلام من هذه الامة وبين ما يريده هؤلاء من ان تكون هذه الامة بخيراتها الكثيرة ومعادنها العظيمة وما فيها من خيرات لا تحصى ولا تعد ان تكون أمة تابعة، ان تكون أمة متفرقة – فرق تسد – أن تكون أمة ضعيفة حتى تؤكل، أن تكون أمة دون حضارة ودون قوة ودون شهادة ودون خيرية وهذا صراع حقيقي، لأنه هكذا يريدون وهذا المفروض ما الذي تتوقعه من أمة أو من شعب أو من دولة تريد أن تسيطر ولها مصالحها في أن تكون الامة الاخرى ضعيفة فهذا شأنهم ولكن الاشكالية في شأن هذه الامة ومن هنا اشغلت هذه الامة ودخلنا في هذه الصراعات الكثيرة بين ما يسمى هذه الاحزاب، الأحزاب التقدمية الاحزاب الاشتراكية، والرأسمالية، وحتى في البداية من سموا أنفسهم بالديقراطيين ولكن ديمقراطية زائفة وليست ديمقراطية حقيقية، واصبح العالم العربي بالذات والعالم الاسلامي بشكل عام يعيش هذا الصراع وفي ظل الصراع لا يمكن ان تكون هناك قوة، لا يمكن ان يكون هناك اقتصاد قوي، لا يمكن ان تكون هناك مقاصد الله، ومقاصد شرعه تتحقق، وكل ما مر حزب جاء حزب آخر وكلما فشلت بعض الاحزاب وبعض الافكار وبعض الايدلوجيات، جاءت ايدلوجية جديدة مرة باسم الرأسمالية، ومرة باسم الاشتراكية، ومرة باسم الانقلابات العسكرية، ومرة و مرة … أكثر من مائتي سنة، هذا هو شأن الامة الاسلامية، التي تؤجج فيها نار الصراع بكل ما تعني الكلمة، وأنشئ ايضا ما يسمى بالاسلام السياسي والاسلام غير السياسي أو الوهابي، والإسلام الفلاني او العلاني الى آخر التسميات، كل ذلك في حقيقتها وجوهرها تعود الى هذا الصراع ولكن الامة في معظمها لم تع هذه المسألة ..
عداء الإسلام!
ورأى ان ذلك يعود الى النخب السياسية، الى معظم المفكرين، والعلمانيين الذين لم يفهموا الاسلام بصورته الحقيقية ولم يفهموا شمولية الاسلام وجعلوا الاسلام السياسي، أو الحركات الاسلامية السياسية بما يسمى بالاخوان إو بغير الاخوان، جعلوا ذلك بمثابة الاعداء أو العدو، ومن هنا انحاز بعضهم أو أكثرهم الى المشروعات الخارجية حماية لمكتسباتهم أو لجهلهم بحقيقة الاسلام، ولاسيما الاعلام العالمي بيد صهاينة، اذا كان وسائل الاعلام ووكالات الانباء بنسبة 90 ٪ في مصدرها وجوهرها بأيدي صهاينة، والباقي بأيدي غير صهاينة، ولكنه هم ايضا لا يحبون على أقل تقدير، أو لا يفهمون أو يجهلون الإسلام في حقيقته، هذا الصراع ادى الى كل هذه المشاكل، وهو المسؤول في نظر المحققين، عما وصلت اليه الامة من تخلف ومن تفرق ومن تمزق لأن هذا مزق الأمة وأشغل الأمة بعضها ببعض وما زلنا نحن ندخل في معركة ونخرج ثم ندخل في معركة أخرى، كنا في معارك مع المحتلين ثم دخلنا في الانقلابات العسكرية ثم دخلنا فيما بيننا ثم وقع في العالم الاسلامي خلال مائة سنة أكثر من مائتي حرب داخلية، بين دولة ودولة، من العراق والكويت ودول افريقية وحتى بين دول الخليج صراع على الحدود رغم ان الحدود صنعها المستعمرون في اتفاقية سايكس بيكو، لم تكن هذه الحدود موجودة قبل مائة وخمسين سنة، كانت الامة الاسلامية كلها واحدة في جنسية واحدة وحدود واحدة، ولذلك تجد في كل بلد اشخاصا ينتمون الى بلاد اخرى، هذا مصري وهذا تركي وهذا كردي وهذا عربي في أقصى بلاد الاسلام والمسلمين، اينما ذهبت الى فارس الى قرغيزيا، أوزبكستان الى اخر افريقيا، تجد ان القبائل العربية ذهبت الى هناك أو اندونسيا وهكذا كانت الامة واحدة وكانت الارض واحدة ثم اشغلونا بالقوميات واسقطوا بالقوميات الخلافة العثمانية، أشغلوا القومية الطورانية المتطرفة بالقومية العربية، وتكون لديها رد فعل من خلال القومية العربية واشتبكت القوميتان وكانت النتيجة سقوط الخلافة، والذي استفاد من هذا السقوط ليس العرب كما وعدوا بان يكون لهم ولكن الانجليز وفرنسا هم استفادوا، هذا التاريخ نحن عاصرناه او نحن نشاهده ليس بعيدا واليوم الى معركة ثالثة اي المعركة على هؤلاء الذين عينهم المستعمرون الذين جاءوا باسم الانقلابات العسكرية وعاثوا في الارض فسادا وقضوا على الهوية الحقيقية لهذه الامة خلال اربعين أو ثلاثين أو خمسين سنة، من انقلاب عسكري في الشام في الاربعينيات ثم بعد ذلك في مصر في الخمسينيات وفي العراق كذلك وكذلك في دول افريقية عربية وهكذا وصلت الى مرحلة الى هذه الثورة الشعبية