الدوحة – جريدة العرب 

أبدى فضيلة الشيخ د.علي محي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين تخوفه مما يحدث في العراق ومما يمكن أن يحدث لاحقا من حرب خطيرة، ورأى أن العراق امتداد تاريخي للخليج ويعتبر البوابة الشرقية له، وأشار فضيلته إلى أن استعمال الأسلحة الفتاكة في العراق، والتي تستعمل الآن في سوريا تحمل إشعاعات خطيرة تبقى لآلاف السنين وتكون لها آثار خطيرة ليست على المنطقة التي فيها فقط، وإنما على المناطق المحيطة بها وتهدد الأمن البيئي.

وقال إن ما يحدث اليوم في سوريا فساد في الأرض بكل ما تعني الكلمة، وهو يعنينا نحن باعتبارنا مسلمين ومتضامنين معهم، وحذر من الآثار السلبية التي تترتب على هذا التدمير الممنهج.

 وأشار إلى أنه تم تدمير أكثر من مليونين و500 ألف مبنى، وبعض هذه المباني قد سجلت في اليونسكو من التراث القديم الذي يجب حمايته ويجب حفظه، مشيراً إلى أن النظام السوري لا يرعى إلاً ولا ذمة ولا يهتم بالتراث ولا بالإرث الثقافي ولا بالإرث الحضاري ولا بحرمة الإنسان.

 وقال: بالأمس كنت في ترتيب قافلة إلى داخل الأراضي السورية فنقلوا لنا من الإحصاءات الرسمية ما يبين أن أكثر من 200000 شخص استشهدوا في هذه المعركة وأن أكثر من 700000 بين جريح ومفقود وكذلك خمسة ملايين مشرد..

 وتساءل فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس في جامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريق كليب: هل هناك فساد أكبر من هذا الفساد والعالم كله ساكت -إلا من رحم ربي من بعض الدول التي تسعى ولكنها لا تستطيع أن تؤثر في القرار الدولي- على تلك الدول التي تريد تدمير سوريا كلها بشعبها ومؤسساتها.. وقد مضت سنتان على هذه الثورة، والغريب أن حتى محاكم ما يسمى بالجرائم الدولية حكمت على رؤساء آخرين كمجرمي حرب ولكن إلى يومنا هذا لم يصدر أي قرار رغم كل هذا الفساد، فما فعل النظام بالبيئة كان أولى بالمنظمات الدولية أن تتصدى له.

 وقال فضيلته: إن المسؤولية علينا نحن المسلمين والعرب عليهم مسؤولية كبيرة وأملنا بالله سبحانه وتعالى وفي القمة العربية القادمة أن تقوم بواجبها نحو إخوانهم في سوريا.. وكذلك بالسبب الضعف الذي رآه العلم كله للمسلمين ولقادة المسلمين والعرب أمام ما يحدث في سوريا تشجع اليهود أكثر فأهان الجنود المصحف الشريف وأقفلوا المسجد الأقصى، وأُخرج المصلون ثم أدخلوا بعض هؤلاء المتطرفين من اليهود حتى يدخلوا الحرم القدسي والناس ساكتون والعالم الإسلامي ساكت!

 

فساد البيئة

 وقال فضيلته: تحدثنا في الخطب السابقة عن خطورة الفساد المالي والفساد الإداري، وفي هذه الخطبة نتحدث عن خطورة الفساد البيئي في نظر الإسلام، ومخاطر هذا الفساد على الصحة والحياة والكائنات البشرية والحية في هذا الكون.. والمراد بالبيئة هي الأرض وكل ما يحيط بنا من مياه وبحار وفضاء وهواء وغير ذلك، فكل ما يحيط بالإنسان هو بيئته، فيجب عليه الحفاظ عليه، وأما الفساد إذا تحقق فستترتب عليه مفاسد كبيرة.

تلوث خطير

 وأشار إلى أنه عُقد مؤتمر كبير في فرنسا حضره أكثر من 500 خبير من خبراء البيئة، ومن المتخصصين في شتى المجالات الطبية والقضايا البيئية، وتوصلوا إلى ثلاث نتائج خطيرة مما نبه عليه القرآن الكريم قبل ذلك قبل عدة قرون.. هذه النتائج الخطيرة تبين لنا أن نسبة التلوث في البيئة اليوم تجاوزت الحدود المسموح بها من كل المقاييس والمعايير التي تتعلق بهذا الجانب. تنذر هذه المسببات الكبيرة بفساد في الأرض، وخطورة في الأرض، وتحول الأرض لا سمح الله إلى بيئة غير صالحة للحياة.. وقد أكد القرآن الكريم على أهمية الأرض وعلى خطورة الفساد في الأرض حيث يقول (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا)، وقال المفسرون القدامى، أي أن الله سبحانه وتعالى سلم إليكم الأرض بعد إصلاحها وكمالها وتوازنها، وأنها فيها النسب المتوازنة (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) أي حافظوا عليها فقط، فمجرد حفاظكم على هذه البيئة والأرض يحقق لكم العيش الكريم والحياة السعيدة والنعم الكثيرة التي يعطيها الله سبحانه وتعالى ويمنحها للإنسان على هذه الأرض.

 

تغير في الحرارة

 وأضاف أن النتيجة الثانية لهذا المؤتمر أظهرت أن درجة الحرارة وغاز الكربون قد ازداد بشكل كبير جدا في أرضنا، حيث كانت نسبة زيادة درجة الحرارة في القرن العشرين كله كانت درجة واحدة، أما اليوم ولم يمض أكثر من عقد واحد، بلغت زيادة نسبة درجات الحرارة إلى 3 درجات، وهذا التغيير ليست لصالح البيئة وإنما لصالح فساد البيئة، وهذا أيضاً ينذر بخطورة كبيرة بما يفعله الإنسان من هذه الأرض.. والنتيجة الثالثة مما بينه المؤتمر أن المسؤولية كلها تقع على الإنسان وليس هناك شيء آخر مسؤول عن فساد البيئة غير الإنسان، والإنسان هو الذي يفسد في البيئة من خلال المصانع الكبيرة ومن خلال ما ينتجه، ومحاولاته الشديدة للوصول إلى الربح العظيم دون النظر إلى ما يترتب على ذلك من مآلات أو من مفاسد، وقد قال القرآن الكريم في ذلك (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، وهذا الذي نراه اليوم من هذه المخاطر التي تهدد البيئة وتهدد الكون وحياتنا الإنسانية وحياة بقية الكائنات الحية، وإذا رجعوا إلى الله سبحانه وتعالى وإلى منهجه القويم في الاعتدال والوسطية فإن الله سبحانه وتعالى يصلح لهم هذه البيئة ويديم عمر الأرض لتصبح صالحة إلى ما شاء الله سبحانه وتعالى.

 

الفساد التجاري

 وقال فضيلته إن المقصود بفساد البيئة ليس مجرد إنتاج ما تنتجه المصانع من غازات، وما تنتجه أيضا كثرة السيارات من غاز الكربون، وإنما كذلك يشمل الفساد التجاري والغش التجاري، وهو من أكبر مسببات فساد البيئة حينما لا تتوافر الشروط المطلوبة في الصناعات التي نتعامل معها ولاسيَّما الصناعات التي تدخل في باب الغذاء والدواء.. ففي أميركا مع تقدمها التكنولوجي، وشروطها الصعبة في دخول أي مواد غذائية أو دوائية إلى هذا البلد، ومع ذلك قامت لجان التفتيش فوجدوا أن داخل أميركا أكثر من 10000 من المصنوعات الغذائية والدوائية تترتب عليها أمراض خطيرة وعلى رأسها السرطان، رغم كل هذه الرقابة الشديدة وتوفر التعليم العالي عندهم المصانع. فماذا ببعض البلاد المفتوحة، كيف تصبح مجالا وأرضا خصبة لكل هذه الصناعات الخطيرة ولاسيَّما التي تصنع في بعض البلاد الشرقية التي تقوم بعملية الغش التجاري وتدخل فيها مواد غير صالحة ومواد مسرطنة حتى في الأخشاب والحديد وغيرها من المصانع.