الدوحة – بوابة الشرق
الحلقة الثانية
يعتبر هذا الكتاب ميثاقا للوحدة بين شعوب ودول العالم الإسلامي ،إذ يرصد فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور علي محيى الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين رئيس المجلس الأعلى الاستشاري للتقريب بين المذاهب الإسلامية ” إيسسكو” في تلك الدراسة (الوحدة الإسلامية مبدءاً ثابتاً ، والخلافات المذهبية تنوعاً وإثراءً :ميثاق للعمل الإسلامي الموحد) والتي قدمت إلى المنظمة العالمية الإيسسكو وهي المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة لدول العالم الإسلامي عناصر هذا الميثاق من خلال تفعيل القواعد والمبادئ التي تحكم العلاقة بين المسلمين.. وهي التي فصلها في هذه الدراسة القيمة.. قال فضيلته
تفعيل ” الأمة الواحدة ” فقد أكد القرآن الكريم على أن هذه الأمة أمة واحدة ، وأنها أمة وسط شهيدة على العالم ، وأنها خير أمة أخرجت لمنفعة الناس ، وتحقيق الخير للناس ، وأنها أمة أخرجها الله تعالى بقدرته ورحمته .
إن هذه الوحدة لن تتحقق دون حقوق وواجبات ، وجهود وتضحيات .
إن مما لاشك فيه أننا إذا أردنا أن ننجح إقامة علاقة متوازنة محترمة مع غير المسلمين والحوار معهم ، فلا بدّ أن نقوي ونؤصل العلاقة بين المسلمين بعضهم مع بعض على مختلف مذاهبهم وطوائفهم التقليدية ، وعلى مختلف الجماعات الفكرية الحالية من الإخوان والسلفية ، والتبليغ ونحوها .
التكتل والأمة الواحدة
فإذا لم نجتمع نحن المسلمين على مجموعة من الثوابت ولم يتسامح ، أو يعذر بعضنا البعض في المتغيرات الاجتهادية المختلف فيها فحينئذٍ لا يكون لنا وزن وقوة في الحديث مع الآخر، والحوار معه ، وهذا ما يتشدق به ممثلو الكنائس والأديان الأخرى ، حيث يحاولون توزيع الإسلام وتقسيمه حسب المذاهب والطوائف والجماعات ،بل والأشخاص فيقولون : الإسلام السني والإسلام الشيعي ، والإسلام الأصولي والإسلام التقليدي ، والإسلام الحداثي والإسلامي الديمقراطي ، والإسلام الإخواني ، و الإسلام السلفي ، والإسلام التبليغي وهكذا .
فقد بين الله تعالى أن غير المسلمين يواجهون المسلمين كتلة واحدة ،وملة واحدة ، ولذلك يجب أن يواجهوهم كذلك صفاً واحداً بولاء واحد ، فقال تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ) وهذه حقيقة تكررت في التأريخ القديم والمعاصر ، فقد اتفق اليهود ـ وهم أهل الكتاب ـ مع المشركين الجاهليين الوثنيين في غزوة الأحزاب للقضاء على الرسول صلى الله عليه وسلم ودولته الفتية ، حتى شهدوا أن هؤلاء الوثنيين أهدى من المسلمين ، حتى يزيلوا الحواجز الفكرية بين الغزاة ، حيث سجل الله تعالى هذه الشهادة الزور فقال تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً ) .
وحدة المسلمين فريضة
وفي التأريخ الحديث تنازل الفاتيكان عن أهم عقيدة ظل النصارى يؤمنون بها طوال القرون الماضية ، وهي أن اليهود هم الذين قتلوا المسيح عليه السلام ، حيث برأ اليهود في ع ام 1965 عن دم المسيح تميهداً للوحدة ، وتعاون الشعوب المسيحية مع اليهود في حربها ضد الغرب والمسلمين ، بل ظهرت المسيحية المتصهينة التي هي أخطر من الصهاينة أنفسهم في حربهم ضد الاسلام والمسلمين .
فالوحدة بين المسلمين فريضة شرعية من أهم الفرائض ، وضرورة عقلية وواقعية يفرضها واقعنا القائم على العولمة السياسية والعملقة الاقتصادية والحقيقة نحن المسلمين أمام أن نكون أمة وسطاً قادرة على حماية نفسها ودينها وسيادتها وثرواتها ، وحينئذ ليس أمامنا إلاّ طريق الوحدة بأي ثمن كان ، وبأية طريقة مناسبة ، فقد نبدأ بالتعاون الفعال الجاد للوصول إلى الوحدة الاندماجية ، وإلاّ فيكون مصيرنا ( ألا نكون ) حقاً وفعلاً وأثراً ، والله المستعان .
لماذا الذات المتحدة قبل البحث عن مؤامرات الخارج :
إن منهج الإسلام منهج واقعي حكيم يعالج الموضوع عن جذوره ، ولذلك حينما تحدث عن بعض هزائم المسلمين في عصر الرسالة أسند أسبابها إليهم أنفسهم ، فلم يحولها إلى الغير ولم يجعل الغير شماعة لتعليق كل المصائب ، فقال تعالى : (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) .
وهذا لا يعني إغفال الجانب الآخر وإنما المقصود أن الأمة لو أخذت بأسباب القوة ، والنهضة والحضارة والتقدم والابداع لكانت هي الأولى والأجدر بتحقيق الحضارة والقوة والنصر على أعدائها ، ولكن حينما لم تأخذ بسنن الله تعالى في الكون من حيث الانتصار والقوة ، أصابها ما أصابها .
وعلى ضوء ذلك لا طريق لنا لتحقيق ذلك إلاّ من خلال تفعيل القواعد والمبادئ التي تحكم العلاقة بين المسلمين وهي :
القاعدة الأولى : تفعيل الولاء والنصرة للمؤمنين :
إن هذه القاعدة تعني أن يكون ولاء المؤمن لله تعالى ولرسوله ثم للمؤمنين وجماعتهم ، فقال تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) وقال : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) .
والمقصود بولاء المؤمن للمؤمنين وجماعتهم هو أن يكون حبه لهم ، بأن يحب نصرهم على غيرهم ، ولا يؤثر غيرهم عليهم ، وأن يكون نصرته لهم عند حاجتهم إليه ، فالولاء : هو الحب والتعاون ، والنصرة ، والاتحاد والوقوف مع المؤمنين وقوفاً ثابتاً راسخاً.