تنفرد « العرب» بنشر (الميثاق الإسلامي العالمي للأخلاقيات الطبية والصحية) الذي أعده د.علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ونائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث.

 الميثاق تم طرحه في ندوة الأخلاق الطبية التي أقامها مركز التشريع الإسلامي والأخلاقي عضو كلية الدراسات الإسلامية بمؤسسة قطر، وركز على ربط المبادئ الكلية للأخلاق الطبية والحيوية بمقاصد الشريعة بديلاً عن المبادئ الأربعة السائدة، خلال نقاشات موسعة حول أخلاقيات الطب الحيوي، استهدفت الوصول إلى ميثاق جامع للمبادئ الأخلاقية الطبية والحيوية.

 وقد ركز د.القره داغي على الجوانب الإيجابية لهذه المبادئ الأربعة، وما يمكن أن يوجه إليها من انتقادات بناءة سمعها توم بوشامب بصدر رحب، وتمت مناقشتها بمنتهى الود والصراحة، وتم الاعتراف بخلفيتها الفلسفية من الفلسفة النفعية وغيرها.

 وقدم د.علي القره داغي في الميثاق مشروعا للأخلاق الطبية يقوم على أساس مقاصد الشريعة وعلى ربطها بها ربطاً محكماً مع بيان القواعد المعيارية التي تضبطها ضبطا محكما.

 

وصاغ فضيلته نظرية متكاملة بخلفية إسلامية منبثقة من الفلسفة الإسلامية بلغة مفهومة للغرب، وبعقلية منفتحة، استطاعت أن تدخل هذه المبادئ الأربعة في المقاصد العامة ولكن بروحها الإسلامية وبضوابطها التي تضبطها ضبطا محكماً وباستثناءاتها المدعمة بالدليل.

 وزاد الدكتور القره داغي على المقاصد اثنين، وهما حفظ أمن المجتمع من جميع جوانبه أي أمنه السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والبيئي وكذلك حفظ أمن الدولة العادلة، وتطبيق تشريعاته ونظمه ثم أدخل جميع الأخلاق المطلوبة في هذه المقاصد الثمانية (الدين، والنفس، والعقل، والمال، والنسل، والعرض، وأمن المجتمع والجماعة، وأمن الدولة).

 وانتهت الندوة بقبول هذا المقترح وتبنى هذا المشروع من حيث المبدأ على أن يناقش في ندوة متخصصة مستقبلا.

 الندوة دامت ثلاثة أيام مطلع يناير الجاري ونوقشت فيها عدة أبحاث، من أ.د.أحمد الريسوني، والدكتور عبدالستار أبوغدة، والطبيب أ.د.محمد على البار، والطبيب أ.د.إحسان شمس باشا، وأ.د.علي القرة داغي حول موضوع المبادئ العامة للأخلاق الطبية والحيوية.

 وحضرها كل من صاحب الفضيلة الشيخ عبدالله بن بيه، وأ.د.طارق رمضان، وأ.دجاسر عودة، والطبيبة أ.د.آن بردنورد، وأدار الندوة أ.د.محمد الغالي.

 ميثاق د.القره داغي جاء تعقيبا على بحث أ.د.محمد علي البار حول المبادئ الأربعة لأخلاقيات الطب الحيوي، وبحث البروفيسور توم بوشامب صاحب فكرة المبادئ الأربعة لأخلاقيات الطب الحيوي مع زميله تشايلدس، حيث شاعت هذه المبادئ وأصبحت محل الدراسة والبحث في العالم الغربي.

 أورد د.القره داغي تصورا لـ «الميثاق الإسلامي العالمي للأخلاقيات الطبية والصحية» في (10) أبواب تتضمن (108) مواد.

 ونعرض فيما يلي لأبرز النقاط التي حددها الميثاق:

 

أخلاق الطبيب

 في أحد الأبواب تحدث د.القرة داغي عن أخلاق الطبيب فذكر أن على الطبيب أن يكون مخلصاً في عمله، متحلياً بمكارم الأخلاق، معترفاً بالجميل لمعلميه ومدربيه، وألا يكتم علماً، ولا يتجاهل جهد الآخرين. كما أن عليه أن يكون قدوة في رعاية صحته والقيام بحق بدنه ومظهره العام، وأن يتجنب كل ما من شأنه أن يُخِلَّ باحترام المهنة داخل مكان العمل وخارجه.

 وفي باب آخر تناول واجبات الطبيب نحو المريض موضحا أن على الطبيب أن يُحْسن الاستماع لشكوى المريض ويتفهَّم معاناته وأن يُحسن معاملته ويرفق به أثناء الفحص. ولا يجوز له أن يتعالى على المريض أو ينظر إليه نظرة دونيَّة أو يستهزئ به أو يسخر منه، مهما كان مستواه العلمي والاجتماعي. وأياً كان انتماؤه الديني أو العرقي وعليه أن يحترم وجهة نظر المريض، ولاسيَّما في الأمور التي تتعلق به شخصياً، على ألا يحول ذلك دون تزويد المريض بالتوجيه المناسب.

 وأكد أن على الطبيب أن يتَّقي الله في مرضاه، وأن يحترم عقيدة المريض ودينه وعاداته أثناء عملية الفحص والتشخيص والعلاج، وأن يحرص على عدم ارتكاب أيِّ مخالفات شرعية، مثل الخلوة بشخص من الجنس الآخر، أو الكشف على عورة المريض إلا بالقدر الذي تقتضيه عملية الفحص والتشخيص والعلاج، وبوجود شخص ثالث، وبعد استئذان المريض.

 وشدد على أنه لا يجوز للطبيب الامتناع عن علاج المريض في الحالات الطارئة، ولا الانقطاع عن علاجه في جميع الأحوال، إلا إذا رفض التعليمات التي حدَّدها الطبيب، أو استعان بطبيب آخر دون موافقة الطبيب المشرف على علاجه. ولا يجوز للطبيب أن يمتنع عن علاج مريض، ما لم تكن حالته خارجة عن اختصاصه.

 وأشار إلى قضية هامة هي أنه لا يجوز معالجة المريض دون رضاه، إلا في الحالات التي تتطلب تدخلاً طبياً طارئاً ويتعذر فيها الحصول على الموافقة، أو إذا كان مرضه مُعْدياً، أو مهدِّداً للصحة العمومية، أو كان يشكِّل خطراً على الآخرين وفقاً للقوانين النافذة. ويتحقق رضاء المريض بموافقته الصريحة أو الضمنية، إن كان كامل الأهلية، أو بموافقة من ينوب عنه قانوناً في حالة كونه قاصراً أو فاقداً للوعي أو فاقداً لأيِّ شرط من شروط الأهلية. ويجب أن تكون الموافقة كتابية مستنيرة مبنيَّة على المعرفة في العمليات والتدخلات الجراحية.

 وقال إن على الطبيب تبصير المريض بحالته الصحية والبدائل المتاحة للعلاج إذا كان المريض مدركاً، ولا يجوز للطبيب إرغام المريض على معالجة معينة. كما لا يجوز له أن يرغم المريض على التوقيع على بيانات في الملف الطبي دون رضاه.

 ونبه إلى مسألة هامة هي أنه لا يجوز للطبيب إنهاء حياة المريض، ولو بناءً على طلبه أو طلب وليِّه أو وصيِّه، حتى ولو كان السبب وجود تشوّه شديد، أو مرض مستعصٍ ميؤوس من شفائه، أو آلام شديدة مبرِّحة لا يمكن تسكينها بالوسائل المعتادة، وعلى الطبيب أن يوصي المريض بالصبر، ويذكِّره بأجر الصابرين.

 وتناول أحد الأبواب موضوع: «السرّ الطبّي» وذكر في إحدى المواد المقترحة أنه لا يجوز للطبيب أن يفشي سراً وصل إلى علمه بسبب مزاولته المهنة، سواء كان المريض قد عهد إليه بهذا السر، أو كان الطبيب قد اطَّلع عليه بحكم عمله.

 

حالات يجوز فيها إفشاء السر

 واستثنى حالات محددة أجاز فيها للطبيب إفشاء سر المريض وتلك الحالات هي:

• إذا كان إفشاء السر بناءً على طلب صاحبه خطِّياً أو كان في إفشائه مصلحة للمريض أو مصلحة للمجتمع.

 • إذا كانت القوانين النافذة تنصُّ على إفشاء مثل هذا السر، أو صدر قرار بإفشائه من جهة قضائية.

 • إذا كان الغرض من إفشاء السر منع وقوع جريمة، فيكون الإفشاء في هذه الحالة للسلطة الرسمية المختصة فقط.

 • إذا كان إفشاء السر لدفع الضرر عن الزوج أو الزوجة، على أن يبلغ به في حضورهما معاً، وليس لأحدهما دون الآخر.

 • إذا كان الغرض من إفشاء السر هو دفاع الطبيب عن نفسه أمام جهة قضائية وبناءً على طلبها بحسب ما تقتضيه حاجة الدفاع.

 • إذا كان الغرض من إفشاء السر منع تفشِّي مرض مُعْدٍ يضُرّ بأفراد المجتمع. ويكون إفشاء السر في هذه الحالة للسلطة الصحية المختصة فقط.

 وذكرت إحدى المواد أنه لا يجوز للطبيب أن يحرِّر تقريراً طبياً أو يدلي بشهادة في موضوع بعيد عن تخصُّصه، أو بشكل مخالف للواقع الذي توصل إليه من خلال فحصه الشخصي للمريض.

 

مريض الإيدز

 وحدد الميثاق في أحد أبوابه موقف الشريعة من مرضى الإيدز وسائر الأمراض السارية فأوضح أن من حق المصاب بعدوى مرض الإيدز أو غيره من الأمراض السارية، أن يمكَّن من العلاج والرعاية الصحية اللذين تتطلبهما حالته الصحية، مهما كان سبب إصابته بالعدوى. وعلى الطبيب أن يلتزم بعلاجه متخذاً من الاحتياطات ما يقي به نفسه وغيره.

 وطالب الطبيب بتوعية المصاب بعدوى الإيدز أو غيره من الأمراض السارية، بكيفية الحفاظ على حالته من مزيد من التدهور، وكفّ العدوى عن الآخرين.

 وأوجب على الطبيب الذي يعلم أنه إيجابيُّ المصل لمرض الإيدز أو غيره من الأمراض السارية، ألا ينخرط في أيِّ نشاط من شأنه المجازفة الواضحة بنقل المرض إلى الآخرين.

 وحمل الطبيب مسؤولية إبلاغ أحد الزوجين في حالة إصابة الزوج الآخر بالإيدز أو غيره من الأمراض السارية، حسب الأنظمة المتَّبعة.

 

الموت الرحيم

تناولت إحدى مواد الميثاق ما يعرف بـ «موت المرحمة» أو «القتل الرحيم» وذكرت أن لحياة الإنسان حُرمتها، ولا يجوز إهدارها إلا في المَوَاطن التي حدَّدها الشرع والقانون، وهذه جميعاً خارج نطاق المهنة الطبية تماماً. ولا يجوز للطبيب أن يساهم في إنهاء حياة المريض ولو بدافع الشفقة، ولاسيَّما في الحالات الآتية مما يُعرف بقتل المرحمة:

 • القتل العَمْد لمن يطلب إنهاء حياته بملء إرادته ورغبته.

 • الانتحار بمساعدة الطبيب.

 • القتل العَمْد للوِلْدان المولودين بعاهات خِلقية قد تهدِّد حياتهم أو لا تهددها.

 

حالات قتل المرحمة

وأوضحت إحدى المواد أن هناك حالات لا تندرج في مسمّى قتل المرحمة مثل:

• وقف العلاج الذي يثبت عدم جدوى استمراره بقرار من اللجنة الطبية المختصة بما في ذلك أجهزة الإنعاش الاصطناعي.

 • صرف النظر عن الشروع في معالجة يُقطع بعدم جدواها.

 • تكثيف العلاج القوي لدفع ألم شديد، رغم العلم بأن مثل هذا العلاج قد يُنهي حياة المريض.

 

الإجهاض

 وحددت إحدى المواد ضوابط إجهاض النساء الحوامل فأوضحت أنه لا يجوز للطبيب إجهاض امرأة حامل إلا إذا اقتضت ذلك دواع طبية تهدد صحة الأم وحياتها.

 وبينت أنه يجوز الإجهاض إذا لم يكن الحمل قد أتم أربعة أشهر وثبت بصورة أكيدة أن استمراره يهدد صحة الأم بضرر جسيم، على أن يتم إثبات هذا الأمر بقرار من لجنة طبية لا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة اختصاصيين، يكون بينهم اختصاصي ملمٌّ بنوعية المرض الذي أوصي من أجله بإنهاء الحمل، يقومون بإعداد تقرير يوضحون فيه نوع الخطورة المذكورة المؤكدة التي تهدد صحة الأم فيما لو استمر الحمل. وفي حالة التوصية بضرورة الإجهاض يوضَّح ذلك للمريضة وزوجها أو وليها، ثم تؤخذ موافقتهم الخطية على ذلك.

 

نقل الأعضاء

 وحول مسألة نقل الأعضاء الآدمية من شخص لآخر ذكر الميثاق أنه لا يجوز للأطباء الذين أعلنوا وفاة شخص يحتمل تبرّعه بأعضائه، أن يشاركوا بشكل مباشر في استخراج هذه الأعضاء منه، أو في إجراءات زرعها بعد ذلك في غيره، أو أن يكونوا مسؤولين عن رعاية المرضى الذين يُحتمل أن يتلقَّوا هذه الأعضاء.

 ودعا الطبيب قبل إجراء عمليات نقل الأعضاء وفقاً للتشريعات المنظمة لذلك، أن يقوم بتبصير المنقول منه بالعواقب والمخاطر التي قد يتعرَّض لها نتيجة لعملية النقل، وعليه أن يحصُل منه على الإقرار الكتابي الذي يفيد علمه بكافة العواقب في هذا الشأن قبل إجراء العملية. وشدد على أنه لا يجوز أخذ أي عضو من جسد حي قاصر لزرعه في شخص آخر. وقد تُستثنى من ذلك الأنسجة المتجدِّدة إذا نصّت على ذلك القوانين الوطنية النافذة.

 ونبه على أنه لا يجوز أن يكون الجسد البشري وأجزاؤه محلاً لمعاملات تجارية، ويحظر الاتِّجار في الأعضاء أو الأنسجة أو الخلايا أو الجينات البشرية. كما يُحظر الإعلان عن الحاجة إلى أعضاء أو عن توافرها لقاء ثمنٍ يُدفع أو يُطلب. ولا يجوز للطبيب بأي حال من الأحوال المشاركة في أيٍّ من هذه الأعمال. كما يُحظر على الأطباء وسائر المهنيين الصحيين القيام بعمليات لنقل الأعضاء أو المشاركة فيها، إذا وُجد رجح لديهم أن الأعضاء المطلوب نقلُها كانت محلاً لمعاملات تجارية.

 وحظرت إحدى مواد الميثاق على الأطباء زرع الخصية أو المبيض.

 

حالات العنف

 وأجاز الميثاق للطبيب إبلاغ السلطات المعنيَّة عن حالات العنف التي يطَّلع عليها بحكم عمله، ولاسيَّما إذا كان المريض قاصراً، أو امرأة، أو شخصاً عاجزاً عن حماية نفسه بسبب التقدُّم في السن أو بسبب المرض الجسمي أو النفسي، إذا قدَّر أن ذلك سيمنع مزيداً من العنف الجسمي أو النفسي.

 

حق الطبيب

وبخصوص حق الطبيب ذكر الميثاق أنه لا يجوز إكراه الطبيب مادياً أو معنوياً أو إجباره على أداء عمل أو الامتناع عن عمل يتعلَّق بممارسة مهنته إلا في حدود القانون. ولا يجوز إرغامه على الشهادة بما يخالف ضميره.

 وأوجبت على الطبيب المصاب بمرض من الأمراض السارية communicable أن يتوقَّف عن مزاولة أي نشاط من شأنه المجازفة بنقل المرض إلى مرضاه أو زملائه أو غيرهم. وعليه في هذه الحالة أن يستشير السلطة المختصة بالمنشأة الصحية لتحديد المهام التي يقوم بها.