يقرّ الأستاذ الدكتور علي محيي الدين القره داغي أن التعامل مع الآخر يستدعي أول ما يستدعي ليكون عاملا ناجحا تقوية الذات.

ولهذا افتتح أستاذ ورئيس قسم الفقه والأصول بجامعة قطر، ورئيس لجنة القضايا والأقليات الإسلامية بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين كتابه: «نحن والآخر.. دراسة فقهية تأصيلية» من سلسلة «قضايا الأمة» (العدد الثالث)، الكتاب بما يجب أن يكون عليه أمر المسلمين من قوة ذاتية في العلاقة مع الآخرين، وحدة وتعاونا وأخذا بأسباب النهضة المادية والمعنوية.

ثم يكون من ذلك الانطلاق إلى التعامل مع الآخر تأسيسا على الإيمان بالمساحة الواسعة المشتركة بين المسلمين وغيرهم، ما تعلق منها بالمشترك الإنساني العام، وما تعلق بالمصالح المتبادلة والمنافع التي تحصل بالتعارف بين الشعوب والقبائل، وهو الإيمان التي ما فتئت آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة تقرره ليكون إيمانا للمسلم يهيئه للإقبال على هذا الآخر إقبال اعتراف واحترام وتعاون من حيث المبدأ.

ويحسب المؤلف فإن هذا المعنى قد تناوله الكتاب بالبيان والتفصيل.

وترى لجنة التأليف والترجمة التابعة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أننا نشهد اليوم خلطا كبيرا في علاقة المسلمين (نحن) بغيرهم (الآخر)، وهو خلط يتطرف أحيانا ذات اليمين، فيذهب البعض إلى إزالة الفروق وطمس الهوية ليكون الناس جميعا متساوين في الانتماء الذي قد يسمى بالديانة الإنسانية، وقد يسمى بالديانة الإبراهيمية، وقد يسمى بأسماء أخرى كثيرة، ويتطرف أحيانا ذات الشمال، فيذهب البعض إلى الوقوف موقف العداء المبدئي لغير المسلمين معتدين كانوا أم غير معتدين، ويتمثل كل من هذا وذاك في مواقف وتصرفات توجهها قناعات وتصورات لا تمت إلى حقيقة الدين بأصل، وإنما هي متأتية في الغالب من غزو ثقافي أو من مواقف وتصرفات عدائية يمارسها أقوام وأمم ودول غير إسلامية مع المسلمين، فيكون لها تأثير على بعضهم على سبيل التفسخ الثقافي أو على سبيل رد الفعل، ومن هذا وذاك يلحق ضرر كبير بالمسلمين خاصة وبالعلاقات الإنسانية عامة، وهو الأمر الذي يستدعي تصحيحا يعود بهذه المعادلة إلى وضعها الشرعي الأصيل.

ويعالج الكتاب قضية مهمة من قضايا الأمة فيما تتعرض له علاقتها مع غير المسلمين منذ زمن وبالأخص في هذه الأيام من ملابسات يحكمها اعتداءات عليها من قِبَل بعض منهم، وما ترتب على ذلك من ردود فعل تجاوزت الردود العملية إلى تقريرات فقهية يجانبها الصواب في بعض الأحيان، فتؤدي هي بدورها إلى ملابسات أخرى في الواقع، وهو الأمر الذي يستدعي معالجة تأصيلية شرعية ترد الأمر إلى نصابه الصحيح.
وجاء المؤلف بتقرير واف لأحكام الشريعة التي تضبط علاقة المسلمين بغيرهم حال السلم والحرب، وعقد فيه مقارنة بين السيرة الواقعية للمسلمين التي طبقت فيها هذه القواعد بما يقترب من المثال كما تبين فيما حفظ لغير المسلمين من حقوق وهم يعيشون في المجتمع الإسلامي، وبين السيرة الواقعية لأقوام من غير المسلمين في تعاملهم مع المسلمين حينما تيسرت لهم الغلبة عليهم فأصابوهم بالاضطهاد والنكال كما تبين في الأندلس وفي حركة الاستعمار، وكما يتبين اليوم فيما يسلَّط على المسلمين من ظلم من قِبَل قوى الاستكبار العالمي، ولعل آخرها ما طفا على السطح من تنكيل تلقاه المسلمون في الصين، المعروفون بأقلية الإيغور، رغم أن تعدادهم السكاني يتجاوز 30 مليون نسمة.

وتتجلى العلاقة بين الـ(نحن) و(الآخر) أبرز ما تتجلى في وجود المسلمين أقلية تعيش في مجتمع غير إسلامي، وذلك بما يمثله هذا الوجود من نقطة تماس حادة بين الطرفين، وبما تتصف به العلاقة بينهما اليوم من قلق وريبة، فإن الكتاب وجَّه عنايته إلى هذا الجزء من القضية، ومن أجمل ما ورد في هذا الصدد تلك الاستنتاجات التي استخرجها الباحث قواعد شرعية في تعامل المسلم مع المجتمع غير الإسلامي الذي يعيش فيه من أنموذجين مهمين في هذا الشأن، هما أنموذج يوسف عليه السلام في تصرفه مع مجتمعه المصري، وأنموذج المهاجرين إلى الحبشة في تعاملهم مع المجتمع الذي هاجروا إليه، وهو ما يرقى بحق إلى أن يكون درسا شرعيا بليغا للـ(نحن) من المسلمين الذين يعيشون مع (الآخر) في المجتمعات غير الإسلامية.