دور الزكاة في القضاء على الفقر والبطالة، أو التخفيف من آثارهما:

هذا الدور العظيم يحتاج إلى مزيد من التفصيل، ولكنني هنا أكتفي بإلقاء بعض الأضواء على أمرين: أحدهما يتعلق بالجانب التطبيقي العملي في تاريخنا، والثاني يتعلق بدور الزكاة في تحريك الاقتصاد كأداة من أدوات السياسة المالية.

الأمر الأول: الجانب التطبيقي لدور الزكاة في التنمية:

على مستوى الواقع قد حققت موارد الزكاة في عصر الخلافة الراشدة، ثم في عصر الخليفة عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنهم جميعاً، هذه الأهداف، حيث لدينا تجربتان عظيمتان في تاريخنا الإسلامي:

التجربة الأولى: حينما حكم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب تحقق الاكتفاء الذاتي للجميع، فلم يبقَ فقير معدم في العالم الإسلامي، فقد ذكر المؤرخون أن الولاة في عصره أرسلوا إليه بالفائض من الزكاة بعد تحقق الغنى لأهل كل بلد، فهذا معاذ كان والياً على اليمن منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، ثم جدد له عمر، فبعث إليه بعد عام بثلث صدقة الناس، فأنكر ذلك عمر وقال: لم أبعثك جابياً ولا آخذ جزية، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فتردها على فقرائهم، فقال معاذ: ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد أحداً يأخذه مني، فلما كان العام الثاني بعث إليه بشطر الصدقة فتراجعا بمثل ما سبق، فلما كان العام الثالث، بعث إليه بها كلها، فراجعه عمر بمثل ما راجعه…: فقال معاذ: ما وجدت أحداً يأخذ مني شيئاً. وقد شمل الضمان الاجتماعي كل فئات الأمة من الطفل الرضيع إلى الشيخ المسن من المسلمين وغيرهم.

والتجربة الثانية: حينما حكم عمر بن عبدالعزيز، وضع لنفسه سياسة واضحة للقضاء على الفقر تضمنت أن يوفر للفقراء جميعاً حد الكفاف في العام الأول من خلافته، ثم حد الكفاية في العام الثاني للوصول إلى تمام الكفاية في العام الثالث، فأولى العناية القصوى بأن يملك الفقراء أدوات الإنتاج.

قال عمر بن أسيد بن عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب: (إنما ولي عمر بن عبدالعزيز ثلاثين شهراً، ألا والله ما مات حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون في الفقراء فما يبرح حتى يرجع بماله يتذكر من يضعه فيه فلا يجده فيرجع به، قد أغنى الناس).

ومع الأسف الشديد فإن الفقراء في العالم الإسلامي يمثلون نسبة كبيرة من فقراء العالم، ونسبة خطيرة، فقد بلغ عدد الدول التي تصنف على أنها دول فقيرة 50 دولة، ومعظمها من العالم الإسلامي، حيث إن نسبة الفقراء الذين يحصلون على أقل من دولارين أو دولار واحد في بنجلاديش تصل إلى 84.0 %، وفي غامبيا 82.9 %، وفي الهند إلى 88.4 %، وفي موريتانيا 63.1 %، وفي نيجيريا 92.4 %، وهكذا.. وذلك بسبب الحروب الطاحنة، والظلم والاستبداد والفساد المالي والإداري، والاجتماعي.

وهذه الإحصائيات يعود تاريخها إلى عام 2008م وما قبله.

ثم إن الزكاة لم يظهر لها الآن دور بارز في عصرنا الحاضر في التنمية، وتقليل نسبة الفقر وذلك بسبب سوء الجمع والجباية، وسوء التوزيع وعدم اهتمام معظم الدول بها.

لذلك أرى من الضرورة أن يقوم المجتمع ومؤسساته الأهلية بإحياء الدور الحقيقي لمؤسسة الزكاة في التنمية الشاملة والتخفيف من آثار الفقر والبطالة والتخلف.

وأقول (مؤسسة الزكاة) لأن الله تعالى أراد للزكاة أن تقوم على المأسسة من بداية تشريعها، حيث خصص نسبة من أموال الزكاة للعاملين عليها، وهذا يدل بوضوح على حرص الشريعة على استمرار هذه المؤسسة من خلال توفير الموارد المالية الكافية لها.

ومن هنا فإذا كانت الحكومات تهمل أداء هذا الواجب حسب صورته المنشودة فإن علينا جميعاً، علماء ومؤسسات أهلية، أن نقوم بهذا الواجب.

الأمر الثاني: دور الزكاة في تحريك الاقتصاد كأداة من أدوات السياسة المالية:

فقد فرض الله تعالى الزكاة عبادة لله تعالى، ولتحقيق التكافل والتضامن والمواساة، والقضاء، أو التخفيف من حد الفقر، والبطالة، والفوارق الطبقية.;