وعلى إثر ذلك شنت أمريكا حرباً على أفغانستان وأسقطت حكومة طالبان ، ثم على العراق فأسقطت من خلالها نظام صدام حسين في 9 إبريل 2004م .
وخلال السنوات الثلاث الماضية حينما يتابع المشاهد السياسي كل التطورات التي حدثت ، والمواقف التي اتخذتها أمريكا والتصرفات التي ارتكبتها ، والسياسات التي اتبعتها ، والتصريحات التي أدلى بها قادتها …كل ذلك يدل بوضوح على أن كل ما سبق لا يدل أبداً على أن أمريكا تريد محاربة الارهاب ، واجتثاث جذوره ، والقضاء على أسبابه وآثاره كما تدعي وتزعم ، بل على العكس يدل بوضوح على أن أمريكا تتسبب كثيراً في إثارة المسلمين لدفعهم إلى التطرف والإرهاب ، وتصب مزيداً من الوقود على النار المشتعلة لتزداد هيجاناً واحتراقاً والتهاباً ، واشتعالاً ، وذلك للأدلة الآتية :
أولاً : إنه في عالم العقل والمنطق ـ كما هو الشأن في عالم الشرع ـ أنه إذا حدثت حادثة تدرس من كل جوانبها ، حقيقتها ، وأسبابها ، وآثارها ، وكيفية علاجها من خلال عدة سيناريوهات مناسبة .
فقضية الإرهاب في العالم الإسلامي لو فرض أنها خاصة بالعالم الإسلامي ، فإن المنطق والعقل والتحليل يقتضي أن تدرس ما هي أسبابها التي أدت إلى ظهور التطرف والإرهاب في العالم الإسلامي .
إنه مما لا يختلف فيه عاقلان أن أسباب التطرف والإرهاب تعود إلى عدة أسباب من أهمها وأخطرها احتلال إسرائيل لفلسطين ، وما فعلته وتفعله بهذا الشعب البطل من قتل واغتيال وتدمير ، وجرائم بشعة يندى لها جبين الإنسانية .
إن أمريكا تدعي أن أسباب الإرهاب تعود إلى الفقر والبطالة ، ولكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 أثبتت أن ذلك غير صحيح ، فالذين ادعوا القيام بهذا العمل هم من الأغنياء الأثرياء أمثال أسامة بن لادن ، وأيمن الظواهري .
فالواقع يشهد ، والحق ينطق أن جوهر القضية يكمن في هذا التأييد اللامحدود لإسرائيل ولكل ما تفعله داخل الأراضي المحتلة ، وازدواجية المعايير ، فشارون المتلطخ يده بدماء الآلاف من الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا ، ويتفاخر بإشرافه على استشهاد الشيخ أحمد ياسين ثم الدكتور الرنتيسي هو رجل السلام ، والفلسطينيون الذين يقاومون الاحتلال هم إرهابيون .
ومع كل ذلك وقفت أمريكا وتقف مع الاحتلال الاسرائيلي الصهيوني على طول الخط بكل قوتها العسكرية والاقتصادية ، والمعنوية ، والفيتو الأمريكي ، ووقفت وحدها في بعض الأحيان أمام العالم ، حيث توافق على القرار كل دول العالم سوى أمريكا التي تستعمل حق النقض (الفيتو) عشرات المرات .
فأصبحت أمريكا هي إسرائيل المحتلة ، وإسرائيل هي أمريكا ، فلم يعد أي فرق بين الطرفين فكلاهما ضد الفلسطينيين ، وضد العرب ، وضد كل المشاريع العربية والإسلامية لحل مشكلة فلسطين على أساس عادل .
وفي عهد الرئيس الأمريكي الحالي ازدادت عناية أمريكا بإسرائيل ، وإهمالها للقيادة الفلسطينية ، فوقفت أمريكا مع إسرائيل في مذابحها البشعة في جنين ، وفي كل فلسطين ، ثم وقفت معها في قتل الشيخ أحمد ياسين شيخ الشهداء وأخيراً في استشهاد الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي .
وأخطر من ذلك موقف أمريكا الأخير من عودة اللاجئين وتغيير حدود فلسطين حسب قرارات الأمم المتحدة ، والمشروعات التي طرحت من مدريد إلى أوسلو إلى خارطة الطريق .
العالم الإسلامي يشاهد ويسمع ويرى ما يحدث على أرض فلسطين ، ويغلي على الحميم وكالمرجل أمام كل ما يحدث في أرض مقدسة لدى العرب والمسلمين ، فماذا تكون النتائج؟
ومع كل ذلك أمريكا تتجه اتجاهاً معاكساً لكل هذه العواطف ، والحقوق ومع ذلك يقول الرئيس الأمريكي الحالي : لماذا يكرهنا العرب والمسلمون ؟!
ثانياً : إن أمريكا وغيرها تعلم أن الإرهاب لا يحارب بالإرهاب ولا تجتث جذورها بالقوة المادية وإنما يقضي على الإرهاب من خلال الفكر والقناعة والمناقشة من خلال الندوات والمؤتمرات ووسائل الإعلام المحلية ، وهذه المسألة غير واردة في أجندة أمريكا.
ثالثاً : لا يقضى على الإرهاب إلاّ من خلال القضاء على أسبابه ومسائله التي ذكرنا بعضها .
إن أمريكا لا تنقصها المعاهد الاستراتيجية ، ولا المخابرات ، ولا قياس الرأي العام من خلال معاهدها الخاصة بذلك ، ومع ذلك تتجاهل كل ذلك وتعمل باتجاه معاكس على زاوية 180 درجة .
بماذا يفسر ذلك ؟
لا يمكن لأي عاقل أن يفسر كل ما يحدث إلاّ بأحد التفسيرين :
التفسير الأول : أن أمريكا تجعل هذه الحقائق ، وهذا التفسير باطل غير صحيح ، لأن ساسة أمريكا يعرفون ذلك قبل غيرهم ، وهذا ما يعترف به جميع المحللين الأمريكان المنصفين من أن أسباب كره العرب لهم هو السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وبالأخص في فلسطين المحتلة .إذن هذا التفسير غير مقبول ولا معقول .
التفسير الثاني : أن أمريكا تستفيد من هذه السياسة بإثارة العرب والمسلمين ، وتصنع الارهاب المضاد ، حتى يكون ما يفعله هؤلاء الإرهابيون مبرراً لتنفيذ خططه في الشرق الأوسط ، بل وفي العالم أجمع .
والشواهد على ذلك كثيرة منها :
1. أن أمريكا استفادت فعلاً من كل ما حدث مما يسمى بحوادث الإرهاب ، فمن خلال ما أسند إلى القاعدة وطالبان جاءت أمريكا واحتلت أفغانستان واتخذتها قاعدة لها ، بل فتحت قواعد في معظم الجمهوريات الإسلامية التابعة للاتحاد السوفيتي السابق ، وسيطرت بذلك على أهم ينابيع البترول ومصادر الطاقة بعد الخليج .
ولو صرفت أمريكا المليارات لما استطاعت أن تصل بهذه الصورة المبررة حتى من الأمم المتحدة إلى احتلال هذه الأماكن الاستراتيجية وفتح قواعد في تلك البلاد .
2. أن أمريكا لو لم يكن هناك تصرفات النظام العراقي السابق الذي كان مدعوماً من أمريكا وبالأخص خلال الحرب العراقية الإيرانية لما وصلت إلى الخليج ، ولما اتخذت قواعد في كل الدول العربية الخليجية ، ولما اتخذت الكويت قاعدة لها ، في حين أننا كنا نسمع أن قادة الكويت قبل احتلالها كانوا يرفضون رفضاً مطلقاً إعطاء تسهيلات لأمريكا ، فما بالك بالقواعد العسكرية وبالتالي استفادت من تطرف صدام وظلمه ، إن لم تكن أمريكا هي التي دفعته إلى ذلك الاحتلال ، وهكذا فالمخططون الاستراتيجيون الأمريكيون يعلمون من زمن طويل أن السيطرة على العالم كله أوربا ويابان وآسيا إنما تتم عن طريق السيطرة على منابع البترول والطاقة ، لأنها هي شريان الحياة ، والعمود الفقري لكل الصناعات والمواصلات والتقنيات في العالم ، ومن هنا خططوا لهذه الهيمنة ، فعملوا على جبهتين : جبهة إثارة العالم العربي وشبابه للاندفاع نحو التطرف والإرهاب حتى يستفاد من نتائجه ـ كما قلت ـ .
وجبهة الاندساس في صفوفهم وتهيئة الأمور لهم ، وإلاّ فحادثة الحادي عشر من سبتمبر 2001م تعجز عنها أكبر منظمة عالمية ، فكيف استطاع مجموعة من الشباب دون دعم من الأرض ومن الداخل أن يحققوا ما فعلوه إن لم يكن هناك دعم من الموساد والمخابرات الأمريكية ، أو أن المخابرات هي التي عملتها ـ كما قال بعض المحللين الفرنسيين ـ .
وعلى ضوء ذلك نفهم ما تفعله أمريكا ولا تزال تفعل بخصوص الفلسطينيين ، وفي العراق في الفلوجة وفي النجف الأشرف وغيرهما ؛ لأن أمريكا تستفيد فعلاً من نتائج هذه الإثارة والإرهاب في الوقت الحاضر ما دامت أمريكا قوية تستهين بقوة المسلمين ، والمسلمون مستضعفين لا حول لهم ولا قوة ، ولكن على مدى البعيد ستكون له عواقب وخيمة على أمريكا نفسها ، لأن القوة لا تبقى لأحد وقد قال الله تعالى : ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) فأين الاتحاد السوفيتي القوي .
هذا هو التفسير الحقيقي لمواقف أمريكا التي هي غير مفهومة لو لم ننظر إلى هذا الموضوع بهذه النظرة ، ولكن العاقبة للمتقين ، وأن هذه الأمة الإسلامية تبقى محفوظة فلن يمكن الله تعالى أي عدو من استباحة بيضتهم وهذا ما وعد به رب العالمين لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، كما ورد في الحديث الصحيح المتفق عليه حينما طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من الله تعالى أن لا يمكن منهم عدواّ من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ، وقد استجاب الله تعالى لذلك ، كما أن التأريخ شاهد على ذلك حيث مرّت خمسة عشر قرناً ، حاول فيها أعداء الإسلام من الصليبين والمغول والتتر القضاء على الإسلام والمسلمين ففشلوا ولكن النصر في الأخير للمسلمين (يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .