الدوحة في 17 جمادى الأول 1436 هـ
الموافق 8 مارس 2015م


بيان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين حول الإعلان السياسي المطروح في الجلسة 59 للجنة مركز المرأة المنعقدة في الأمم المتحدة – نيويورك في الفترة 9 – 20 مارس 2015 بعنوان
بكين+20 (2015)

الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يطالب الأمم المتحدة باحترام التنوع الديني، والقيم الإسلامية في الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة والطفل وغيرهما ، ويؤكد على تكريم الإسلام للمرأة ومساواتها مع شقيقها الرجل في الكرامة الإنسانية ، كما يؤكد على التكامل والتمايز بينهما المهام داخل الأسرة والمجتمع ، ويطالب الدول الإسلامية بموقف موحد حول هذه الوثائق، يحترم المرجعية الدينية والثقافية لشعوب العالم الإسلامي ،
ويحمل الأنظمة والوفود المشاركة المسؤولية الكاملة، أمام الله، وأمام الشعوب، عن هذه الوثائق.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه .. وبعد؛؛
يتابع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين – الذي يمثل جماهير علماء الأمة الإسلامية – أوضاع المرأة في العالم بصورة عامة، وفي العالم الإسلامي بصورة خاصة.
ويؤكد على تكريم الإسلام للمرأة ومساواتها مع شقيقها الرجل في الكرامة الإنسانية وأن ميزان الأفضلية بين الرجل والمرأة هو التقوى “إن أكرمكم عند الله أتقاكم” . فقد أولى الإسلام ومنذ فجر الدعوة عناية خاصة بحقوق المرأة، في إطار التكامل والتوازن، وتوزيع الأدوار، لتحقيق الخير والسعادة والانسجام داخل الأسرة التي هي النواع للمجتمع السعيد.
كما يؤكد على التكامل والتمايز بين الرجل والمرأة في المهام داخل الأسرة والمجتمع، والذي من شأنه تحقيق النهوض والتقدم للأمة بكافة شرائحها.
ويرى أن تحقيق العدالة، ومنح الحقوق الطبيعية للمرأة هو إضافة حقيقية للمجتمع، الذي يتكون من عنصرين أساسيين هما (الذكر والأنثى). وقد سبق إلى ذلك الإسلام سبقا بعيدا، ودعا إليه في الكثير من تشريعاته ونظمه، وقرن ذلك باستثارة الوازع الديني والقيمي في المجتمع، ناقلا هذه الممارسات من حدود النظريات إلى واقع التطبيق، ومن دائرة الآداب إلى حيز التشريع، ومن نظرة الفضائل إلى إلزامية الحقوق.
ويلاحظ الاتحاد منذ فترة، أن المؤتمرات الأممية التي تعقد بدعاوى الحفاظ على حقوق المرأة ونيل حريتها: تتجه في كثير من الأحيان إلى ما يؤدي إلى تفكيك الأسرة، والإضرار بها، غير مهتمة بالتنوع الديني والثقافي والقيمي للأمم والشعوب المختلفة، وأن القائمين على هذه المؤتمرات يمارسون الضغوط الاقتصادية والسياسية على بعض الحكومات الإسلامية للتوقيع عليها، والالتزام بالتطبيق الكامل لها، مع أنها تتعارض في الكثير من مضامينها مع عقيدة شعوبها وقيمها وشرائعها الإسلامية العظيمة.
وسيطرح في الجلسة (59) للجنة مركز المرأة التي ستعقد في الأمم المتحدة بنيويورك في الفترة 9-20 مارس، إعلان سياسي Political Declaration يحمل المزيد من الضغوط، والمزيد من الإلزام بالتعهد بالتطبيق الكامل لاتفاقية سيداو، ووثيقة بكين، وما تلاها من وثائق وإعلانات سياسية تؤكد عليها؛
ونحن في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين نرى أن أخطر ما في ذلك الإعلان السياسي:
1- الإلحاح المتكرر للتطبيق الكامل لوثيقة بكين، ونتائج الدورة الاستثنائية الثالثة والعشرين للجمعية العامة (بكين+5)، وإعلانات لجنة وضع المرأة في احتفالات الذكرى السنوية العاشرة والخامسة عشر لمؤتمر بكين (بكين+10، وبكين+15). في الوقت لم يرد أي ذكر لتحفظات الحكومات الإسلامية على اتفاقية سيداو، أو وثيقة بكين وما تلاها، برغم تعارض الكثير من مضامينها تعارضًا صريحًا مع الشريعة الإسلامية.
2- الإصرار على الربط والتلازم بين إعلان ومنهاج عمل بيكين، واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) ، وأن كل منهما “يعزز بعضه بعضا”، وذلك حتى تكتسب وثيقة بكين الإلزامية التي تتصف بها اتفاقية سيداو، على ما فيها من تفاصيل واجراءات شديدة الخطورة على المنظومة القيمية والأخلاقية في المجتمعات الإسلامية.
3- تمحور الإعلان السياسي حول إدخال مصطلح “مساواة الأنواعGender Equality” ضمن الأجندة التنموية لما بعد عام 2015 من خلال إدماج منظور الجندر، وضمان أن قمة الأمم المتحدة لاعتماد أجندة مابعد 2015 المقرر انعقادها في الفترة من 25-27 سبتمبر 2015 تسهم بشكل كبير في تحقيق مساواة الجندر.
4- تطبيق مساواة الأنواع Gender Equality –بخلاف إقرار حقوق الشواذ جنسيا- يعني إلغاء لكافة الفوارق التشريعية بين الذكر والأنثى، مثل التشريعات الخاصة بالزواج والطلاق والإرث والقوامة والوصاية والولاية وغيرها، وهو ما يتهدد الأسرة بالتفكك والانهيار، بسبب تغلغل روح الصراع والنزاع فيها.
5- تكرار عبارة “تحقيق حقوق الإنسان للنساء والفتيات بشكل كامل” تعني الإلزام بتطبيق كافة المواثيق الأممية الخاصة بالمرأة والطفل تطبيقا كاملا، برغم اشتمالها على أمور تتصادم بشكل كبير مع الشريعة الإسلامية، مثل إباحة العلاقات الجنسية خارج نطاق الزواج في سن تعتبر الأمم المتحدة الزواج الشرعي فيه “عنفا ضد الفتاة” وتعمل على تجريمه! ناهيك عن التجاهل التام الذي تنتهجه الأمم المتحدة تجاه الفتيات اللاتي يتعرضن للقتل والتعذيب والتشريد والاغتصاب في العديد من البلدان، مثل فلسطين، والعراق، وسوريا، ومصر، وبورما، وغيرها من المناطق التي حرمت فيها كثير من الفتيات من أبسط حقوق الإنسان، ألا وهو الحق في الحياة!
6- محاولة إدماج مخرجات المؤتمرات الاقليمية والمحلية التي عقدت خلال عام 2014 على مستوى العالم لمتابعة تطبيق وثيقة بكين وما تلاها من وثائق، من خلال “الترحيب بالأنشطة الاستعراضية التي قامت بها الحكومات، ومنظمات المجتمع المدني بمناسبة الذكرى العشرين لمؤتمر بكين، وهي في حقيقة الأمر محاولة لتجاوز أي تحفظات على وثيقة بكين وما تلاها من وثائق، فتلك المخرجات نابعة من ثقافات مختلفة، ولم تحقق إجماعا دوليا لاشتمالها على بنود مثيرة للخلاف والجدل.
7- والأخطر من ذلك كله، ما جاء في البند الأخير من الإعلان السياسي من العزم على اتخاذ إجراء تاريخي لتحقيق تقدم لا رجعة فيه بشأن مساواة الأنواع Gender equality واستقواء المرأة Women Empowerment وغيرها من المطالبات التي تعتبرها تلك الوثائق “حقوقا” للنساء والفتيات، والتي نرى أن كثيرا منها هو في حقيقة الأمر إهدار حقيقي لحقوق النساء والفتيات وليس العكس. وينبئ هذا البند بعزم الأمم المتحدة على ممارسة المزيد والمزيد من الضغوط العنيفة على الحكومات، لضمان تحقيق أجندتها، وقطع الطريق على أي معارضة لتلك الأجندة بشكل نهائي!
ويظهر جليا مقاومة كثير من الشعوب لمحتويات تلك المواثيق، بدليل ما اعترف به الإعلان السياسي نفسه من أنه برغم مرور عشرين عاما على المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة، إلا أن المساواة التامة لم تتحقق في الكثير من الدول، وهو ما يدل على تعارضها وتصادمها مع الفطرة الإنسانية، ولكن الأمم المتحدة تصر على تجاهل إرادات الشعوب، متحدية لها، وتمارس المزيد من الضغوط على الحكومات لتتعهد “باتخاد المزيد من الاجراءات لتحويل المعايير الاجتماعية”
وأمام هذا الوضع القائم، يرى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ويؤكد ما يلي:
أولا: يطالب الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الأمم المتحدة باحترام التنوع الديني، والشرائع السماوية، والقيم الإسلامية في الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة والطفل وغيرهما.
ثانيا: يطالب الاتحاد الدول الإسلامية بموقف موحد، تجاه هذه الوثائق، والاستجابة لرغبات الشعوب ، وذلك برفض كل ما يتعارض مع الشريعة الإسلامية، والأديان السماوية، سواء في الوثائق السابقة، كاتفاقية سيداو وبكين وغيرهما، أو أي وثائق لاحقة يتم طرحها للنقاش والتوقيع أو التوافق، وعدم التأثر بالضغوط التي تمارسها الأمم المتحدة من خلال الإعلان السياسي المطروح للنقاش في الاجتماع 59 للجنة مركز المرأة، كما يطالبهم بعدم المساس بالتحفظات التي وضعت عند التوقيع على الاتفاقيات الدولية للمرأة والطفل.
ثالثا: يهيب الاتحاد بالوفود الحكومية المشاركة، التحفظ على تلك الوثائق، وعدم التورط في التوقيع على المزيد منها، ويطالب بعدم التوقيع على أي بروتوكولات ملحقة بتلك الاتفاقيات دون الرجوع إلى علماء الأمة واتحاداتهم، وهيئات كبار العلماء والمجامع الفقهيه حفاظا على هوية الشعوب المسلمة وسيادة حكوماتها.
رابعا: يحمل الاتحاد الأنظمة والمؤسسات المسلمة التي تتورط بالتوقيع على تلك الوثائق والاتفاقيات المسؤلية الشرعية أمام الله تعالى وأمام الشعوب.
الأمين العام // رئيس الاتحاد
أ. د. علي محيي الدين القره داغي // أ. د. يوسف القرضاوي