الدوحة – العرب
بعد أن عالج الشيخ علي محيي الدين القره داغي مواضيع الأمن الشامل في الإسلام، وتأصيل العمل الإنساني، ينتقل إلى موضوع مهم، هو: الإجارة في الإسلام.
يؤكد فضيلة الشيخ علي محيي الدين القره داغي، أن لصيغة الإجارة شروطا أبرزها 1 – الأصل أن تنجُّزُ الإجارة، وفي التعليق تفصيل:
الأصل في الإجارة أن تكون منجَّزة وأنه لا خلاف بين جمهور الفقهاء في أن الإجارة لا تصح مع التعليق على مستقبل مجهول، مثل أن يقول: إن جاء فلان فقد أجرتك بيتي، أو إن حصلت على كذا فقد أجرتك بيتي، أو نحو ذلك.
أما إذا كان التعليق من قبيل تعليق الحط من الأجر على عمل معين فلا يضر عند الكثير من الفقهاء، مثل أن يقول لخياط: إن خطت هذا الثوب اليوم فأجرتك درهم، أو غداً فنصف درهم فهذا جائز عندهم.
ولذلك نذكر اختلافهم في هذه المسألة بشيء من الإيجاز:
1 – ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم جواز تعليق عقود المعاوضات المحضة مثل البيع والإجارة، فقال القرافي: (تعليق البيع بالشرط لا يجوز فيبطل) وقال النووي: (لا يجوز تعليق البيع على شرط مستقبل بأن يقول: إذا جاء المطر أو قدم الحاج… فقد بعته، وهذا بيع باطل بلا خلاف) وهكذا قال الحنابلة.
2 – وذهب الحنفية إلى التفريق بين صيغ التعليق وصوره، فقالوا: إن الأصل عدم صحة العقد به، ولكن إن جاء التعليق بصيغة «إن» فلا يصح، وإن جاء بلفظ «على» فيحمل على شرط وتطبق عليه قواعد الشرط، جاء في غمز عيون البصائر: (تعليق التمليكات والتقييدات بالشرط باطل كالبيع والشراء والإجارة.. وتعليق البيع بكلمة «إن» باطل، وبكلمة «على» صحيح إن كان مما يقتضيه العقد، أو ملائماً له، أو جرى العرف به، أو ورد به الشرع، أو كان لا منفعة فيه لأحدهما، وقد ذكرنا في مداينات الفوائد، وفي البيوع ثلاثين مسألة يجوز تعليقه فيها).
3 – وذهب ابن تيمية، وابن القيم إلى جواز تعليق العقود بالشروط إذا لم يكن التعليق بشيء محرم، وأسنده ابن تيمية إلى أحمد وقال: (إنه مذهبه، وإنه لم يجد عنه ولا عن قدماء أصحابه نصاً يخالف ذلك، وإن عدم جواز التعليق ذكره المتأخرون من أصحاب أحمد).
ولكن من المعلوم أن لازم المذهب ليس بمذهب، كما أن عدم وجود نصّ بخلافه لا يدل على وجود نص أو قول.
وهذا الرأي اختاره الشيخ الزرقا، والشيخ علي الخفيف، وابن سعدي، وابن عثيمين.
وقد استدل كل فريق بأدلة نوقشت من قبل الفريق الآخر لا يسع المجال للخوض فيها، ولكن الذي نرى رجحانه هو جواز تعليق العقود بما فيها عقد الإجارة بشروط مستقبلية جائزة بالشروط الآتية:
أ- أن يكون المعلق عليه محقق الوقوع معلوماً للطرفين بأن لا يكون مستور العاقبة، وإلاّ فهو الغرر المنهي عنه والمفسد لعقود المعاوضات، وذلك مثل أن يقول: بعت لك هذه البضاعة أو أجرت لك العقار إنْ جاء شهر كذا أو وقت الحصاد، أو نحو ذلك، أما لو قال: بعتك كذا إن جاء فلان، أو شفي فلان فهذا موغل في الجهالة والغرر فلا يصح، وقصة موسى عليه السلام في زواجه فيها تعليق بالمعلوم وهو (ثماني حجج).
ب- أن لا يتخذ وسيلة للعقود الصورية، والتحايل على الربا ونحوه من المحرمات.
ويدل على جواز التعليق بهذه الضوابط مجموعة من الأدلة، والمؤيدات المقبولة شرعاً منها:
1 – إن القرآن الكريم ذكر لنا في قصة تزويج موسى عليه السلام تعليق النكاح فقال تعالى حكاية عن والد زوجة موسى: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}، وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ، ولم نجد ناسخاً في الكتاب أو السنة الصحيحة الصريحة.
2 – ثبت في الحديث الصحيح المتفق عليه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لصباعة بنت الزبير حينما اشتكت من وجعة وهي تريد الحج: (حجّي واشترطي، قولي: محلّي حيث حبستني) ووجه الاستدلال أن الرسول صلى الله عليه وسلم أجاز التعليق في عقد الإحرام بالحج وهي من العبادات المحضة، فإذا كان التعليق فيها جائزاً فيكون جواز التعليق في المعاملات التي مبناها على رضا الطرفين وعلى أصل الإباحة جائز بطريقة أولى.
3 – أن سيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه علّق عقد المزارعة بالشرط فكان يقول للمزارع: (إن جاء عمر بالبذر فله كذا، وإن جاء العامل بالبذر فله كذا).
4 – وروى عبدالرزاق في مصنفه عن قتادة وحماد في رجل قال لرجل: أكتري منك إلى مكة بكذا وكذا، فإن سرت شهراً، أو كذا وكذا فلك زيادة كذا وكذا، فلم يريا به بأساً…) وكان القاضي شريح يقول: (من شرط على نفسه طائعاً غير مكره، أجزناه عليه).
5 – وهناك روايات عن عمر، وابن مسعود، ونافع تدل على جواز تعليق البيع بشرط، فقد روى عبدالرزاق أن ابن مسعود كتب إلى عمر فسأله عن جارية ابتاعها من امرأته على أن إنْ باعها فهي أحق بها بالثمن؟ فقال: (لا تطأ فرجاً فيه شيء لغيرك) فعلق ابن القيم على ذلك بأنه يدل على أنه أجاز الشرط وقد تضمن بيعاً معلقاً، ثم قال: (ونص الإمام أحمد على جواز تعليق البيع بالشرط في قوله: «إن بعت هذه الجارية فأنا أحق بها بالثمن» واحتج بأنه قول ابن مسعود، وهو قول عمر وابنه رضي الله عنه وسعيد بن جبير).;