التعريف بجرائم الشرف :

  المقصود بجريمة الشرف هو أن يقوم الشخص القريب من المتهمة بالزنا أو بمقدماتها بتنفيذ عقوبة القتل عليها .

  وذلك مثل أن يقوم الزوج بقتل زوجته حينما يظن أنها قد خانت العلاقة الزوجية ، أو يقوم الأب بقتل ابنته المتهمة بالزنا ، أو الأخ بقتل أخته المتهمة بالزنا ….الخ وقد يقوم بقتل المتهم بالزنا معها أيضاً .

  هذه العادة العشائرية المنتشرة في بعض البلاد العربية والإسلامية ليس لها علاقة بالإسلام ومبادئه ، وقواعده في تنفيذ العقوبات والحدود والتعازير ، بل هي عادة جاهلية نتجت من النظرة الدونية إلى المرأة ، بدليل أنه ليس هناك جريمة الشرف ضد الأخ ، أو الزوج ، أو الأب الذي يتهم بالزنا ، كما أن لها علاقة بنظرة الجاهلية إلى روح المرأة وقيمتها حيث كانت تدفن وهي صغيرة بكل برودة دم خوفاً من أنها لو كبرت ربما تلوّث سمعة عشيرتها ، فهذه جريمة شرف لاحتمال وقوع الزنا من البنت عندما تكبر ، فيقتلها أهلها وهي صغيرة حتى لا تقع في الزنا ، ولذلك يقول الله تعالى في كتابه العزيز مندداً أشد التنديد بهذه الجريمة النكراء في حق هذه الطفلة البريئة الغافلة الحصناء فقال تعالى : ( وإذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت)[1] .

 

أسباب هذه الجريمة :

من أهم أسبابها ما يأتي :

  1. التأثر بالعادات القبلية الجاهلية الموروثة ـ كما سبق ـ .

  2. الجهل وعدم الوعي بأحكام الشريعة الإسلامية .

  3. الغيرة التي تتجاوز حدود الشرع .

  4. تخفيف الأحكام الجنائية على مرتكبي جريمة الشرف ، حيث إن بعض القوانين تجعل ذلك من الظروف المخففة ، وبعضها تجعل الجزاء على قتل المتهمة بالزنا ، بضع سنوات .

 

تعارضها مع الشريعة الإسلامية :

  أما تعارض هذا العمل (أي القتل بدافع الدفاع عن الشرف) مع الشريعة الإسلامية الغراء ففي الأمور الآتية :

أولاً : ان حق التنفيذ لحدود العقوبات في حالة ثبوتها منوط بولي أمر المسلمين بإجماع المسلمين قاطبة وأن قيام أحد بتنفيذها دون هذه الولاية فهو افتئات على حق ولي الأمر ، وتعدٍ سافر على حقوق الله تعالى وحدوده ، وعلى حقوق ولي أمر المسلمين للأدلة الآتية :

  1. ان جميع الآيات القرآنية موجهة إلى جماعة المسلمين المتمثلة في إمامهم ، أو من ينوب عنه مثل قوله تعالى في الزنا : (…فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة)[2] وقوله تعالى في السرقة : (…فاقطعوا أيديهما ….)[3] فالحدود من حقوق الله تعالى ، وصاحبها هو إمام المسلمين (ولي الأمر) .

  2. أن الحدود والعقوبات لم يقم بتنفيذها أحد في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم إلاّ بعد التثبت والبينات أو الإقرار …

  3. لم يسجل التأريخ في عصر الخلافة الراشدة ، ولا في عصور الخلافة الإسلامية أن سمح علماء الأمة للأفراد أن يقوموا بتطبيق الحدود ، وعلى ذلك الإجماع كما قال علماء الأمة مثل ابن المذنر ، وابن قدامة وغيرهما .

  4. أن الحدود تحتاج إلى تهيئة ظروف خاصة بالمتهم والبينات ثم الاجتهاد في مدى كون المتهم يستحق العقاب المقرر ، وكل ذلك لا يتم إلاّ من خلال المحاكم المعتبرة التي تتوافر فيها الشروط المطلوبة .    

ثانياً : أن هذه الجريمة (جريمة قتل المتهمة بدافع الشرف) تقام دون شهود وفي بيته ، وبالأخص فإن ثبوت الزنا يحتاج إلى أربعة شهداء يرون العملية بكل دقة ، وهذا ما لا يتوافر عند تنفيذ هذه الجريمة .

ثالثاً : ان المتهم بريء حتى تثبت إدانته ، فكيف يقتل فوراً دون إعطاء فرصة كافية للدفاع عن نفسه بنفسه أو من خلال محاميه .

رابعاً : أنه لا يجوز في الشريعة ان يكون شخص واحد الحكم ، والخصم ، والمنفذ ، فهذا ظلم ما بعده من ظلم ، بل لا بدّ أن يكون قاض تتوافر فيه الشروط والإجراءات المعتبرة .

خامساً : ان الحدود تدرأ بالشبهات ، وهي كثيرة جداً .

سادساً : الحدود لا بدّ أن تقام علانية بعد ثبوتها (ادرؤوا الحدود بالشبهات) ، فلا يجوز إخفاؤها ( وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين)[4] .

سابعاً : انه لم يثبت في الإسلام في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم والخلافة الراشدة حدّ الزنا عن طريق الشهادة أبداً لصعوبة الإثبات ، فكيف يقوم الوالد ، أو الزوج بتطبيق الحد .

ثامناً : إن العقوبة في الزنا ليست القتل مطلقاً ، وإنما هي الجلد للبكر ، والرجم للمتزوجة ، وجريمة الشرف لا تعرف هذه المسألة .

تاسعاً : ان الحدود لا تقام على الحامل حتى على الحامل التي ثبت زناها ، وهذه الجريمة لا تعرف هذه المسألة ولا تراعي أي شيء .

عاشراً : ان الحدود لا تنفذ على المريض إلاّ بعد شفائه .

أحد عشر : ان حدّ الزنا يسقط برجوع المقر عن إقراره ، وبعدول الشهود عن شهادتهم وبأمور أخرى ، وكل هذه الاعتبارات ليست مرعبة لدى القاتل بدافع الشرف .

اثنا عشر : من خلال الوقائع أن 90% من هؤلاء النساء المظلومات المقتولات بهذه التهمة لم يرتكبن جريمة الزنا ، وإنما كانت تهمة ، او ارتكبت مقدمات الزنا التي لم يضع الله تعالى عليها الحدّ ، وإنما لو ثبتت فهي من التعزيرات التي هي أيضاً من حق الدولة ومحاكمها المعتبرة .

 

أما معالجتها فتتم بما يأتي :

1.  التوعية بحكم الله تعالى وبحكم الشرع في هذه الجريمة التي ترتكب بدافع الشرف ، فعلينا ان نقوم ببرامج متعددة ومتنوعة لإفهام الناس بأن ما يقومون به في هذا الصدد حرام ، وقتل لنفس التي حرم الله إلاّ بالحق ، وبيان التهديد والوعيد الشديد في حق القاتل والمعتدى من خلال الآيات الكثيرة والأحاديث التي تبين خطورة القتل ، وتبين مخالفة هؤلاء لأمر الله تعالى ولأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ولأمر الشرع .

وأقترح أن تشترك فيها المدرسة والجامعة والمسجد ووسائل الإعلام في هذه التوعية .

2. تشديد العقوبة ، وعدم اعتبار ذلك من الظروف المخففة لقوبة القتل .

هذا والله أعلم

 


 


([1]) سورة التكوير / الآية 8

([2]) سورة النور/ الآية 2

([3]) سورة المائدة / الآية 38

([4]) سورة النور / الآية 2