كتب – أكرم الفرجابي
جريدة الوطن – الدوحة
للعلماء والدعاة ذكريات خاصة مع شهر رمضان المبارك.. الشيخ الدكتور علي محيي الدين القره الداغي، الأمين العام للاتحاد العالمي للمسلمين، أحد كبار علماء ودعاة العالم الإسلامي، قال لـ الوطن في حوار رمضاني: إن أول مرة جرب فيها الصيام كان عمره حوالي ست أو سبع سنوات، مشيراً إلى أنه ليس لديه طبق معين أو أكلها معينة يفضلها في الشهر الكريم، موضحاً أنه لا يجوز لنا أن تتعلق قلوبنا بالأكلات مهما كانت نوعيتها.
وأشار القره داغي إلى أنه يحرص على جمع الأقارب للإفطار في داره أول يوم رمضان، مبيناً أنه يقيم الدروس الدينية لأسرته داخل البيت، مستدلاً بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً)، وأضاف: لا بد أننا نبدأ بأنفسنا وبأهلنا ثم بعد ذلك بالآخرين، موضحاً أنه في كثير من الأحيان ينقل خطبة الجمعة مرة ثانية إلى البيت في نفس اليوم حتى يستفيد منها أبناؤه وبناته، وغيرها من الموضوعات التي تطرق لها في هذا الحوار..
سألت الدكتور القره داغي.. هل تتذكر أول يوم صيام لك وأي ذكرى تركها ذلك اليوم في ذهنك؟
– أذكر أن أول مرة جربت فيها الصيام كان عمري حوالي ست أو سبع سنوات، وكنت منكباً في ذلك الوقت على حفظ القرآن الكريم، إلى جانب دراستي في المدرسة الابتدائية، وكان الصيام وقتذاك صعباً، فكانت والدتي تمزح وهي تقول لي: سوف نجمع بين يومين ويحسب لك يوم حتى لا أجهد نفسي في الصوم، وكنت أصوم مرات إلى الظهر وأحياناً إلى العصر وبعض الأحيان أكمل اليوم.
ما العادات والتقاليد التي تحرص على إحيائها في هذا الشهر الكريم؟
– من أهم الأشياء التي كنت أحرص عليها ومازلت، هي جمع الأقارب للإفطار في داره أول يوم رمضان، ثم أتواصل معهم وكذلك أستجيب إلى دعوات الإفطار عندهم، وتزداد الزيارات والتواصل، والدروس الدينية التي أقيمها لهم داخل البيت، والمولى سبحانه وتعالى قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً)، فلا بد أن نبدأ بأنفسنا وبأهلنا ثم بعد ذلك بالآخرين، وفي كثير من الأحيان أنقل خطبة الجمعة مرة ثانية إلى البيت في نفس اليوم، حتى يستفيد منها الأبناء والبنات.
أي طبق أو أكلة تحبذها عن غيرها في هذا الشهر الكريم؟
– أنا لست من هواة تخصيص نوع معين من الأكل، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى، وليس لدي طبق معين أو أكلة معينة أفضلها عن غيرها في هذا الشهر الكريم، وهذا يمكن من تربية الوالد والوالد بأنه لا يجوز لنا أن تتعلق قلوبنا بالأكلات مهما كانت نوعيتها، بينما تتعلق قلوبنا بالأحسنية والكيفية الجيدة في الأعمال والأنشطة والعبادات والطاعات.
أول خطبة
هل تذكر متى كانت أول خطبة ألقيتها في حياتك؟
– كانت في السليمانية عام 1963م، وأذكر أن عمري حينها كان حوالي (13) سنة، وعمي كان هو المسؤول عن المسجد، لكن بسبب تعرضه لوعكة صحية كلفني بأداء المهمة بدلاً عنه، وبالطبع كانت مهمة صعبة للغاية، لأنها أول مرة أعتلي فيها المنبر لأخطب في مسجد كبير بمحافظة السليمانية.. يحضر إليه الآلاف من البشر، لكنه قال لي: اذهب إلى أي مكان وعوّد نفسك على الإلقاء، وبالفعل تدربت على الطريقة الجيدة لإلقاء الخطبة، وذهبت يوم الجمعة إلى المسجد وألقيتها بإتقان.
ومـتــى أكمـلــت حــفــظ القـرآن الكريم؟
– قبل سن التاسعة أتممت حفظ القرآن كاملاً، وكان والدي- رحمه الله- قد أخرجني من المدرسة الابتدائية رغم تفوقي فيها، لأنه كان يظن أنني إذا أكملت فيها فسوف أتجه نحو الدراسة الأكاديمية، وهو يريد لي دراسة العلم الشرعي، لأنه كان حريصاً على ألا تنقطع سلالة العلماء في عائلتنا، التي تحتوي على أكثر من عشرة علماء، وبالمناسبة آخر شيء تم اكتشافه في سجل العائلة، أن اثنين من أجدادي كانا وكيلين لشيخ الإسلام في العراق، وهما الشيخان محمد نجيب أفندي وعبداللطيف أفندي، ولا أنسى أيضاً فضل والدتي التي حفظتني القرآن وشجعتني على أن أكون خادماً للإسلام.
ومتى بدأت رحلتك مع الكتب والمؤلفات؟
– بدأت رحلتي مع التأليف عندما كنت طالباً بكلية الشريعة الإسلامية في بغداد، وكانت عبارة عن «مختصر مفيد» في النحو، من متون الكتب التي حفظتها، من تلك الملخصات عملت المختصر النافع في النحو، ووقتها لم أتخرج بعد في الجامعة في ستينيات القرن الماضي، ثم بعد ذلك بدأت في كتاب آخر رداً على الآثار الواردة في «قصة الغرانيق»، وكدتُ أن أكمله لكن جاء إلينا أحد كبار الأساتذة في التفسير، اسمه الدكتور سيد شافعي، ذكرت له محاور الكتاب، فقال لي: إن هناك كتاباً جاهزاً في هذا الموضوع، وموجوداً عندي، وهو كان قد تطرق لهذا الموضوع، لذلك توقفت عما بدأته في هذا الكتاب، وبعد التخرج تواصلت رحلتي مع الكتب والمؤلفات.
وكيف حصلت على الإجازة الشرعية للحديث؟
– أخذتها من أحد كبار علماء الأزهر الشريف، في فترة الستينيات، اسمه السيد ندى، حيث كان يشترط عليَّ أنا أقرأ عليه الكتب التسعة التي درستها حتى يعطيني الإجازة، وقد قرأت عليه خمس سنوات في الليل، كونه كان يسكن وحيداً، لأن أهله في مصر، وكنت أتفرغ له كل ليلة ساعتين أو ثلاث ساعات، وقرأت عليه البخاري وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وهذا الأمر أفادني كثيراً بفضل الله.
من هم الأشخاص الذين كان لهم الأثر في تكوينك الفكري؟
– مجموعة من العلماء، منهم عمي الشيخ نجم الدين القره داغي، وخالي الشيخ مصطفى القره داغي، وتأثرت طبعاً بوالدي ووالدتي، لكني تأثرت حقيقيةً في البداية، بكتاب إحياء علوم الدين للشيخ الغزالي، ثم بعد ذلك قرأت بعض كتب الإمام ابن تيمية، وتأثرت به، ومن المعاصرين تأثرت بكتب الإمام حسن البنا والشيخ سيد قطب، وكنا نقرأ كتب السلفية كما نقرأ كتب الإخوان وكذلك كتب الصوفية المعتدلة.
باعتقادك هل الشخصية الدعوية ثمرة موهبة أم علم؟
– حقيقةً هي ثمرة الاثنين، العلم مطلوب، وكذلك الاقتداء أيضاً مطلوب، والتدرب والتدريب أيضاً مطلوب، كل هذه العناصر هي التي تكون شخصية الداعية، وإذا كان لا يملك علماً لا يستطيع، وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، والحكمة هي قمة العلم وتمثل الجانب العقلي، والموعظة الحسنة تمثل الجانب العاطفي.
التواصل والتقوى
هل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في رمضان يؤثر على الصيام؟
– استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ينقسم إلى نوعين، النوع الأول هو التواصل الذي يتعلق بالفتاوى والنصائح والمقابلات الجيدة، فهذا مطلوب وجزء من الدعوة، فاليوم وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت من أهم وسائل الدعوة، ما دامت توجه نحو الخير، ونحو ما فيه منفعة الناس، وأوصي جميع إخواني وأخواتي بالاستفادة من التواصل الاجتماعي، من كان قادراً على توصيل دعوته وكلماته وأفكاره الجيدة فليفعل ذلك، أما النوع الثاني فهو التواصل الاجتماعي السيئ فيه السب والشتيمة ونشر الرذيلة وإثارة الشهوات والأفكار الهدامة والخطيرة وهذا بالطبع يكون محرماً ومؤثراً في الصيام، لأنه نحن ممنوعون شرعاً عن أكثر المباحات مثل الأكل والشرب والمعاشرة المباحة طوال نهار رمضان، فكيف لنا أن نقترب المحرمات.
كيف يكون الصوم موصلاً ليقين التقوى؟
– هذا هو الصوم الذي يعزم عليه الإنسان عزيمة مع إرادة قوية بأن يجعل صومه صوماً لجميع أعضائه ليس لبطنه وفرجه، وإنما يكون صوماً لعينه بحيث لا ترى المحرمات وصوماً لسمعه بحيث لا يستمع إلى المحرمات الغيبة والنميمة والكذب والإشاعات، وصوماً للسانه من أن يقول المنكرات بل لا يقول إلا الحق والحسنات، وصوماً لجوارحه بأن تسعى إلى الخير ولا تسعى إلى الشر، وصوماً لقلبه بأن يكون مفكراً ومذكراً لله سبحانه وتعالى، وصوماً لنفسه بأن تبتعد عن الشهوات، وصوماً لروحه بأن تعلو وتسمو بتلاوة القرآن الكريم، وصوماً لعقله بأن يفكر في قضايا الأمة، ويرتقي عقله إلى مستويات الأمة ولا يعيش بعقلية صغيرة.
إمامة المرأة
بعض العلماء أجازوا إمامة المرأة وأنكروا عذاب القبر.. ما تعليقك على ذلك؟
– إمامة المرأة للمرأة جائزة، وإمامة المرأة داخل الأسرة للأقارب المحارم، أيضاً ليس فيها مانع، أما إمامة المرأة للرجال، يكاد يكون شبه إجماع إن لم يكن إجماعاً على أنها غير جائزة، والذي فيه خلاف هو داخل الأسرة وما شابه ذلك، أما عذاب القبر، فهو محل إجماع عند أهل السنة والجماعة والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة، وإثارة مثل هذه القضايا الجدلية المراد بها هو شغل الأمة الإسلامية.
ما الفرص المتاحة لتقوية أواصر القربى والأخوة بين المسلمين في رمضان؟
– حقيقةً هنالك عدة فرص، الصيام نفسه فرصة، والإفطار الجماعي داخل الأسرة، وتكاتف أفراد الأسرة جميعهم، بل العشيرة إن صح التعبير في مجالسهم، هذه أكبر وسائل للتجمع لكي يتعرفوا على بعضهم البعض ويتعاونوا على البر والتقوى، بالإضافة إلى أداء الزكوات وصدقة الفطر، حيث الأقربون أولى بالمعروف، وتعطى لهم الصدقات، طبعاً ما عدا الأصول والفروع والزوجة، لا يجوز دفع الزكاة إلى الوالدين والجد والجدة ولا إلى الأولاد والأحفاد، ما عدا ذلك تعطى الزكوات والصدقات إلى الأقارب، فهذه أيضاً تؤدي إلى صلة الرحم وتقوية الأواصر، إلى جانب الزيارات باعتبار أن كل إنسان مسلم حريص ألا يقاطع أخاه حتى لو كان بينه وبين أحد أقاربه لا سمح الله مشكلة، فلا يجوز أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ.
اتحاد العلماء
ماذا عن دور الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في قضايا الأسرة والمجتمع؟
– قمنا في مجال الأسرة والمجتمع بتقديم وثيقة مقابلة لاتفاقية (سيداو)، أطلقنا عليها وثيقة الأسرة، تتكون من المبادئ العامة التي تكون معتمدة لدى حتى غير المسلمين من أصحاب الديانات الأخرى من المسيحية واليهودية في عمومها، وما يهمنا هو ما تتفق عليه الأديان والفطرة السليمة، وحتى ما أقرته الأمم المتحدة في سنة 1945، وعقدنا مؤتمراً في إسطنبول حضره أكثر من 365 مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني، واعتمدت هذه الوثيقة، وطلبنا من الرئيس أردوغان باعتباره رئيس منظمة التعاون الإسلامي، أن يقدم هذه الوثيقة إلى منظمة التعاون الإسلامي على أساس اعتمادها في المنظمة والتي بدورها ستقوم بتقديمها إلى الأمم المتحدة، كإحدى الوثائق الموازية لاتفاقية سيداو التي اعتمدت في الأمم المتحدة عام 1979م، وهي في حقيقتها ضرب قاطع وخطير جداً للأسرة وتماسكها كونها تجيز زواج المثليين وتعتمد الأسرة النووية.
أخيراً.. كيف تعلق على قضية حرمان القطريين من أداء العمرة في رمضان؟
– في الحقيقة هذا عمل غير مقبول شرعاً، ومهما كانت الخلافات لا يجوز أن تصل إلى المقاطعة الدينية، لدرجة أن يمنعوهم من أداء شعائر الحج والعمرة، خاصةً أن كثيراً من إخواننا القطريين يأتون إلينا، وبعضهم يقول: (60) عاماً ولم تفوتني عمرة رمضان، إلا هذا العام والعام الماضي، لذا نطالب السعودية بإعادة النظر في هذه المسألة حتى لو بقيت الخلافات السياسية تحل بطرقها الدبلوماسية والحوارية.
.. وما هي القضايا التي لا ينبغي إقحامها في الخلافات السياسية؟
– قضيتان مهمتان لا يجوز بصراحة أن تتدخل فيهما السياسة، القضية الأولى قضية العلاقات الإنسانية وصلة الرحم، فلا يجوز أن يفعل شخص أو دولة أي فعل يترتب عليه قطع صلة الرحم، لأن قطع هذه الصلة من الكبائر التي نهانا عنها الإسلام، والأمر الثاني كذلك قضية منع أداء فريضة الحج أو العمرة، فهذه فريضة وشعائر دينية لا يجوز أن تتأثر بالسياسة، وإنما تبقى بمعزل عن هذه الخلافات كونها شعائر مقدسة.