صحيفة العرب القطرية
15/08/2010
بذل المعاصرون من الفقهاء المهتمين بالاقتصاد الإسلامي، ومن الاقتصاديين الملتزمين بالإسلام، جهوداً كبيرة لإثبات وجود الاقتصاد الإسلامي، وأن الإسلام يتضمن (من خلال مبادئه وقواعده، ومن خلال تراثه الفقهي والأصولي والسياسي) علماً اقتصادياً، ونظاماً اقتصادياً يعالج المشاكل الاقتصادية على ضوء أيدلوجية الإسلام، ونظريات اقتصادية في مختلف المجالات، مثل النقود، والأثمان، والأسواق.

وقد قام الأخ الفاضل الأستاذ محمد نجاة الله صديقي منذ أكثر من ثلاثين عاماً باستعراض للفكر الاقتصادي الإسلامي المعاصر فسجل فيه أهم الكتب والبحوث والمقالات التي كتبت باللغات الثلاث (العربية والانجليزية والأردية) ولم يكتف بذلك بل لخصها تلخيصاً علمياً وقام باستعراض أهم ما جاء فيها على شكل دراسة موضوعية متعمقة، حيث تناول فيها بالتحليل: الفلسفة الاقتصادية في الإسلام، والنظام الاقتصادي، والنقد للأنظمة والنظريات الاقتصادية، وتطوير التحليل، والفكر الاقتصادي، وبعبارة موجزة إن الكتب المعاصرة تناولت جميع محتويات علم الاقتصاد ونظمه ونظرياته، علماً أن مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبدالعزيز قد نشر ثبتاً (ببيلوغرافياً) بأكثر من 700 مرجع في الاقتصاد الإسلامي باللغات الثلاث.

وخلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين ازدادت الكتب والدراسات والبحوث والرسائل العلمية حول الاقتصاد الإسلامي مما جعله اقتصاداً متكاملاً.

الخلاصة:

إن كل هذه المعلومات الاقتصادية المتوافرة في نصوص الشريعة واجتهادات الفقراء قديماً وحديثاً تدل بوضوح وجلاء على وجود علم الاقتصاد الإسلامي، ولكن طبيعة كل العلوم أنها قابلة للتطوير يطورها التطبيق والحاجة والاجتهاد، وسترى في هذا المدخل أن الاقتصاد الإسلامي له رؤيته وعلاجه، لكل مشكلة، أو قضية.

وشاء الله تعالى أنه لم ينزل في الاقتصاد إلاّ المبادئ والقواعد، والقيم الحاكمة وبعض التفصيلات، حتى يترك المجال للاجتهاد المنضبط، ليقوم بدوره في التطوير والتحديث بجانب الثوابت التي تحمي المجتمع والأمة من الانهيار والذوبان.

هل علم الاقتصاد هو علم الفقه؟

للإجابة عن هذا السؤال نقول: إن الفقه قد مرّ بعدة مراحل، حيث كان يطلق في القرآن الكريم والسنة النبوية، وفي عصر الرسالة على الفهم الدقيق للكتاب، والكون والإنسان، والظواهر الاجتماعية والإنسانية، وهو بهذا المعني يشمل الاقتصاد أيضاً، ثم أصبح علماً للعلم بالإحكام الشرعية العملية المكتسبة من الأدلة التفصيلية -كما سبق-.

فالفقه بهذا المعنى الاصطلاحي يختلف عن علم الاقتصاد الذي يدرس الظاهرة الاقتصادية، أو المشاكل الاقتصادية، أو يدرس كيفية تحقيق الثروة، وإدارتها للوصول إلى الرفاهية، فعلم الاقتصاد الإسلامي يأتي بعد مرحلة علم الفقه الذي يبين الحكم الشرعي للنشاط، أو الظاهرة، أو السلوك الاقتصادي، ثم يأتي علم الاقتصاد الإسلامي فيبني على هذا الحكم فيدرس آثاره دراسة اقتصادية، فمثلاً إن فوائد البنوك يدرسها الفقه فيحكم عليها بالتحريم، ثم يأتي علم الاقتصاد الإسلامي يبين آثاره الاقتصادية من حيث التأثير على عرض النقود، والتجارة بالنقود والإقراض بفائدة، وآثاره على التضخم أو الانكماش. في ضوء ذلك لا يمكن لعلم الاقتصاد الإسلامي الاستغناء عن علم الفقه لبيان الحكم الشرعي في كل ما يحاول إقراره. يقول الدكتور رفعت العوضي: (إن الاقتصاد الإسلامي يتكون من مرحلتين هما: مرحلة الفقه (الاقتصادي والمالي) ومرحلة علم الاقتصاد، ذلك أنه وصل إلينا من التراث كتب تدخل في مرحلة الفقه، مثل كتاب الخراج لأبي يوسف، والأموال لأبي عبيد، وكتب تدخل في مرحلة الاقتصاد الإسلامي مثل كتاب: الإشارة إلى محاسن التجارة للدمشقي، وكتاب الفلاكة والمفلوكين للدلجي، وكتاب المقدمة لابن خلدون.