السؤال :
فضيلة الشيخ : قبل أيام قرأت عن منتج جديد اسمه المرابحة العكسية ( المراجحة ) ،
فهل هو منتج إسلامي صحيح متوافق مع الشروط والضوابط الشرعية المطلوبة ، نرجو بيان
رأيكم للأهمية ؟ وهل له فعلاً تطبيقات في البنوك الاسلامية ؟ وما معنى لفظة (
المراجحة )؟
الجواب :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد وعلى آله
وصحبه وبعد :
فقد طالعتنا الصحف وبخاصة الصحف الاقتصادية الخليجية ، وفي
مانشيتاتها العريضة : ابتكار منتج جديد اسمه : المراجحة وفي بعضها : تطوير منتج
جديد اسمه : المرابحة العكسية …
وكتبت في الخط الثاني :
ودائع مضمونة بنسبة 100 % مع أرباحها المحددة ، مجازة من الهيئة
الشرعية
وحقاً ودون مبالغة فقد تلهفت لمعرفة هذين المصطلحين اللذين لم أسمع بهما مع تشرفي
بمعايشة الفقه الاسلامي والاقتصاد الاسلامي ( وحتى القانون ) منذ أكثر من 45 عاماً
، وقلت في نفسي : أنا أعرف المرابحة ، ولكن لأول مرة أسمع بالمرابحة العكسية ، ولم
أسمع أبداً بالمراجحة ، لذلك بدأت فوراً بالبحث عنهما حتى أتعلم فالعلم من المهد
إلى اللحد .
وحينما أتي لي بعقودهما فوجدتهما هي : المرابحة بالاسم ، ولكنها
غيّر اسمها ، وأُلبست هذا الثوب الجديد .
وقد اشتهر عندنا في قطر من خلال بنك …… اسم ( المراجحة ) في
حين اشتهر اسم (المرابحة العكسية ) في الكويت من خلال بنك …… ، حتى كتب أحد
أعضاء الهيئة الشرعية لبنك ….. تبريراً لذلك فقال : ( فقد قام بنك …… في
الآونة الأخيرة بتطوير منتج جديد ومبتكر ، وهو عبارة عن استثمار أموال المودعين عن
طريق عقد الوكالة في الاستثمار ، فعقد الوكالة في الاستثمار من العقود الشائعة
والمنتشرة بين المؤسسات المالية المختلفة ، إلاّ أن الجديد في بنك ….. هو استخدام
هذه الصيغة في استثمار أموال المودعين حيث إن الصيغة المعهودة في استثمار أموال
المودعين في البنوك الاسلامية هي صيغة المضاربة طوال السنوات الماضية ، فكون بنك
….. يقوم باستخدام صيغة أخرى في استثمار أموال المودعين بالاضافة إلى صيغة
المضاربة يعدّ بحدّ ذاته تطويراً وتنويعاً في صيغ الاستثمار).
ملاحظاتنا على هذه الصيغة المبتكرة ! !
إن هذه الصيغة ليست مبتكرة ، ولا فيها جديد سوى جمع بين عدة عقود ينتج منها منتج
يقضي تماماًً على مصداقية البنوك الاسلامية ، وتمييزها عن البنوك الربوية ، ويفتح
الأبواب لنقد البنوك الاسلامية على مصراعيها ، فهو يجمع بين الأشياء التي هي محل
انتقاد شديد من الأصدقاء والأعداء فهو يجمع بين التورق المنتظم ـ الذي صدر بتحريمه
قرار من المجمع الفقهي الاسلامي التابع لرابطة العالم الاسلامي بمكة المكرمة ـ ،
وبين المرابحات الدولية اليت تلفها الشبهات من كل جانب ، وتحيط بها المشاكل من كل
طرف ، وبين التعاقد مع النفس التي منعها المعيار الشرعي لعقد الوكالة ، وبين إلزام
الوكيل بالمرابحة بنسبة محددة ، وتضمينه رأس المال النسبة المتفق عليها مسبقاً ،
فهو يقضي على آخر حِصْن بقيت فيه عقود المضاربة ، وهو : الودائع الاستثمارية .
وقد حاولت بعض البنوك الاسلامية ، والفروع الاسلامية التابعة
للبنوك التقليدية أن تحصل على موافقة مصرف قطر المركزي على منتج المراجحة ، أو
المرابحة العكسية ، فلم يوافق عليه ، بل أرسل خطاباً إلى الهيئات الشرعية بتأريخ
30/04/2007م يستفسر عن مدى مشروعيته جاء فيه كلام جميل وهو : ( وما إذا كان يمكن
للبنوك الاسلامية تغيير أسلوب قبولها ودائع العملاء ، من أسلوب المضاربة الشرعية
القائمة على المشاركة في الأرباح إلى أسلوب المرابحة العكسية القائمة على خلق
التزامات ثابتة يضمنها البنك لأجل ، وبعائد محدد) .
وحقاً إنه تحول غريب فبدل أن تسير البنوك الاسلامية نحو تحقيق
الأهداف الأساسية للاقتصاد الاسلامي ، من تحقيق التنمية الشاملة وتطبيق آلياته من
المشاركة والدخول إلى عالم الأسواق الحقيقية بدأت بعض البنوك والفروع الاسلامية
تريد أن تسير على خطى البنوك الربوية شبراً بشبر وذراعاً بذراع ، ولكن مع تغيير
الأسماء والمصطلحات ، حتى لو دخلت جحر ضبّ لدخلته بعض هذه البنوك ، ولذلك تبحث عن
المضاهاة في كل شيء ، حتى قال أحد كبار العلماء المعاصرين أمام هذه الهرولة : يكاد
يصدق عليها قول بني اسرائيل لموسى عليه السلام : (اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا
لَهُمْ آلِهَةٌ) .
والغريب أن هذه التبعية من هذا البعض ليست في الأمور الجيدة ،
ليست في الابداع في التنمية وخدمة العملاء ، وإنما كما قال النبي صلى الله عليه
وسلم في الدخول إلى جحر الضبّ الذي هو أكثر الجحور فوضى وعدم تنظيم ، وليست التبعية
في الأمور الجيدة وفي الحكمة التي هي ضالة المسلم .