الحلقة الرابعة:
تأثير الحمل والولادة والنفاس والرضاعة:

حيث تصاب الحامل بفقر الدم، ويتحمل القلب الحامل أضعاف ما يتحمله قبل الحمل إذ يقوم بدورتين دمويتين كاملتين، دورة للأم، ودورة للجنين، حيث يضخ القلب قبل الحمل حوالي 6500 لتر يومياً، أما عند الحمل وبالأخص قبل نهايته فتصل الكمية التي يضخها القلب إلى 15000 لتر يومياً، وقد عبّر عما سبق، وعن غيره مما ذكره الأطباء وما لا يسع المجال لذكره هنا ـ بدقة قوله تعالى: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ) وحقاً إنه ضعف في كل الجوانب على ضعف.

وكذلك الحال بالنسبة لفترة النفاس، وأما في حالة الرضاع فالأم بحاجة إلى التفرغ لرضاعة وتربية ولدها لمدة عامين على الأقل، ولذلك طالب تقرير منظمة الصحة العالمية المنشور عام 1981م، طالب حكومات العالم بتفريغ المرأة للمنزل والرضاعة، ودفع راتب شهري لها إذا لم يكن لها من يعولها.

وهناك فوارق أخرى تخص نوعية التفكير والمخ، فقد ذكرت مجلة العلوم الأميركيةSEIENTIFC AMERICAN في عدد مايو 1994 بحثاً بعنوان (الفوارق في الدماغ بين الزوجين) للدكتورة دورين كيمورا، أستاذة علم النفس، وزميلة الجمعية الملكية الكندية في عام 1992، حيث استعانت بتجارب كثيرة ونتائج تجارب لعدد من المتخصصين في هذا المجال مثل (V.N واطسون) بجامعة غربي ابتارو و(M. إيك) جامعة يورك، ودراسة (A.R كورسكي) وزملائه من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، وغيرهم، وتوصلت إلى ما يعتبر اكتشافاً مذهلاً، وهو أن تخزين المعلومات والقدرات في الدماغ يختلف في الذكر عن الأنثى، ففي الفتى تتجمع القدرات الكلامية في مكان مختلف عن القدرات الهندسية والفراغية بينما هي موجودة في كلا فصي المخ لدى الفتى.

وقد عرضت مجلة تايم الأميركية في 31 يوليو 1995 ص 39 نتيجة دراسة علمية تتمثل في عرض صورة لدماغ المرأة عندما تستغرق في الحديث والكلام، وحينئذ ينشغل كلا جانبي المخ تماماً، فيستخدمان في معالجة اللغة، كما عرضت صورة لدماغ الرجل عند حديثه فلم يستعمل إلاّ جانباً واحداً منه مما يجعله أكثر تخصصاً ودقة لأنه عند الحديث يستعين بالجزء الثاني من دماغه للتذكير في حين ينشغل الجزآن من مخ المرأة عند الكلام وهذا- والله أعلم- هو السر في قوله تعالى: (فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى).

المقصود بهذا العرض

المقصود بهذا العرض ليس تفضيل الرجل على المرأة، ولا العكس، وإنما بيان وجود فوارق طبيعية وخلقية وبدنية، وهرمونية، وعناصر حيوية، وبالتالي لا بدّ أن يكون لها آثارها في نطاق العمل والاستخلاف والاستعمار الذي خلقنا الله تعالى لأجله بعد أداء العبودية لله تعالى التي لا يختلف فيها الرجل عن المرأة، وإنما الاختلاف في مجال توزيع الأدوار لتحقيق عمارة الأرض.

فلا يجوز عقلاً ولا شرعاً إهمال هذه الفوارق في مجال تعمير الكون الذي هو يتكون أساساً من الزوجين في كل شيء، زوجية محققة للتوازن فقال تعالى: (وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ).

وهنا يأتي الجواب بأن الحل هو المنهج الوسط الذي يراعي أصل المساواة، ويراعي كذلك الفوارق المذكورة، ويراعي كذلك التزاوج والتكامل للوصول إلى أسرة موزونة، وبالتالي مجتمع موزون وأمة موزونة، وعندما يتحقق هذا التوازن للكون الموزون الذي وضع فيه كل شيء منه بمقدار، وروعي فيه حجم الصغير والكبير، والثقيل والخفيف، ووضع كل شيء في مكانه واستفيد منه لتحقيق دوره الرائع.

وهذا ما سنتحدث عنه:

الذكر والانثى تزاوج وتكامل لا انفصام ولا تضاد ولا فصال

الرجل والمرأة سماهما القرآن الكريم الزوج وهذا يعني أنهما مشروع واحد يتكون من عنصرين متوازنين متساويين اسمه الإنسان، بل الكون كله يتكون من الزوج والشفع، من السالب والموجب، والذكر والأنثى، فقال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ).

فكل ما في الكون شفع وزوج، والوتر الوحيد هو الله تعالى الواحد الأحد، فقال تعالى: (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ). فكما أن الموجب يكمل السالب، وبالعكس، وأننا لا نستطيع أن نقول إلاّ أن كل واحد منهما يكمل الآخر، فالكهرباء مثلاً إنما تتكون من سالب وموجب وأنه لا يمكن تحقيق الإضاءة والقوة والطاقة إلاّ بهما معاً، وهكذا الإنسان والأسرة والمجتمع والأمة والحضارة، والاستعمار والاستخلاف لا يتحقق إلاّ بالرجل والمرأة.

فإذا كان الإنسان نفسه- بعد آدم وحواء- لا يوجد ولا يخلق إلاّ من مشروع مشترك متناصف بين الرجل والمرأة حيث يتكون من نطفة أمشاج يتمثل فيها دور المرأة بـ23 كرموسوماً، ودور الرجل كذلك بـ23 كرموسوماً، إذاً كيف يدعي أحدهما أنه أفضل من الآخر في هذا البنيان المشترك، وهكذا الأمر عند الله تعالى فالميزان عنده هو العمل الصالح والتقوى فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ).

توافق الشريعة مع طبيعة الجنين

فالرجل والمرأة- كما هو الحال في الكون كله حيواناً ونباتاً وجماداً- في نظر الإسلام مخلوق لخالق واحد مبدع عالم حكيم (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) فإذا كان التناقض والتصادم والتضاد غير موجود في هذا الكون الشامل فكيف يكون ذلك موجوداً في أعظم خلقه الذي خلقه بيديه ونفخ فيه من روحه، وجعله في أحسن تقويم وأجمل صورة ومنحه من صفاته الكثير والكثير، ولذلك فقضية الذكر والأنثى، والسالب والموجب هي قضية الكون كله.

وإذا كان الكون الجمادي والنباتي والحيواني- ما سوى الإنسان والجنّ- يسير على أحسن نظام، وتوزعت الأدوار لكل شيء، فكل جزء منه من الذرة إلى المجرة له دوره المرصود، حيث جبله الله تعالى على سنن وقواعد لا يتخلف عنها (ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) فإن الله تعالى أنزل شرائعه التي انتهت بشريعة الإسلام الخالدة الشاملة الكاملة ليسير المجتمع الإنساني على هذا النظام المبدع الدقيق الذي كل شيء فيه بقدر، وكل شيء له وزنه، حتى يكون المجتمع الإنساني المسلم أيضاً موزوناً قادراً على تحقيق السعادة في الدنيا والآخرة، وعلى تعمير الكون في ضوء منهج الله تعالى.

وعلى ضوء ذلك نصل إلى ما يأتي:

1 – إن الشريعة كما أنها توافقت مع الكون كله حيث فيه الثوابت والمتغيرات، فكذلك الشريعة فيها الثوابت والمتغيرات، وكذلك الإنسان الذي فيه ثوابت من حيث خلقته وعواطفه وفكره، ومتغيرات في التجدد، كذلك الأمر في موضوع أحكام الشريعة الخاصة بالرجل والمرأة، فكيف لا يكون كذلك؟ فالشريعة من الله تعالى، والكون مخلوق لله تعالى، فهو كتابه المقروء والثاني كتابه المفتوح، (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).

2 – الرجل والمرأة جزآن من مشروع واحد هو الإنسان، فهذه الزوجية الذكر والأنثى مثل السالب والموجب موجودة في كل ما في هذا الكون.

3 – توزيع الأدوار على كل واحد منهما لتحقيق التكامل وذلك بأن يوضع كل شيء في محله بكل دقة وحكمة.

4 – الابتعاد عن هضم حقوق المرأة (التفريط).

5 – عدم الإفراط بالزيادة، أو إعطاء دور للمرأة ليس من تخصص المرأة أو للرجل ليس من تخصصه، وحينئذ يكون وضعاً للشيء في غير محله، وقلباً للسنن فيختل النظام.

6 – تحقيق التوافق بين الفطرة، لا الاصطدام معها، والتناغم والتكامل والترابط والتزاوج بين طرفي المشروع الإنسان بعيداً عن الصراع والتضاد والعداء والخصومة، فالمرأة من الرجل، والرجل من المرأة، وكلاهما من جنس واحد، من آدم، وآدم من تراب، لتحقيق السكنى والاستقرار والمحبة والألفة والرحمة، والسعادة فقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

فالإسلام يريد الفرد السعيد المستقر المتزن، والأسرة السعيدة المستقرة المتحابة والمتراحمة المتزنة في حين يريد المغالون دعاة حقوق المرأة إعلان حرب شعواء ضد الرجل وبالأخص الناشطات اللائي يطالبن بالقتال من أجل عالم بلا رجال، وبعضهنّ طالبن بتقطيع أوصال الرجال إرباً إرباً، فقد ألفت الكاتبة الأميركية دورثي رو، كتاباً سمته: العدوّ أي الرجل، حيث تقول لتأصيل هذا العداء: إن المرأة في بدايات الحياة البشرية عندما رأت الرجل مخلوقاً مخيفاً، له جثة ضخمة مغطاة بالشعر مكتظة بالعضلات، ومن عينيه نظرة وحش مفترس.. خافت منه، وهنا وقعت في الخطأ الكبير الذي سبب العذاب لكل النساء في ما بعد.. لأن خوفها قادها أن تستسلم وتخضع له، فبدأت تتملقه اتقاء لشره، وبذلك علّمت الرجل الغرور والإحساس بالقوة، وأتاحت له فرصة السيطرة والتسلط، فأصبحت المرأة في مركز التابع للمتبوع.

وتؤكد رائدة الحركة النسوية الإنجليزية إليزابيث ستانتون، أن الرجل يتسم بطبع قاس وأناني وعنيف ومغرور، ويحب الشرّ والعنف والدمار، بل اتجهت معظم الحركات الأنثوية الغربية في القرن العشرين نحو تحميل الرجل كل معاناتها، وردّ عليها بعض المفكرين الرجال بأفضلية الرجال والمبالغة في ذلك، فأصبحت هذه المسألة سجالاً، ونالت الأسرة نفسها كثيراً من آثار هذه المعركة منها رفض الأمومة والإنجاب، بل رفض الأسرة نفسها، أو تفككها وإباحة الإجهاض والشذوذ الجنسي، وإلغاء دور الأب، فأصبح الصراع، وإثبات الذات، والهيمنة أساساً في التعايش بدل الرأفة والرحمة والسكنى والتوزيع الأدوار كما يريده الإسلام.