الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد ، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين …..وبعد

 فإن مما لا شك فيه أن أحد الأسباب العظيمة لنشوء وانتشار الإرهاب بين الشباب ، هو فقدان ثقة هؤلاء بالعلماء ، ولا سيما بالرسميين ، وعدم تفاعلهم مع الأئمة والخطباء ، وبعبارة أدق : عدم تفاعل معظم علماء العصر مع الشباب وقضاياهم وفهم مشاكلهم والإحساس بهم ، والتحدث بلغتهم التي يفهمونها ، ومخاطبتهم بالخطاب الذي ينسجم مع مشاعرهم .

 ومن هنا فإن دور المجامع الفقهية كبير جداً إن أتقن إعدادها ، وأحسن استثمارها ، ومنحت لأدواتها الفكرية والعلمية القدرة على النفاذ ، وذلك بالنظر إلى أن هذه المجامع ينبغي أن تصبح المرجع الفقهي المعتمد ، أو أنه يجب أن يكون هكذا ، وأن تنال من المسلمين شبابهم وشيوخهم ورجالهم ونسائهم هذه الثقة والمرجعية المطلوبة ، ولكنها إلى الآن لم تأخذ مكانتها اللائقة بها سواء على مستوى المجامع الفقهية الدولية أو الاقليمية ، حيث إن قرارتها ليست لها صفة الإلزامية لا على مستوى الدول الإسلامية ، ولا على مستوى الأفراد والجماعات ، كما أنها ينقصها الكثير من حيث الجانب الإعلامي والاستفادة من وسائل العصر من القنوات الفضائية ، والانترنيت ، وآليات التواصل الاجتماعي المنتشرة بين الشباب ، مع أن المفروض أن تكون قرارتها بمثابة الإجماع السكوتي على الأقل ، ناهيك عن النقص في الموارد المالية والبشرية المطلوبة للنهوض والانتشار الواسع.

 ومع ذلك فإن المجامع الفقهية بذلت جهوداً كبيرة في هذا الشأن ، منها أن المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي خصص دورات ومؤتمرات للإرهاب بجميع أشكاله والتصدي له ، نذكر بعضها في هذا البحث ، وكذلك خصص مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي للجانب الفكري وبخاصة الإرهاب عدة موضوعات ومحاور مثل حقوق الإنسان ، والعنف الدولي في الدورة الرابعة عشرة بدولة قطر ، وللإفتاء وشروطه وموقف الإسلام من الغلو والتطرف والإرهاب في الدورة السابعة عشرة بالمملكة الأردنية الهاشمية ، كما خصص الدورة الثامنة عشرة بماليزيا والدورة التاسعة عشرة بالشارقة لمجموعة من القضايا الفكرية ذات العلاقة ، وسوف نتناول أهم هذه القرارات والتوصيات ذات العلاقة بالتحليل والتأصيل خلال هذا البحث المقدم إلى مؤتمر” دور الوسطية في مواجهة الإرهاب وتحقيق الاستقرار والسلم العالمي” الذي يعقده المنتدى العالمي للوسطية بالمملكة الأدرنية الهاشمية ، ممهداً لذلك بمبحث عن المنهج الوسطي ودوره في التصدي للغلو والإرهاب والتطرف ، ولعلاجه .

 وأسأل الله أن يكتب لنا التوفيق فيما نصبو إليه ، مستغيثاً به تعالى أن يحقق لنا من الأهداف والغايات المرجوة من هذا البحث والمؤتمر ، ومتضرعاً إليه أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ، إنه مولاي فنعم المولى ونعم النصير .

 كتبه الفقير إلى الله

علي بن محيى الدين القره داغي

الدوحة 03 جمادى الأولى 1436هـ

دور المجامع الفقهية في محاربة الغلو والتطرف والإرهاب :

إن المجامع الفقهية تستطيع القيام بمجموعة من الأدوار المهمة في التصدي للغلو والتطرف والإرهاب في عدة مجالات مهمة ، من أهمها :

أولاً – دور التأصيل والتنظير :

 من المعلوم أن الأفكار المتطرفة التي انتشرت في عالمنا الإسلامي تسند نفسها إلى الإسلام ، وتدّعي أنها تطبق الإسلام ، وتزعم أن مرجعيتها الكتاب والسنة ، وأن منهجها هو منهج السلفية .

 لذلك فإن بنيتهم الأساسية معتمدة حسب زعمهم على الكتاب والسنة ومنهج السلفية ، فإذا استطاعت المجامع الفقهية أن تثبت أن فَهْمَ هؤلاء المتطرفين فَهْمٌ غير صحيح وأنه لم يُبْنَ على الأُسس والقواعد والمبادئ الأساسية للفهم الصحيح ، ولا على أصول الفقه وثوابته التي استقرت عبر الأصول ، وأن منهجهم بعيد بل متناقض مع منهج السلف الصالح فقد انهدمت قواعد بيتهم وتصدعت الجدران ، وخرّ عليهم السقف تماماً .

 إن من القواعد القاطعة والمبادئ الثابتة والتجارب القاضية : بأنه ( لا يفلّ  الحديد إلاّ الحديد ) فكذلك لا يُحارَب الفكر المنحرف إلاّ بالفكر النيّر السليم ، ولا المنهج الهابط والغالي إلاّ بالمنهج الوسطي العالي ، ولا العقيدة الزائفة أو المتطرفة إلاّ بالعقيدة الصحيحة ، ولا الشدة والغلظة إلاّ بالرفق واللّين والرحمة ، ولا الضلال إلاّ بالرشاد والحوار وتصحيح المفاهيم ، والحكم الرشيد ، فقد ثبت أن ابن عباس رضي الله عنه قال : ( لما خرجت الحرورية اجتمعوا في دار وهم ستة آلاف أتيت علياً فقلت : يا أمير المؤمنين أبرد بالظهر لعلي آتي هؤلاء القوم فأكلمهم . قال : إني أخاف عليك .قلت : كلا . قال ابن عباس : فخرجت إليهم ولبست أحسن ما يكون من حلل اليمن. قال أبو زميل : كان ابن عباس جميلاً جهيراً .قال ابن عباس : فأتيتهم وهم مجتمعون في دارهم قائلون فسلمت عليهم ، فقالوا : مرحباً بك يا ابن عباس فما هذه الحلة ؟ قال قلت : ما تعيبون علي لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن ما يكون من الحلل ونزلت : ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ)    قالوا : فما جاء بك ؟ قلت : أتيتكم من عند صحابة النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار لأبلغكم ما يقولون المخبرون بما يقولون فعليهم نزل القرآن وهم أعلم بالوحي منكم و فيهم أنزل ؟ و ليس فيكم منهم أحد؟ فقال بعضهم : لا تخاصموا قريشاً فإن الله يقول : بل هم قوم خصمون؟ قال ابن عباس : وما أتيت قوماً قط أشد اجتهاداً منهم مسهمة وجوههم من السهر كأن أيديهم وركبهم تثني عليهم فمضى من حضر. فقال بعضهم : لنكلمنه ولننظرن ما يقول . قلت : أخبروني ماذا نقمتم على ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره والمهاجرين والأنصار ؟ قالوا : ثلاثاً !قلت : ما هن ؟ قالوا : أما إحداهن فإنه حكم الرجال في أمر الله وقال الله تعالى: ( إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ )  ، وما للرجال وما للحكم .فقلت : هذه واحدة قالوا : وأما الأخرى فإنه قاتل ولم يسب ولم يغنم فلئن كان الذي قاتل كفاراً لقد حل سبيهم وغنيمتهم ولئن كانوا مؤمنين ما حل قتالهم؟ !قلت : هذه اثنتان فما الثالثة ؟ قال : إنه محا نفسه من أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين .قلت : أعندكم سوى هذا ؟ قالوا : حسبنا هذا. فقلت لهم : أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما يرد به قولكم أترضون ؟ قالوا : نعم فقلت : أما قولكم حكَّم الرجال في أمر الله، فأنا أقرأ عليكم من كتاب الله أن صَيّر حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم في أرنب ونحوها من الصيد فقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ….. يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ)   ، فنشدتكم الله أحكم الرجال في أرنب ونحوها من الصيد أفضل أم حكمهم في دمائهم وصلاح ذات بينهم؟ و أن تعلموا أن الله لو شاء لحكم ولم يصير ذلك إلى الرجال. وفي المرأة وزوجها قال الله عز و جل: ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنَهُمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا)   ، فجعل الله حكم الرجال سنة مأمونة، أخرجت عن هذه؟ قالوا : نعم .قال : وأما قولكم : قاتل ولم يسب ولم يغنم؛ أتسبون أمكم عائشة ثم يستحلون منها ما يستحل من غيرها، فلئن فعلتم لقد كفرتم وهي أمكم ولئن قلتم ليست أمنا لقد كفرتم فإن الله يقول : ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)   فأنتم تدورون بين ضلالتين أيهما صرتم إليها صرتم إلى ضلالة.فنظر بعضهم إلى بعض قلت : أخرجت من هذه ؟ قالوا : نعم .وأما قولكم : محا اسمه من أمير المؤمنين فأنا أتيكم بمن ترضون ورأيكم قد سمعتم أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية كاتب سهيل بن عمرو وأبا سفيان بن حرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمير المؤمنين : ( أكتب يا علي هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله ) فقال المشركون : لا والله ما نعلم أنك رسول الله لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك! فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( اللهم إنك تعلم أني رسول الله أكتب يا علي هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله ) فوالله لرسول الله خير من علي وما أخرجه من النبوة حين محا نفسه. قال عبد الله بن عباس : فرجع من القوم ألفان وقتل سائرهم على ضلالة)  .

وقد ثبت كذلك أن سيدنا علياً حينما خرج عليه الخوارج بسبب قبوله بالحكمين في معركة صفيّن ، وبسبب أنه لم ذكر علي بن أبي طالب ولم يذكر أمير المؤمنين ، وقالوا : انسلخت من قميص ألبسكه الله ، واسم سماك الله به … أمر أن يؤذن مؤذن : لا يدخل على أمير المؤمنين إلاّ رجل قد حمل القرآن ، فلما أن امتلأت الدار من من قراء الناس دعا بمصحف إمام عظيم فوضعه بين يديه ، فجعل يصكه بيده ، ويقول : ( أيها المصحف حدث الناس .. ! ثم قال أصحابكم هؤلاء الذين خرجوا بيني  وبينهم كتاب الله يقول الله تعالى في كتابه في امرأة رجل : ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً )   فأمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم دماً وحرمة من امرأة ورجل ، ونقموا عليّ أن كاتبت معاوية ، كتبت : علي بن أبي طالب ، وقد جاءنا سهيل بن عمرو ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية حين صالح قومه قريشاً ، فذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم محى لفظ ( رسول الله ) وكتب ( محمد بن عبدالله )   .

ويستنبط من حوار عليّ وابن عابس رضي الله عنهم ما يأتي :

(1) أن الحوار مطلب عظيم ، وأنه مطلوب شرعاً ، وأنه يجب أن يستند على الأصول والأسس الشرعية لفهم النصوص والاستنباط وحسن الاستدلال وعرض الحجج القاطعة والبراهين الساطعة .

(2) أن مشكلة الخوارج لم تكن في قلة عبادتهم وحرصهم وحسن نيتهم ، وإنما المشكلة في فهمهم للنصوص دون الربط بين جميعها ، ودون التأمل والتثبت من مقاصد الشارع فوقعوا في تحريف النصوص عن مرادها المطلوب للشارع .

(3) أن الخوارج قاموا بالاعتماد على نص واحد ، أو أكثر ولكن دون ضم بقية النصوص الأخرى من الكتاب والسنة ، ثم الربط بين المعاني المجتمعة والمنسجمة مع مقاصد الشارع ، ولذلك أفحمهم سيدنا عليّ وابن عباس رضي الله عنهما بذكر بقية الأدلة وتوضيح الفهم السليم من خلال جمعها وربطها بمقاصد الشارع الكلية ، يقول الشاطبي : ( إن أصل الضلال راجع إلى الجهل بمقاصد الشريعة ، والتخرص على معانيها بالظن من غير تثبت ، أو الأخذ فيها بالنظرة الأولى ، ولا يكون ذلك من راسخ في العلم )    .

(4) عدم البدء بقتال هذه الفئة إلاّ بعد بدئهم بالقتال حفاظاً على عدم إراقة الدماء ما أمكن ذلك حيث قال علي : ( لا أقاتلهم حتى يقاتلونا وسوف يفعلون )  وحفاظاً على عدم الاقتتال بين المسلمين بما يهدد وحدتهم وهذا يقتضي أن تسارع الحكومات والعلماء لمناقشتهم والحوار معهم لعل الله تعالى يهديهم إلى سواء السبيل.

(5) إن تطرفهم لم يخرجهم عن دائرة الاسلام والاخوة الايمانية فقد روى ابن أبي شيبة بسند صحيح وعبدالرزاق وغيرهما عن طارق بن شهاب قال : ( كنت عند عليّ فسئل عن أهل النهر أهم مشركون ؟ قال : من الشرك فرّوا ، قيل : فمنافقون هم؟ قال : إن المنافقين لا يذكرون الله إلاّ قليلاً ، قيل : فما هم؟ قال : ( قوم بغوا علينا)   وقال في حق أهل الجمل : ( إخواننا بغوا علينا )  .

 ومع هذا الأدبن الرائع من سيدنا عليّ رضي الله عنه فإن قتالهم بعد إقامة الحجة واجب ، ولأن قتال الخوارج ثابت بالنصوص الضريحة الثابتة ، وبإجماع المسلمين  فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق الخوارج : ( طوبى لمن قتلهم ، أو قتلوه )   وقال : ( هم شرّ الخلق والخليقة )   وقال : ( لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل عاد)   .

(6) أن الالتزام بالشعائر التعبدية كالصلاة والصيام ، وبالمظاهر الظاهرية إذا لم تكن معها التزكية والتربية الروحية ، والفقه العميق ، والفهم السليم ، والربط بينها وبين المقاصد والالتزام بالقيم والأخلاق ستكون له آثار سلبية من الشدة والعنف والتطرف ، فقد وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم : ( تحقرون صلاتكم مع صلاتهم ، وصيامكم مع صيامهم)  ومع ذلك قال صلى الله عليه وسلم : ( يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية )  ، وقال ابن عباس رضي الله عنه : ( لم أر قط أشد اجتهاداً منهم ، أيديهم كأنها تَفْنُ الابل ، ووجوههم مُعْلَّمة من آثار السجود)   ، بل قد وصفهم أبو حمزة الشاري في خطبته بمكة بقوله : (… يا أهل الحجاز أتعيرونني بأصحابي وتزعمون أنهم شباب ، ويحكم ! وهل كان أصحاب رسول الله إلا شباباً ، شباب والله مكتهلون في شبابهم غضيضة عن الشر أعينهم ثقيلة عن الباطل أرجلهم أنضاء عبادة ، وقد نظر الله إليهم في جوف الليل منحنية أصلابهم على أجزاء القران إذا مرّ أحدهم بآية من ذكر الجنة دعا شوقا إليها وإذا مر بآية من ذكر النار شهق شهقة كأن زفير جهنم في أذنيه ، موصول كلالهم بكلالهم كلال الليل بكلال النهار قد أكلت الارض ركبهم وأيديهم وجباههم واستقلوا ذلك في جنب الله عز وجل حتى اذا رأوا السهام قد فوقت والرماح قد أشرعت والسيوف قد انتضيت وأرعدت الكتيبة بصواعق الموت استخفوا رعد الكتيبة في ذات الله تعالى ، فمضى الشاب منهم قدماً حتى اختلفت رجلاه على عنق فرسه ، وتخضبت بالدماء محاسن وجهه ، وأسرعت إليه سباع الارض ، وانحطت إليه طير السماء ، فكم من عين في منقار طير طالما بكى صاحبها في جوف الليل في سجوده لله تعالى ، وكم من كف زالت عن معصمها طالما اعتمد عليها صاحبها في ركوع وسجود لله تعالى ، ثم قال أبو حمزة : هاه هاه وانتحب ، ووضع كمّه على وجهه ، وبكى ، وبكى الناس لبكائه )  .

 وهكذا كان جهيمان الذي كان من شدة التزامه أن نال حباً كبيراً من الشيخ ابن باز رحمه الله حتى هو الذي استأجر منزلاً كبيراً بالمدينة المنورة لجماعته التي سماها هو : الجماعة السلفية المحتسبة ، ومع ذلك دفعه تطرفه إلى قتل الناس داخل الحرم المكي الذي يقول الله تعالى عنه : ( وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً )  حتى في عصر الجاهلية إذا دخل القاتل مكة كان في أمان حتى من أولياء المقتول إلى أن يخرج .

الحل هو التأصيل مع نقض الفكر المتطرف بالأدلة القاطعة :

 بناء على هذه المقدمات فإن هؤلاء القوم يخضعون للأدلة الشرعية المعتبرة من الكتاب والسنة إذا سمعوها من الثقات ، ولكن الاشكالية الكبرى تكمن في أن معظم قادة هؤلاء الشباب يقومون بعملية غسيل مخ لهم من خلال إضعاف ثقتهم بعلماء الأمة وإتهامهم بأنهم علماء الفنادق ، وليسوا علماء الخنادق وأنهم عملاء الشرطة ، وخدامو السلطة ، إلى أخر قائمة اتهاماتهم الباطلة للعلماء.

 ولكن مهما فعلوا ، فإنه لا يزال هناك علماء مقبولون إلى حد كبير لدى الشباب ، كما أن هناك عدداً لا بأس به من الشباب يستعملون عقولهم فيسمعون الحق ، وبالتالي فلدينا مساحة جيدة للتأثير ، ومن جانب آخر أن هؤلاء الجماعات المتطرفة ( كالقاعدة وداعش) ليس معهم عالم معروف لعلمه ، ولا أحد من كبار العلماء خارج جماعتهم يؤيدهم على هذه التصرفات ، وهذا يقوي جانب العلماء المعتدلين وتكون حجتهم قوية داحضة.

 وهذا يتطلب تطوير وسائل التواصل مع هؤلاء الشباب عبر القنوات الفضائية ، ووسائل التواصل الاجتماعي ، وشبكة الانترنيت ، والصحافة ، والاذاعات ونحوها .

تحليل قرارات ودلالات المجامع الفقهية ، وبيانات مؤتمراتها :

أولاً – قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي :

(1) نص قرار رقم 128 (2/14) بشأن حقوق الإنسان والعنف الدولي : ( إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الرابعة عشرة بالدوحة ( دولة قطر ) 8 – 13 ذو القعدة 1423هـ، الموافق 11 – 16 كانون الثاني (يناير) 2003م. بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع حقوق الإنسان والعنف الدولي، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، قرر ما يلي:

1. الإسلام يكرم الإنسان من حيث هو إنسان، ويُعنى بتقرير حقوقه، ورعاية حرماته. والفقه الإسلامي هو أول فقه في العالم يقدم تشريعا داخلياً ودولياً للعلاقات البشرية في السلم والحرب.

2. الإرهاب: هو العدوان أو التخويف أو التهديد مادياً أو معنوياً الصادر من الدول أو الجماعات أو الأفراد على الإنسان، دينه أو نفسه أو عرضه أو عقله أو ماله بغير حق بشتى صنوفه وصور الإفساد في الأرض.

3. يؤكد المجمع أن الجهاد والاستشهاد لنشر العقيدة الإسلامية والدفاع عنها وعن حرمة الأوطان ليس إرهاباً، وإنما هو دفاع عن حقوق أساسية، ولذلك كان من حق الشعوب المغلوبة على أمرها والخاضعة للاحتلال أن تسعى للحصول على حريتها بكل الوسائل التي تتاح لها.

4. إن تحديد مفاهيم المصطلحات الخاصة مثل الجهاد والإرهاب والعنف التي شاع استخدامها في وسائل الإعلام المختلفة مصطلحات علمية، لا يجوز استغلال أي مصطلح منها في غير ما يدل عليه أو يراد به.

5. وأما حكم ما يتعلق بالانغماس في العدو – العمليات الاستشهادية – فقد رأى المجلس تأجيله إلى دورة لاحقة لإعداد بحوث مستقلة فيه.

توصيات:

1. يوصي المجمع بوجوب تدوين مدونة إسلامية في القانون الدولي الإنساني على غرار المدونات القانونية المعهودة، ثم تترجم هذه المدونة إلى مختلف اللغات العالمية، وتوضع هذه المدونة في مكتبات الجامعات ومؤسسات هيئة الأمم، فذلك أجدى بكثير من تردادنا القول بأن الإسلام لا يعرف الإرهاب، ولكي يقف غير المسلمين على موقف الإسلام في وضوح لا غموض فيه.

2. يوصي المجمع بتشكيل لجنة من أهل الذكر لوضع ميثاق إسلامي يبين في جلاء التصور الإسلامي للعلاقة مع غير المسلمين، وترجمة هذا الميثاق إلى اللغات العالمية مع نشره بمختلف وسائل الإعلام المعاصرة، فهذا سبيل لدحض كثير من المفتريات، وتوضيح الحقائق الإسلامية لغير المسلمين. والله أعلم).

(2) نص قرار رقم 154 (3/17) بشأن موقف الإسلام من الغلو والتطرف والإرهاب : ( إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته السابعة عشرة بعمان (المملكة الأردنية الهاشمية) من 28 جمادى الأولى إلى 2 جمادى الآخرة 1427هـ، الموافق 24 – 28 حزيران (يونيو) 2006م، بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع موقف الإسلام من الغلو والتطرف والإرهاب، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، وبعد اطلاعه على القرار الصادر برقم 128(2/14) بشأن “حقوق الإنسان والعنف الدولي”، والذي عرف الإرهاب بأنه: ” هو العدوان أو التخويف أو التهديد مادياً أو معنوياً الصادر من الدول أو الجماعات أو الأفراد على الإنسان، في دينه أو نفسه أو عرضه أو عقله أو ماله بغير حق بشتى صنوف العدوان وصور الإفساد في الأرض”.

وبعد الاطلاع على ما أصدرته المؤتمرات العربية والإسلامية، الرسمية منها والشعبية، في مجال مكافحة الإرهاب،  بمعالجة أسبابه وقطع السبل على الإرهابيين، مع استمرار التمسك بسياسة حق الشعوب المحتلة في الكفاح المسلح. وبما ورد في “رسالة عمّان” الصادرة في 26/9/1425هـ، الموافق 9/11/2004. قرر ما يلي:

1. تحريم جميع أعمال الإرهاب وأشكاله وممارساته، واعتبارها أعمالاً إجرامية تدخل ضمن جريمة الحرابة، أينما وقعت وأيا كان مرتكبوها.  ويعد إرهابيا كل من شارك في الأعمال الإرهابية مباشرة أو تسببا أو تمويلا أو دعما، سواء كان فرداً أم جماعة أم دولة، وقد يكون الإرهاب من دولة أو دول على دول أخرى.

2. التمييز بين جرائم الإرهاب وبين المقاومة المشروعة للاحتلال بالوسائل المقبولة شرعاً، لأنه لإزالة الظُلم واسترداد الحقوق المسلوبة، وهو حق معترف به شرعاً وعقلاً وأقرته المواثيق الدولية.

3. وجوب معالجة الأسباب المؤدية إلى الإرهاب وفي مقدمتها الغلو والتطرف والتعصب والجهل بأحكام الشريعة الإسلامية، وإهدار حقوق الإنسان، وحرياته السياسية والفكرية، والحرمان، واختلال الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

4. تأكيد ما جاء في القرار المشار إليه أعلاه من أن الجهاد للدفاع عن العقيدة الإسلامية وحماية الأوطان أو تحريرها من الاحتلال الأجنبي ليس من الإرهاب في شيء، ما دام الجهاد ملتزماً فيه بأحكام الشريعة الإسلامية.

 كما يوصي بالآتي:

 1. تعزيز دور العلماء والفقهاء والدعاة والهيئات العلمية العامة والمتخصصة في نشر الوعي لمكافحة الإرهاب، ومعالجة أسبابه.

2. دعوة جميع وسائل الإعلام إلى تحري الدقة في عرض تقاريرها ونقلها للأخبار، وخصوصا في القضايا المتعلقة بالإرهاب، وتجنب ربط الإرهاب بالإسلام، لأن الإرهاب وقع –  ولا يزال يقع -من بعض أصحاب الديانات والثقافات الأخرى.

3. دعوة المؤسسات العلمية والتعليمية لإبراز الإسلام بصورته المُشرقة التي تدعو إلى قيم التسامح والمحبة والتواصل مع الآخر والتعاون على الخير.

4. دعوة أمانة المجمع إلى مواصلة بذل العناية الفائقة لهذا الموضوع، بعقد الندوات المتخصصة والمحاضرات المكثفة واللقاءات العلمية المفصلة، لبيان نطاق الأحكام الشرعية بشأن منع الإرهاب وقمعه والقضاء عليه، والإسراع في إيجاد إطار شرعي شامل يغطي جميع جوانب هذه المسألة.

5. دعوة منظمة الأمم المتحدة إلى تكثيف الجهود في منع الإرهاب وتعزيز التعاون الدولي في مكافحته،  والعمل على إرساء معايير دولية ثابتة، للحكم على صور الإرهاب بميزان ومعيار واحد.

6. دعوة دول العالم وحكوماتها إلى أن تضع في أولوياتها التعايش السلمي، وأن تتخلى عن احتلال الدول، ونكران حق الشعوب في تقرير المصير، وإلى إقامة العلاقات فيما بينها على أُسس من التكافؤ والسلام والعدل.

7. دعوة الدول الغربية إلى إعادة النظر في مناهجها التعليمية، وما تضمنته من نظرة مسيئة للدين الإسلامي،  ومنع ما يصدر من ممارسات تُسيء إلى الإسلام في وسائل الإعلام المتعددة،  تأكيدا للتعايش السلمي والحوار، ومنعا لثقافة العداء والكراهية.   والله أعلم ) .

(3) نص قرار رقم 163(1/18) بشأن معالم العودة إلى المنهج الحضاري في الإسلام : ( إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثامنة عشرة الذي في بوتراجا (ماليزيا) في الفترة من 24 إلى 29 جمادى الآخرة 1428 الموافق 9-14 يوليو 2007 ، عد اطلاعه على البحوث الواردة على المجمع بخصوص معالم العودة إلى المنهج الحضاري في الإسلام وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله ، وبعد استحضار سبق الإسلام إلى تأسيس الدولة الرشيدة، ووضع رسوله الأعظم وثيقة المدينة المنورة التي اشتملت على تحديد العلاقات في المجتمع الإسلامي الأول والإعلان العالمي لحقوق الإنسان في خطبة الوداع، وبعد الإشارة إلى نصوص الكتاب والسنة التي هي الدستور الإسلامي من مثل قوله تعالى (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي) ، قرر ما يلي:

أولا: إن اتباع منهج حضاري إسلامي يتيح الفرصة للمسلمين لاستعادة دورهم وتقديم رسالتهم الإنسانية للإسهام في إنقاذ العالم من ظلمات المادية الطاغية.

ثانياً: إن السبيل لعلاج التخلف الذي تعاني منه الأمة يتم بالعودة الصادقة للدين القويم، لأن الأوضاع المأساوية التي يعيش فيها المسلمون هي بسبب التخلي عن تعاليم الإسلام وتقليد المناهج الوضعية.

ثالثاً: إن المنهج الحضاري الإسلامي القائم على خطة محكمة يحرر المجتمعات والبلدان الإسلامية من الهيمنة والتبعية والتخلف.

رابعاً: إن حسن فهم الإسلام وجدية الالتزام بأحكامه وتطبيقه في تكامل وتوازن من اللوازم الضرورية لنجاح مشروع النهضة الإسلامية.

خامسا: ترسيخ مبدأ الشورى نظريا وعمليا امتثالا لقوله تعالى: ”وشاروهم في الأمر” وقوله تعالى: ” وأمرهم شورى بينهم” انطلاقاً من أن الشورى أساس متين من أسس تكوين دولة الإسلام.

سادساً: مشروعية الفصل بين السلطات (توزيعها)؛ التنفيذية والتشريعية والقضائية، حسبما استقر بعد عهد التشريع، وذلك استمداداً من الممارسة العملية لصاحب الرسالة صلى الله عليه وعلى آله وسلم في تنوع تصرفاته بين الرسالة والإمامة والقضاء.

سابعاً: إقرار حق المواطنة بما يشمل غير المسلمين وفقا للضوابط الشرعية في مقابلة الحقوق بالواجبات.

ثامناً: إشراك المرأة في الأنشطة العامة بما لا يخل بالأحكام الشرعية الخاصة بها، ” والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر”.

تاسعاً: وجوب المبادرة إلى التخلص من السلبيات التي يعيشها المسلمون للتغلب على التحديات التي يوجهونها، مثل:

أ-التعصب المذهبي الذي يشكل عقبة أمام تيار التجديد المنضبط.

ب – التطرف الفكري والسلوكي الذي يثير المشكلات في المجتمع وتتمخض عنه الحركات المتطرفة.

ج-الإلحاد أو اللادينية التي تقوم على رفض ارتباط الدين بالحياة.

د-أحادية المعرفة (الجزئية) التي تحجب صاحبها عن الأبعاد الحقيقية للقضايا.

ه-عدم إدراك قيمة الوقت وأثره في فشل المسلمين وتخلفهم.

ويوصي المجمع بما يلى

أ- تقوية الإيمان والعمل الصالح باعتبارهما الخطوة الأولى في الجهود التربوية الهادفة إلى إيجاد الشخصية المسلمة لاستعادة دور الحضارة الإسلامية وإسهامها في الحضارة الإنسانية.

ب- التأكيد على أن المنهج الحضاري الإسلامي يقوم على ترسيخ القيم الأخلاقية الإسلامية في المجتمع.

ج- الإشادة بتوجه ماليزيا لتبني منهج الإسلام الحضاري والإشادة بدعوتها إلى عقد مؤتمر علمي دولي لبيان حقائق الإسلام الحضارية ومضامين رسالته الخالدة لتكون نتائج هذا المؤتمر العلمي تحت نظر المفكرين والقيادين في البلاد الإسلامية.، والله أعلم ).

(4) نص قرار166(4/18) بشأن ظاهرة التخويف من الإسلام: تحديات ومواجهات: ( إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الثامنة عشرة في بوتراجايا (ماليزيا) من 24 إلى 29 جمادى الآخرة 1428هـ، الموافق 9 م 13 تموز (يوليو) 2007 م. بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع ظاهرة التخويف من الإسلام: تحديات ومواجهات، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حول، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، وبعد استحضار الآثار السيئة لظاهرة التخويف من الإسلام ( الإسلام فوبيا ) والتي أدت إلى إشاعة موجات من النفور من الإسلام والضغوط على المسلمين في العديد من دول العالم، مما يرجع سببه إلى تراكمات تاريخية، وتشويهات إعلامية، وتقصير في التعريف بالإسلام في الأوساط العالمية، وإذ يدرك المجمع الآثار السيئة التي نتجت عن هذه الظاهرة، يقرر ما يأتي:

أولا: ضرورة التصدي لهذه الظاهرة في إطار استراتيجية تخطط لها الدول والمنظمات الدولية الإسلامية والمنظمات الممثلة للوجود الإسلامي خارج الديار الإسلامية تتضمن آليات وتدابير قوية تشمل النواحي الإعلامي والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتكوين رسالة إعلامية واضحة للتعريف بالدين الإسلامي وبيان الحقائق، والمبادئ والقيم السامية التي يقوم عليها، مع نشرها بمختلف وسائل الإعلام والشبكة الدولية للمعلومات وتشارك فيها أجهزة الإعلام ذات التأثير الدولي.

ثانيا: ضرورة التشاور والتنسيق بين مختلف الدول والمنظمات الدولية الإسلامية لاتخاذ القرارت والقيام بالأعمال التي تراها مناسبة للرد على جملات التشكيك والإهانات التي توجه إلى الأمة الإسلامية ورموزها.

ثالثا: دعوة المجتمع الدولي إلى التعاون والتآزر مع الدول والمنظمات والشعوب الإسلامية في مقاومة هذه الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين، وإلى إشاعة ثقافة المحبة والتعاون بين الشعوب، ونبذ الكراهية والعنف والتعاون على ما يحقق خير الإنسانية.

رابعا: دعوة التجمعات الإسلامية الموجودة خارج الديار الإسلامية إلى أن تكون رسلا للسلام والأمن وحمل رسالة الإسلام النقية إلى مختلف الأقطار والشعوب والابتعاد عن الممارسات والتصرفات المسيئة إلى الإسلام في تلك البلاد، مع التمسك بقيم ومبادئ الإسلام.

ويهيب المجمع بالدول الإسلامية أن تمد هذه التجمعات بكل ما يعينها على فهم وتعلم أصول دينها، وبالمعلومات التي تجعلها على علم بما يجري في العالم الإسلامي، مع إنشاء هيئات تعمل على تقوية علاقاتها مع الأمة الإسلامية.

خامسا: حصر الكتابات والمؤلفات والتي تناولت هذه الظاهرة، وحث المفكرين المسلمين الذين يجيدون اللغات الأخرى للاتصال بالآخر والحوار معهم والعمل على تصحيح صورة الإسلام والمسلمين في الداخل والخارج.

سادسا: تأهيل الدعاة الذين يفدون إلى البلاد غير الإسلامية، لإتقان لغات تلك البلاد وتشجيع المؤسسات القائمة التي تعنى بتأهيل الدعاة أو تكوينها إن لم توجد، ليكونوا قدوة في عرضهم الإسلام سلوكا وعلما ومعاملة.

سابعا: بناء العلاقة مع الآخر على أساس الاحترام المتبادل وتبليغ رسالة الإسلام النقية من أجل تفاهم متبادل والتوعية لذلك في المناهج التعليمية.

التوصيات:

1. تفعيل ما نصت عليه المادة الرابعة، فقرة 6 من النظام الأساسي للمجمع بشأن ” إقامة مراكز للدراسات الإسلامية في بعض المناطق المركزية خارج العالم الإسلامي، والتعاون مع المراكز القائمة لخدمة أهداف المجمع، ورصد ما ينشر عن الإسلام في المناطق التي يشملها عملها ودفع ما يثار من شبهات، بحيث تقوم تلك المراكز بإعداد دراسة عميقة عن الغرب وتحدد الخطة المناسبة التي يجب أن تسير عليها دولنا وشعوبنها في التعامل مع مختلف الدول الغربية، وكذلك القوى الأخرى المؤثرة على الحكومات والشعوب الغربية.

2. ضرورة التنسيق مع المرصد الذي أنشأته منظمة المؤتمر الإسلامي لمتابعة قضايا الإسلام في الإعلام الغربي، والعمل على تصحيح صورة الإسلام في المناهج الدراسية الغربية، والرد على الشبهات وتصحيح الصورة عن الإسلام الحقيقي بالتنسيق مع المجمع.

3.عقد ندوات علمية وفكرية بين العلماء المسلمين وغير المسلمين من أجل لقاء المصارحة وبناء جسور التفاهم والتواصل. والله أعلم).

تحليل ودلالات هذه القرارات :

هذه القرارات والتوصيات المتميزة يستنبط منها ما يأتي :

أولاً – انطلق القرار رقم 128 من كرامة الإنسان وحقوقه وحريّاته ، وسَبْق الإسلام فيها ، مما يستفاد منه ما يلي :

1- أن كرامة الإنسان التي أوجبها الله تعالى على عباده تقتضي عدم الاعتداء على أي إنسان إلاّ بحق شرعي يقرره القضاء العادل النزيه ، وأنه ليس من حق أي فرد أن يعتدي على هذه الحقوق التي من أعظمها حق الحياة.

2- أن كرامة الإنسان التي شرعها الله تعالى وأوجب الحفاظ عليها تتعارض مع الارهاب الذي هو تهديد الإنسان في دينه ،  أو نفسه ، أو عقله ، أو ماله ، أو نسله ، أو عرضه بغير حق.

3- إن ذلك التهديد داخل في الافساد في الأرض وأن نعقوبته من أشد العقوبات وأعظمها.

4- إن الجهاد والمقاومة المشروعة ضد المحتلين ، أو للدفاع عن حرمة الدين والوطن ليس إرهاباً ، ولا يجوز إقحامه فيه.

5- إن تحديد مفاهيم مصطلحات الجهاد ، والإرهاب ، والعنف يجب تحديدها علمياً ، ولا يجوز استغلال أي مصطلح منها في غير مراده العلمي .

ثانياً – انطلق القرار رقم 154 من موقف الإسلام الرافض رفضاً قطعياً للغلو والتطرف والإرهاب ، حيث يدل بوضوح على ما يأتي :

1- تأصيل الإرهاب بجميع أشكاله وممارساته من الناحية الشرعية والفقهية على أساس أنه داخل ضمن جريمة الحرابة ، والفساد في الأرض ، أينما وقع وأيّاً كان مرتكبوه وبالتالي فهو داخل في الكبائر الموبقات التي نص عليها القرآن الكريم بقوله : ( إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ )   .

2- عدّ مجمع الفقه الإسلامي ، إرهابياً كلّ من شارك في الأعمال الارهابية مباشرة ، أو تسبباً ، أو تمويلاً ، أو دعماً …الخ .

3- عممّ المجمع مفهوم الإرهاب ليشمل : إرهاب الفرد ، أو الجماعة ، أو الدولة ضد فرد ، أو جماعة ، أو دولة.

4- أكد القرار على وجوب التمييز بين جرائم الإرهاب ، وبين المقاومة المشروعة للاحتلال بالوسائل المقبولة شرعاً ، وبيّن بأن هذا حق مشروع في جميع الشرائع ، والمواثيق الدولية .

5- ركز القرار على وجوب معالجة الأسباب المؤدية إلى الإرهاب ، وجعل الغلو في التفكير والتصورات ، والتطرف في الأعمال والتصرفات ، والتعصب المقيت للآراء والاجتهادات ، والجهل بأحكام الشريعة الإسلامية الثابتات ، وبمقاصدها من أهم أسباب التطرف والإرهاب ، والوقوع في الموبقات ، ولكنه بجانب هذه الأسباب فهناك أسباب خارجية لا تقل أهمية وخطورة عن الأسباب الداخلية السابقة ، وهي الاستبداد والدكتاتورية ، وإهدار حقوق الإنسان وحرياته السياسية والفكرية ، والحرمان ، واختلال الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

6- كما قدّم المجمع مجموعة من التوصيات المهمة نذكرها في آخر البحث ضمن التوصيات العامة.

ثالثاً – بنى القرار رقم 166 موقفه وقراراته وتوصياته وعلاجه من خلال استراتيجية شاملة تعالج التحديات والجذور الأساسية لمشكلة تخويف الغرب من الإسلام الذي يرجع سببه إلى تراكمات تأريخية وتشويهات إعلامية ، وتقصير في التعريف بالإسلام في الأوساط العالمية ، ولذلك قرر المجمع ما يلي :

1- ضرورة التصدي لهذه الظاهرة من خلال استراتيجية شاملة تخطط لها الدول الإسلامية ، والمنظمات الأهلية خارج العالم الإسلامي.

2- دعوة المجتمع الدولي إلى التعاون والتآزر لإشاعة ، وتحقيق ثقافة المحبة والتعايش بين الشعوب.

3- دعوة التجمعات الإسلامية خارج ديار الإسلام لتكون قدوة ورسلاً للسلام والأمن والتعايش وحمل رسالة الرحمة للعالمين.

أولاً – قرارات وتوصيات المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي ومؤتمراته :

 ولم يكتف المجمع الفقهي الإسلامي بإصدار قرارات ضمن اجتماعاته الدورية ، بل خصص له عدة مؤتمرات نذكر أهمها :

(1) بيان مكة المكرمة الصادر عن المجمع في دورته السادسة عشرة التي عقدت في الفترة       21-27/10/ 1422هـ = 5-10/1/2002م ، ونذكره بنصه لأهميته :

( الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..

فإن أعضاء المجمع الفقهي في رابطة العالم الاسلامي الذين يجتمعون في أقدس مكان في الارض في مكة المكرمة بجوار بيت الله الحرام قد هالهم وأهمهم ما يطلق على الاسلام في هذه الايام من أباطيل احتشدت لها الحملات الاعلامية الظالمة التي توجه سهاما مسمومة ضد الاسلام والمسلمين وضد عدد من البلدان الاسلامية وبخاصة المملكة العربية السعودية حيث تطبق شريعة الله وتحتكم الى كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتقدم العون للمسلمين في كل مكان وتدعم قضاياهم وتسعى الى وحدتهم.

وقد لحظ أعضاء المجمع أن الحملات الاعلامية مدبرة وهى تنطوي على أباطيل وترهات تنطلق من اعلام موتور معاد تسهم في توجيهه مؤسسات الاعلام الصهيوني لتثير الضغائن والكراهية والتمييز ضد الاسلام والمسلمين وتلصق بدين الله الخاتم التهم الباطلة وفي مقدمتها تهمة الارهاب.

 واتضح لأعضاء المجمع أن لصق تهمة الارهاب بالاسلام عبر حملات اعلامية انما هو محاولة لتنفير الناس من الاسلام حيث يقبلون عليه ويدخلون في دين الله أفواجا ودعا أعضاء المجمع رابطة العالم الاسلامي وغيرها من المنظمات الاسلامية وكذلك عامة المسلمين الى الدفاع عن الاسلام مع مراعاة شرف الوسيلة التي تتناسب وشرف هذه المهمة.

وبينوا في سياق ردهم على الافتراء على الاسلام ولصق تهمة الارهاب به أن الارهاب ظاهرة عالمية لا ينسب لدين ولا يختص بقوم وهو سلوك ناتج عن التطرف الذي لا يكاد يخلو منه مجتمع من المجتمعات المعاصرة وأوضحوا أن التطرف يتنوع بين تطرف سياسي وتطرف فكري وتطرف ديني ولا يقتصر التطرف الناتج عن الغلو في الدين على أتباع دين معين وقد ذكر الله سبحانه وتعالى غلو أهل الكتاب في دينهم ونهاهم عنه فقال في كتابه الكريم (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل) «المائدة77»

ورداً على حملات التشكيك التي بدأ نطاقها يتسع بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول من العام الميلادى 2001م فإن أعضاء المجمع يقررون أن على العلماء والفقهاء وروابطهم ومجامعهم واجب أداء الامانة في الدفاع عن الاسلام وأهله وتبصير المسلمين وغيرهم بحقائق الامور. وقياما من المجمع بواجبه في مواجهة تلك الحملات فقد درس عددا من القضايا ذات الصلة وبين موقف الشريعة الاسلامية منها وذلك على النحوالتالي:

أولا: خطورة الحملات الاعلامية والثقافية على الاسلام والمسلمين :

تابع المجمع الفقهي الاسلامي تصاعد الحملات الاعلامية والثقافية على الاسلام والمسلمين وحذر من خطورتها على المجتمعات الانسانية وعلى أمن الناس حيث انها تسعى بشكل حثيث الى:

1- دفع المجتمعات الغربية بخاصة لاتخاذ الاسلام عدوا جديدا مكان الشيوعية وشن الحرب الثقافية على أصوله وتشريعاته وأحكامه الالهية.

2- إثارة النعرات الصليبية لدى الشعوب الغربية والحث على ما أسموه وجوب انتصار الغرب على الاسلام.

3- إثارة أنواع الكراهية والتمييز العنصري ضد الاسلام والمسلمين والعمل على مضايقة الاقليات والجاليات الاسلامية.

4- الترويج لنظرية صموئيل هنتنجتون في صراع الحضارات. وقد نتج عن هذه الحملات المسعورة ايقاع الأذى بفئات من المسلمين في المجتمعات الغربية وسجن العديد منهم والاضرار بمساجدهم ومراكزهم الثقافية مما جعلهم يعانون معاناة قاسية. والمجمع اذ يدين هذه الحملات المغرضة ويدين المغالطات والافتراءات المتعمدة على الاسلام فإنه يستنكر ايذاء المسلمين وايقاع الضرر بمؤسساتهم بلا سبب.

ويذكر المجمع وهو يتابع ما يحدث للمسلمين في الغرب بسبب انتمائهم للاسلام بأن الاسلام يشجع على التواصل والتعارف والتعاون بين المسلمين وغيرهم في مصالحهم المتبادلة قال تعالى في كتابه الكريم