الدوحة — الشرق:

رأى فضيلة الشيخ د. علي محيي الدين القره داغي ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر يمثل تربية اساسية للامة الاسلامية. وقال ان وسائل حماية الامة عند الله سبحانه وتعالى هي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فاذا لم تقم به الأمة فحينئذ يكون العذاب والهلاك والدمار..

جاء ذلك في خطبة الجمعة امس التي القاها بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريق كليب، في تناوله لقضايا الامة خاصة مايجري في ليبيا واليمن والسكوت عنه، مشيدا بموقف قطر ثم تركيا في عدم صمتهما ووقوفهما مع اخوانهم في تلك البلاد..

وكان قد بدأ خطبته قائلا: جعل الله سبحانه وتعالى لحماية هذه الأمة من الانصهار والذوبان، مجموعة من الوسائل الاساسية، فمن هذه الوسائل ما أمر الله سبحانه وتعالى به الحكام والأمراء والمسئولين بأن يقوموا من خلال سلطتهم وقوتهم بحماية الدين وحماية المسلمين وحماية الدين والدنيا، أو كما يسميه علماؤنا بسياسة الدين وسياسة الدنيا وإقامة الدين، واذا لم يقم هؤلاء بهذا الواجب فإن الله سبحانه وتعالى جعل وسيلة أخرى أهم من ذلك بكثير، وهي مسؤولية الأمة الاسلامة جميعا فردا وجماعة وقبيلة واسرة وقوما وعشيرة ومن كل الجوانب، هذه المسؤولية المشتركة تكمن في حماية هذه الامة للحفاظ على مبادئها وثوابتها ولمنع المنكر والظلم والعدوان والاثم عن الفرد والجماعة. وهذه يسميها الاسلام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبالنصيحة ووسائل التغيير المتاحة لكل فرد من أفراد هذه الأمة.. ومن هنا نرى القرآن الكريم، وكذلك السنة النبوية المشرفة، نجد فيهما العشرات بل المئات من الآيات الكريمة والاحاديث النبوية الشريفة التي تركز على هذا الجانب، وتجعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تربية أساسية، يجب أن تغرس داخل نفوس الجميع، صغارا وكبارا، بحيث يتغذى الطفل على هذا المنهج، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، لأنه ليس هناك كبير لا يُنصح، ولا صغير لا يَنصح، فالنصيحة من الصغير للكبير، ومن الكبير للصغير، ومن الضعيف للقوي، ومن القوي للضعيف، بهذا التماسك تكون هناك حماية داخلية حماية ذاتية لهذه الأمة، من أن تصل الى مستوى الهبوط في القيم والاخلاق والعقيدة والسلوكيات.

* جزء من الايمان

واضاف القرة داغي قائلا: جعلت الايات القرانية الكريمة هذه الوظيفة أو هذه الرسالة، رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، جزءا من الايمان، ومتمما له، وأن الانسان لا يمكن ان ينجو من خسران الدنيا، وخسران الاخرة، الا اذا كان يقوم بهذا الواجب: بسم الله الرحمن الرحيم (والعصر . إن الإنسان لفي خسر . إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)، كل انسان في خسارة كبيرة جدا، وعبر القرآن الكريم في هذه السورة العظيمة التي يقول فيها الامام الشافعي رضي الله عنه “لو لم يُنزل الله سبحانه وتعالى سورة غير هذه السورة لكفت الأمة” فيقولها القرآن الكريم بهذه الاسلوب “إن الإنسان لفي خسر” كلمة “في” للظرفية أي ان الخسارة تحيط بالانسان، كأنها ظرف وآنية تحيط بالانسان، كالماء في الإناء، والإناء محيط به، وهكذا هو الانسان، وضع في خسارة محيطة به، ولا ينجو من هذه الدائرة الخطيرة، من اليمين وعن الشمال، ومن كل الجوانب، الا من خلال وسيلة واحدة وهي الايمان بالله سبحانه وتعالى والعمل الصالح والتواصي بالحق. وكلمة التواصي أيها الاخوة الاحبة كلمة كما يقول علماء اللغة، المشاركة المتساوية، فلدينا في علم الصرف نوعان من صيغ المشاركة التي تدل على المشاركة بين الشخصين، احداهما: يكون الفاعل أقوى من غيره، وهي صيغة باب فاعل، ضارب، اما الثانية فهي من باب التفاعل مثل التواصي، التراضي، التشاور، هذه الصيغة الأخيرة تدل على المساواة الكاملة بين جميع المشاركين، فهذه الاية اذن تدل على أن هذه التوصية بالحق، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يختلف فيه شخص عن آخر، فالكل مسؤولون أمام الله سبحانه وتعالى، وكل واحد لابد ان يوصي الآخر، والآخر يوصيه، فالعالِم ينصح العامة، والعامة كذلك تنصح العالِم، والحاكم ينصح المحكومين، والمحكومون كذلك ينصحون الحاكم، وبذلك تكون عملية التواصي.

قدر النصيحة

* الامر بالمعروف

وذكر فضيلته ان عملية النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عملية ذاتية فعالة مؤثرة، لا يغفل عنها أحد ولا يمكن أن يكون هناك أحد بمنأى عن هذه المسؤولية فالمسؤولية اذن للجميع، ومن هنا فكأن الذنوب والعصيان والظلم والطغيان بمثابة النار، فحينما يظهر هذا الإثم أو هذا العصيان او هذا الظلم، فكأنه ظهرت شرارة فيجب على الجميع ان يسرعوا لاطفاء هذه الشرارة، لأنه اذا لم نقم بهذا الواجب، ومعظم النار من صغر الشرر، تأتي هذه الشرارة، فتحدث فتنة كبرى، وتحدث حريقا هائلا، لا ينجو منه الكثير وهكذا الذنوب والعصيان، فيجب على كل الا يترك ذلك لا الكبير ولا الصغير ولا داخل الأسرة ولا خارجها فهذا هو الواجب وهذا هو الديدن الذي يجب عليه ان يكون المسلم والا لو أهمل ذلك لعم الفساد، ولعمت الشرارة وأحدثت حريقا هائلا، وهكذا تاريخنا، حينما كان الناس في عصر الخلافة الراشدة وما بعدها يقومون بواجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وواجب التواصي بالحق وواجب النصيحة التي هي الدين والتي جعلها الله سبحانه وتعالى وجعلها رسوله صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة “وقال الدين النصيحة، قلنا لمن قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم” فاذا وجد خلل في هذا التواصي أو في هذه النصيحة، فيعم العذاب، كما ورد ذلك في حديث ثابت يرويه الامام داود والترمذي بسندهما عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه.

* القلب وتحجره

وهذا ما اشار اليه القرآن في آية أخرى (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) فأول ما يظهر نقاط في القلب، ثم تزداد هذه النقاط بكثرة الذنوب، ثم يسود القلب، وحينئذ يصبح قلبا متحجرا لا يلين ولا يتعذ بالله سبحانه وتعالى، ويصبح المجتمع فاسدا، ومن ثم يهلكون، لان الهلاك لا يدرأ بالصلاح، وانما يدرأ بالإصلاح، فلم يصلحوا، وحينئذ عمهم الله سبحانه وتعالى بالعذاب ومن ثم قرأ الرسول صلى الله عليه وسلم (لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود…) الآية، حينما وصل الامر الى أن بعضهم لم يمنع الآخر، حينئذ لعنهم الله سبحانه وتعالى، ولم يكتف الله سبحانه وتعالى بهذه اللعنة الأخروية، انما كذلك سخر عليهم من يسومهم سوء العذاب من الامم، سواء كانوا من الرومان أو من الكلدانيين أو بختنصر او غير ذلك، عذبهم الله بذلك عذابا شديدا حتى يعودوا الى الله.. فالامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب فاذا لم تقم به الامة فحينئذ يكون العذاب والهلاك والدمار.. ولذلك يقول ابن مسعود حينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الاية كان متكأ فقام فقال “كلا لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا او يوشك الله سبحانه وتعالى أن يعمكم بعذاب” وفي رواية “أن يضرب الله قلوب بعضكم ببعض”..

فمن هنا فان الوقوف أمام الظلمة واجب بكل الوسائل، ولا يجوز الخوف، والذي لا يجوز حينما يكون الانسان يدافع عن نفسه وأمواله وحقه الخاص اما حق الأمة وحق الله سبحانه وتعالى، فيجب أن تكون هذه الوسيلة التي تحمي الأمة وإلا يوشك الله سبحانه وتعالى أن يعذبنا.. فكأنما الرسول صلى الله عليه وسلم يقول، ان هذه اللعنة، وان هذا الهلاك، وان هذه التدمير، ليس خاصا ببني اسرائيل، وانما ايضا لكم ايها المسلمون اذا لم تنفذوا أمر الله، ولم تقوموا بواجب النصيحة للكبير والصغير، للحاكم والمحكوم، فيكون مصيركم، لا سمح الله، مصير هؤلاء..

وهذا ما حدث لأمتنا، كانت هذه الأمة عظيمة، فكم كانت صاحبة حضارة، وكم كانت لها قوة، وتستجيب لامرأة واحدة في عمورية تقول “وامعتصماه” فيتجهز لها الجيش، وينقذها، ويحرر البلد تماما، لامرأة واحدة.. أما اليوم فكم من نساء، وكم من اطفال، وكم من المعذبين يصرخون وكم وكم… ولكن عمنا الله سبحانه وتعالى بهذا العذاب الذي نحن نشاهده أكثر من مائة سنة، عذاب الفرقة، عذاب الذل والتمزق والفقر والفسق والفجور والقلق والاضطراب، كل ذلك موجود لأن هذه الأمة لابد أن تؤدب بأدب الله سبحانه وتعالى اذا لم تقم بالواجب حتى تعود الى رشدها وطريقها الصحيح، وهو طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..

والأمة شبهها الرسول صلى الله عليه وسلم بالسفينة التي لاتترك للعبث بها فالحرية عندما تتعارض مع حرية الآخرين تقف الحرية عند ذلك، هؤلاء ممكن داخل انفسهم أن يفعلوا ما يفعلون ولكن لا يجوز لهم أن يجهروا بالذنوب أو يرتكبوا الظلم بحق الآخرين، فاذا لم نقم فيكون مثلنا كمثل أهل السفينة، فالسفينة سفينة الامة، وسفينة الدولة، واحدة، وسفينة المدينة واحدة، وسفينة الاسرة، وسفينة الشعب كذلك واحدة، يجب علينا جميعا أن نحافظ عليها وأن نكون كما أراده الله سبحانه وتعالى لنا أن نكون (تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)..

الحماية الذاتية

وقال فضيلته اذا نظرنا الى هذه الآيات، التي تلونا بعضها، والى الاحاديث الكثيرة التي ذكرنا جزءا بسيطا منها، لدل ذلك على أهمية هذه الحماية الذاتية التي يجب أن تبقى قوية داخل الامة، وأن نربي أولادنا عليها كما فعل لقمان (يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور). وقضية الصبر تأتي دائما بعد الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن من يأمر وينهى يناله بالتأكيد كثير من الأذى والتعذيب والكلام، ولكن لابد من الصبر لأن هذه فريضة على كل انسان وهي طريقة النجاة وطريقة الفلاح وطريقة النصر الحقيقي لكل انسان.. فهنا وحتى في سورة العصر ذكر التوصية بالصبر على كل شئ في سبيل تنفيذ أمر الله سبحانه وتعالى.. فأمتنا اذا كانت اليوم تقوم بهذه المظاهرات والثورات الشعبية فهي جزء من الصحوة الطيبة، وتقوم بجزء من واجبها الذي فرضه الله سبحانه وتعالى عليها، فردا وجماعة وامة، ان تقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر “من رأى منكم منكرا فليغيره بيديه فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان” فهذه الثورات الشعبية كلها تدخل ضمن هذا الاطار الايجابي الواجبي، وهي صحوة طيبة مباركة نتفاءل بها الخير الكثير، حينما تستطيع الامة أن تقول للظالم يا ظالم.

* عامة الناس

وأكد فضيلته على فكرة هامة قائلا: كنا في السابق العلماء والوعاظ مشغولين بعامة الناس وكان الكبار والمسئولون متروكين، فهذا نقص وخلل، فيجب ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة بالحكمة والموعظة الحسنة، ان نفعت، ان تصل للجميع، واذا لم تنفع فلابد من ثورة شعبية والا فكيف نغير، فهؤلاء لا يتغيرون الا اذا غُيروا، والامة اذا كانت قوية فلا يحتاج الى تدخلات خارجية، فكان على الامة ان تقوم بواجبها.. فكم يؤلمني ان الأمة الاسلامية من محيطها الى محيطها لا تتحدث عن ترحيل القذافي ولا الظلم الذي يحدث في سوريا ولا الانتهاكات التي تصل الى حد جريمة الحرب، وكذلك في اليمن، فالكل ساكتون الا دولة أو دولتين مثل قطر وتركيا، الامة الاسلامية بها أكثر من 67 دولة ساكتون عن الظلم، بل لا يريدون ذلك، خوفا من ان تصلهم الشرارة، فهل هذا جائز؟ اخواننا يقتلون ويعذبون وهم ساكتون باسم السيادة! اي سيادة! وهذه الحدود اساسا كلها من صنع اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، فهل يجوز انتهاك وقتل الناس بالعشرات والمئات والآلاف ومنعهم من الكهرباء والماء بحجة السيادة! اي سيادة! بل هذا ذل، وهل هؤلاء يفعلون ذلك لله؟ ماذا فعلوا للأمة؟ هل حرروا اراضينا؟ بل سقطت القدس الشريف والضفة وغزة والجولان كلها في ظل هؤلاء المستبدين الذين رفعوا شعار “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة” وهم أذلوا الشعوب والبلاد في سبيل فلسطين وفعلوا بفلسطين ما فعلوا. هولاء سيحاسبون امام الله حسابا شديدا، والساكت عن الحق شيطان أخرس، فهؤلاء يشاركون في الجريمة ولاسيما هم قادرون ولاسيما الدول العربية الكبرى والدول الاسلامية الكبرى.. الكل ساكت، والعالم ساكت على ما يحدث في سوريا وليبيا واليمن وهذا لا يجوز.. ولكن الحمد لله خاب هؤلاء الحكام وقام الشعب وقام العلماء وقام الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بدورهم بفضل من الله.