الدوحة – الراية
ناقش المشاركون في ورشة ادارة واستثمار أموال الوقف دور الأوقاف في النهوض بالأمة وتحقيق رقيها وحضارتها وكذلك الدور العظيم للوقف في نشر الدعوة على مر التاريخ القديم والمعاصر وأثره في التنمية الشاملة للأمة والمجتمع وبناء حياة اجتماعية مستقرة.
وأكد المشاركون في الورشة، التي تنظمها الإدارة العامة للأوقاف بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالتعاون مع الأمانة العامة للأوقاف بدولة الكويت والمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب عضو مجموعة البنك الاسلامي للتنمية وتستضيفها الدوحة على مدار 4 أيام، أن الوقف في التاريخ الإسلامي توسع حتى شمل معظم جوانب الحياة، الأمر الذي جعل العلماء يعتبرون أن الحضارة الإسلامية هي هبة الوقف – بعد المولى عز وجل – وشددوا على أن الحضارة الإسلامية سبقت الحضارة المعاصرة في اعتمادها على مؤسسات المجتمع المدني.
وتحدث د. علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ونائب رئيس المجلس الأوروبي، في المحاضرة التي ألقاها في أول أيام الورشة، عن الإطار الشرعي للوقف ومقاصده العامة، حيث استهل محاضرته بمقدمة تطرق فيها الى تعريف الوقف في اللغة والاصطلاح، ومن ثم تناول مشروعية الوقف في سياحة فقهية عرج فيها على أصل الوقف عند جماهير الفقهاء. ولخص علاقة الوقف بالقرض الحسن في أن القرض الحسن الوارد في القرآن فسره جمهور الفقهاء بأنه ما يشمل جميع أبواب البر والإحسان. وقال: إن الصحابة استجابوا لهذه الآية من خلال الوقف.
وأشار إلى أن القرض الحسن هنا، هو في مجال الأموال فقط بدليل أن الصحابة حينما سمعوا آية في القرض الحسن، بادروا إلى مزيد من الإنفاق في سبيل الله. وأوضح أن الناس حينما نزلت الآية (من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون)، انقسموا إلى ثلاثة أفرقة، الأول من اليهود والمنافقين قالوا: (إن رب محمد فقير يحتاج إلينا، ونحن أغنياء، فرد عليهم الله تعالى : “لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق”).. أما الفريق الثاني فقد آثر الشح والبخل، قال ابن العربي: (وقدمت الرغبة في المال، فما أنفقت في سبيل الله ، ولا فكت أسيراً ولا أعانت أحداً تكاسلاً عن الطاعة وركوناً إلى هذه الدار)، وبادر الفريق الثالث إلى الامتثال، وآثر الآخرة على الدنيا.
وقال د. القره داغي في المقصود بـ (إقراض الله قرضاً حسنا) إن مما يلفت النظر بشكل كبير هو أن القرآن الكريم كرر هذا المصطلح دون تغيير في جميع الآيات التي ورد فيها، مع تغيير الفعل.. فهذه المعالم إن دلت على شيء فإنما تدل على أن القرآن الكريم يريد من الناحية المنهجية والتربوية غرس هذا المصطلح في نفوس المسلمين وجعله مثل مصطلح الجهاد في سبيل الله.
ويتبين مما ذكر أن هذا المصطلح القرآني (إقراض الله قرضاً حسناً) الذي أمر به مرة وجعله شرطاً لكفارة السيئات لدخول الجنة مرة ثانية ووصف به المؤمنين الصادقين مرة ثالثة ووضع له أجراً كبيراً مضاعفاً وذكر بعد الأركان والواجبات، يتبين أنه ليس أمراً يدور حول الندب ولا الاستحباب، إنما هو ركن من أركان الإسلام الجماعية.
وهو بذلك في دائرة الفرائض والواجبات، لكنها فرائض خاصة على مستوى الأمة والحق العام للمجتمع وهو ما يسمى بفروض الكفاية.
وفي ضوء هذا فإن القرض الحسن يدل بوضوح على أن الدولة والأمة والمجتمع تنظم أمر الأمة وتحميها من الأعداء والأمراض في الداخل والخارج، فكما أن عليها الأخذ بجميع الوسائل لحماية الأمة من العدو الخارجي بمختلف صنوفه وأنواعه من خلال وسيلة الجهاد في سبيل الله، فكذلك يجب عليها حماية الداخل من الأمراض الداخلية والاجتماعية من خلال الأمر والطلب من الأمة بـ (إقراض الله قرضاً حسناً).
الوقف ومؤسسات المجتمع الأهلي
ظهر مصطلح المجتمع المدني أو الأهلي في العقود الأخيرة للدلالة على المؤسسات الأهلية غير الحكومية ودورها في خدمة المجتمع في مختلف مجالات الحياة وفي خدمة الإنسان من حيث حقوقه وحماية كرامته.
يقول د. القره داغي إن مؤسسات المجتمع الأهلي تسعى جاهدة خارج إطار الدولة ومؤسساتها لتحقيق المقاصد الضرورية والحاجية للإنسان والمجتمع من خلال حماية الإنسان وحريته الدينية وحماية النفس والعرض والمال وغيرها من المقاصد المعتبرة بالإضافة إلى تحقيق العدل وحماية ممتلكات الشعب من خلال المؤسسات الرقابية والإعلامية.
ومما لا شك فيه أن الوقف الذي حرص عليه الإسلام وطبقه الرسول صلى الله عليه وسلم يدخل في هذا الإطار التكافلي، ثم إن الوقف تنوعت أشكاله وتعددت مصادره وموارده ومصارفه وشملت مؤسساته مختلف مجالات الحياة، منها : أوقاف ضخمة على المساجد والجوامع وعلى رأسها الوقف على المساجد الثلاثة، المسجد الحرام، مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، المسجد الأقصى – أوقاف عظيمة على المدارس والجامعات بدءاً من المحاضر والكتاتيب والمدارس الملحقة بالمساجد ومراكز تحفيظ القرآن الكريم والسنة المطهرة إلى الجامعات والمدارس النظامية – أوقاف خاصة بالفقراء والمساكين.
وقدم د. القره داغي خلال هذا العرض 24 نوعا من الأوقاف الأهلية بما فيها وقف جميع الأراضي المفتوحة في عصر عمر وقفا على الدولة والأجيال القادمة والذي اعتبره أعظم وقف في تاريخ البشرية، وقال: اتفق المؤرخون أن سيدنا عمر رضي الله عنه لما فتح العراق والشام والبلاد الأخرى لم يوزع الأراضي المفتوحة على الفاتحين وإنما جعل ريعها وما ينتج منها من خراج لصالح الدولة والأجيال اللاحقة.
وأشار إلى أن الفقهاء اختلفوا في الأراضي المفتوحة عنوة هل هي وقف أم لا، وأورد خلال المحاضرة رأي جمهور الفقهاء، وتضمنت المحاضرة آثار الأوقاف للنهوض بالأمة وتحقيق رقيها وحضارتها والدور العظيم للوقف في نشر الدعوة على مر التاريخ القديم والمعاصر وأثره في التنمية الشاملة للأمة والمجتمع وبناء حياة اجتماعية مستقرة. وتناول دور الوقف الاقتصادي حيث إن الوقف يمثل نسبة كبيرة من الموارد المالية للأمة الإسلامية لا سيما في العصور المزدهرة للحضارة الإسلامية.
وأشار إلى أن الموارد الوقفية (أصلاً وغلة ومنفعة) كانت تمثل ما بين 60 – 75% من الموارد. وأوضح كيفية ربط الأوقاف بالاقتصاد، مشيرا إلى أن الأوقاف كانت مرتبطة بالاقتصاد في الحضارة الإسلامية وكانت أداة فعالة للتنمية الاقتصادية وللتفعيل الحضاري والإبداع العلمي.
وقال : يمكن إعادة هذا الدور الاقتصادي الكبير للأوقاف من خلال إعادة الموقوفات التي أخذت ظلماً ووضع خطة استراتيجية لتطوير الأوقاف كما وكيفا وإعادة الاعتبار للوقف بوصفه نظاماً حضارياً دفع الأمة إلى الأمام والتعمق في فهم أسس تفعيل الوقف.
وفي المبحث الثاني، تناول د. القرة داغي مقاصد الوقف في الشريعة الغراء، وقدم تعريفاً للمقاصد، موضحا أن هناك مقاصد عامة وأخرى خاصة، حيث من المقاصد العامة للوقف، تحقيق العبودية لله تعالى في مجال المال وتحقيق رسالة الإنسان التي كلفه بها الله تعالى وهي رسالة الاستخلاف في الأرض، وتحقيق التنمية الشاملة للإنسان، وتأمين مورد مالي ثابت لحاضر الأمة الإسلامية ومستقبلها، وإعادة توزيع الثروة وتداولها بين الفقراء والأغنياء، وتحقيق مبدأ التكافل الإسلامي المنشود، حماية الملهوفين والمحتاجين من الذل والانكسار، وتحقيق مبدأ الإيثار في الأمة وتربيتها على ذلك.
وأوضح أن من المقاصد الخاصة أن لكل وقف مقاصده الخاصة ولا تسمح طبيعة البحث للخوض في تفاصيلها ولكن منها الوقف على الجهاد في سبيل الله والوقف على المشروعات الصحية.
وتتضمن ورشة ادارة واستثمار الوقف ثلاثة محاور رئيسية تتعلق بالجوانب الفقهية والاقتصادية والاجتماعية والادارية والقانونية في المجال الوقفي اضافة الى عرض عدد من الدراسات والتجارب الوقفية المميزة في العالم العربي وعلى رأسها تجربة دولة قطر .. يركز المحور الفقهي على الاطار الشرعي للوقف ومقاصده العامة، في حين يتناول المحور الاقتصادي الاجتماعي دور الوقف فى الحضارة الاسلامية والمبادئ الاقتصادية لاستثمار ممتلكات الأوقاف ودور ذلك فى عملية التنمية والحد من الفقر.
وفي المحور الاداري والقانوني يتم تسليط الضوء على النظام الاداري للوقف وسبل الاستفادة من نظريات الادارة الحديثة لتطوير النظام الوقفي الى جانب تعريف المشاركين بعملية التخطيط والميزانية والقضايا والمشكلات المحاسبية الوقفية.