عبّر فضيلة الشيخ د. علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عن أسفه لدور الجامعة العربية في سوريا ونعته بأنه متردّد ومذبذب ودعاها إلى تركه إذا لم تسطعه، كما دعاها ومنظمة التعاون الإسلامي إلى دور آخر مذكّرًا ايهما بأنه لا يجوز السكوت على الباطل والقتل اليومي في سوريا، وأصّل رفضه للخروج الآمن لبعض رؤساء الدول بقوله: ان هذا ليس من الاسلام مستشهدا بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي لم يعف نفسه ولم يعط لنفسه الحصانة حين الموت عرض نفسه على الصحابة “من كان له حق علي فليأخذه مني” إلا أن جاء أحد الصحابة وقال إنك ضربتني وأنت لم تنبه وضربتني على جلدي وكان يريد ان يقبل ختم رسول الله صلى الله عليه وسلم على جسده فكشف الرسول عن بدنه وقبّله الصحابي وقال الصحابي يارسول الله كلنا فداء لك . هكذا الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يعرض نفسه ولم يعط لنفسه الحصانة فكيف بالآخرين وقال هذه الأمة العظيمة الوحيدة صاحبة رسالة حقيقية محفوظة من عند الله سبحانه وتعالى ومكلفة بتعمير الارض أمة تصل أمرها الى ما تصل اليه ولكن أملنا بالله وبهذه الثورات أن تُعيد للأمة روحها وقوتها ونبضها وسموها.

عودة للفطرة

وكان فضيلته قد بدأ خطبته قائلاً: جاء الاسلام في وقت كان كل شيء مخالفاً للفطرة السليمة، وحتى الديانات التي كانت سائدة في ذلك العصر كانت تُولي العناية القصوى بالمظاهر والطقوس دون العناية بالتربية الأرواح والنفوس. كانت العبادات عند اليهودية والنصرانية، وكذلك عند هؤلاء الذين يدعون أنهم اصحاب دين، كالمشركين والمجوس وغير ذلك من الأديان المحرّفة أو الأديان الأرضية، كانت كلها تُولي العناية -إن وجدت- بالمظاهر والطقوس، فجاء الاسلام ليُغيّر كل شيء نحو الاحسن، ويُعيد الأمور الى فطرتها السليمة وليُعيد الانسان الذي يدّعي التدين الى التدين الحيقيقي. وهنا دخل القرآن العظيم في معارك فكرية عظيمة جدا، لتربية هذه الأمة على مايريده الله سبحانه وتعالى من الاصلاح الداخلي واصلاح النفوس، والارتقاء بالارواح، وكذلك الارتقاء بالعقول والنفوس، ثم بعد ذلك يأتي المظاهر، ويأتي البدن والسلوكيات، ليتبع هذا المحرك أو هذه الطاقة، التي تفجرها الاجهزة الايمانية والشعورية والتصورية داخل الانسان.

وقال فضيلته: بيّن الله سبحانه وتعالى للمؤمنين أمرين عظيمين ثار حولهما جدل كبير، أولهما: تحوّل القبلة. حينما كان النبي صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة، كان يتجه نحو بيت المقدس، ولكن في الوقت نفسه يضع القبلة المشرّفة أمامه، فكأنه كان يتجه نحو القبلتين، ولم يظهر أي أثر للتبيان للاتجاه نحو البيت المقدس وبين الاتجاه نحو الكعبة المشرّفة، وحينما جاء الرسول صلى اله عليه وسلم الى المدينة ، كان يتجه نحو بيت المقدس حوالي ستة عشر شهراً، وبالتالي لم يستطع ان يجمع بين الأمرين، فثار المشركون حول الرسول صلى الله عليه وسلم بمعركة كبيرة، ومعركة إعلامية عظيمة، بأن محمداً صلى الله عليه وسلم لا يتبع دين إبراهيم، ولا يهتم بالكعبة المشرفة التي بناها إبراهيم، وأراد الله سبحانه وتعالى بأن يُبيّن لهؤلاء أن القضية ليست هكذا، وإنما هي قضية الطاعة لله سبحانه وتعالى. وأراد الله سبحانه وتعالى ان يمتحن الامة مرة اخرى، ويمتحن الصحابة مرة اخرى، ففي المرة الأولى خالفوا فيها المشركين، وخرجوا مما كانت لديهم من عاطفة نحو الكعبة المشرفة، وحينما حقق هذا التحول من الكعبة المشرفة نحو بيت المقدس على هذا المقصد وهذه التربية، بأن توجهكم لا يجوز أن يكون على أساس قومي أو قبلي، وانما يجب ان يكون على أساس التعبد لله سبحانه وتعالى، ولكن بعد ستة عشر شهراً عاد الأمر، فأمر الله سبحانه وتعالى ان يتجه الرسول صلى الله عليه وسلم نحو الكعبة المشرفة، وثارت معركة أخرى من اليهود والنصارى بأن محمداً صلى الله عليه وسلم لا يتبع الأديان السابقة، وانما هو يتبع العرب، ولذلك قاموا بثورة خطيرة أرادوا فيه التشكيك بهذا الدين.

مظهر وامر

وذكر فضيلته أن التربية التي يريد الاسلام جاءت لتحقق نتائجها، وهي أن الديانة والتدين ليسا المظاهر، وليسا التوجه نحو الكعبة المشرّفة، أو حتى نحو البيت المقدس، وانما هو مظهر وأمر، وليس هذا تقديساً للكعبة المشرّفة رغم عظمتها، ولا تقديساً للبيت المقدس رغم أهميتها، وانما هو تنفيذ لأمر الله سبحانه وتعالى. وهنا جاءت آيتان عظيمتان لتربّيا هذه الأمة على هذا الأساس، وهي ان الاسلام عبارة عن أربعة عناصر أساسية: شعور وانتماء وسلوك وعمل وكذلك اخلاق .

وجاءت الآيتان الكريمتان لتردّا على الجميع ، بأن هذه المظاهر ليست لها قيمة اذا لم تكن مرتبطة بالجانب الداخلي، فقال سبحانه وتعالى (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) ، أراد الله سبحانه وتعالى أولاً أن يربط هذه الامة بكلمة جميلة، كلمة مهمة جدا، بمصطلح عظيم، الا وهو مصطلح البّر الذي وصفه الله سبحانه وتعالى نفسه به فقال (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) أي هو المحسن، والبر هو الإحسان والإتقان والابداع، هو عمل الخير، هو الربط بالله سبحانه وتعالى، هو التقوى، هو أن تعبد الله كأنك تراه.

الصلاة والإنسان

وأشار فضيلته إلى أن الله سبحانه وتعالى ربط الأمة بها الجانب الداخلي النفسي، وجاءت المظاهر والصلوات بصورته الصحيحة وغير ذلك من الأركان، لتكون معبّرة عمّا في داخل الإنسان، فأمر بأربعة أشياء أساسية: أولها الإيمان، وهو الجانب الشعور والتصور لدى الإنسان، ليكون مرتبطاً بالله سبحانه وتعالى ومؤمناً بالله في الدنيا، ومرتبطاً نفسه كذلك باليوم الآخر والقيامة وما بعد الموت الى أن يصل الإنسان الى الجنة وهذا ما نطلبه من الله، او الى النار ونستعيذ الله سبحانه وتعالى من ان نتون من أهل النار،هذا الإيمان والشعور هو الأساس، وهو الركن الأول من أركان الاسلام، ويأتي بعد ذلك ليفجر هذا الايمان طاقة الانسان، ورحمة الإنسان، وشعور الانسان نحو خالقه بالعبودية من خلال الصلاة، وبيّن الله سبحانه وتعالى بأن اقامة الصلاة هي غير التولي نحو المشرق والمغرب، بل هي أن تقيم الصلاة لله سبحانه وتعالى بقلبك وبخشوع تام مرتبط بالله سبحانه وتعالى، فغير القرآن الكريم هذه المفاهيم الظاهرة، وهذه المظاهر التي كان الآخرون من اليهود والنصارى والمشركين يفسرونها بالطقوس ويفسرونها بالمظاهر، وجاء الاسلام ليفسر هذه الأمور بالجوانب الحقيقية، بالجوانب التي تدخل في داخل النفس، وآثاره كذلك على الإنسان، لإعطاء المال لهؤلاء الفقراء، لهؤلاء المستضعفين والمساكين، ولهؤلاء السائلين، بين الله سبحانه وتعالى في إعطاء المال أمرين أساسيين، أولهما وأدناهما الزكاة، ولكن هذا قد لا يكفي ان كانت الأمة تحتاج الى أكثر من ذلك.

بيّن الله سبحانه وتعالى هاتين الصفتين في معنى البر، والبر لا يتحقق بمجرّد أداء الزكات، وإنما البر يتحقق بأداء الزكاة وأداء الواجبات، وإنما ينطلق من الزكاة ليُعطي إلى الفقراء والمساكين أكثر من ذلك، هذا ما فسرته الآيات الموجوة في سورة الذاريات حينما بيّن الله سبحانه وتعالى بأن المتقين يكونون في الجنات النعيم، ووصفهم بأنهم كانوا قبل ذلك محسنين فقال سبحانه وتعالى (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ، كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، فبيّن الله سبحانه وتعالى بأن استحقاق الجنة بنعيمها وجناتها وزهورها لا يُمكن ان يتحقق إلا إذا وصل الى هذه المرحلة الكبيرة، وهي مرحلة الإحسان، والإحسان هو نفس معنى البر، والبر هو الإحسان والإحسان هو البر، وبيّن الله سبحانه تعالى النتيجبة بأنهم كانوا قبل ذلك محسنين، والمحسنين أي كانوا متقين، وكانوا خيرين، كانوا يتقون الله سبحانه وتعالى في جميع تصرفاتهم، فجاء تقدير القرآن الكريم وتوصيفه للمسلم الحقيقي، هو أنه لا يولي العناية بالمظهر وإنما يولي العناية بالحقائق والارتقاء بالنفس والاعتلاء بالروح والسمو بالإنسان، وبين الله سب حانه وتعالى بأن هذه المظاهر لو وجدت فهي لا تُعبّر عن حقيقة الاسلام، فنحن توجهنا نحو الكعبة المشرفة ، وتوجهنا كذلك نحو ما يريده الله سبحانه وتعالى هو نتجية تنفيذ أمر الله سبحانه وتعالى، كما قال عمر حينما قبّل الحجر الأسود: والله لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبّلك ما قبّلتك، القضية إذاً سمع وطاعة لله سبحانه وتعالى وليس قضية المظاهر التي كانت لدى اليهود والنصرى ولدى المشركين.

عودة للمظاهر

وقال: يأتي اليوم ما نراه نحن في مجتمعاتنا الإسلامية، كأننا نعود فعلاً الى ما كانت عليه في كثير من الأحيان عند اليهود والنصارى من العناية القصوى بالمظاهر، حتى المظاهر العبادية، دون أن تكون لهذه العبادات آثارها الحقيقية على نفوسنا وعلى قلوبنا، وهنا يأتي البر التي ارادها الله سبحانه وتعالى تربية الأمة عليها، ويقول سيدنا أنس: إن النصارى يولون وجوههم في عباداتهم نحو المشرق، واليهود نحو المغرب، وحينئذ بيّن الله سبحانه وتعالى ان هذه المظاهر لا تدخل في العبادات وانما الذي يدخل في العبادات آثار العبادات، مقاصد العبادات، وهي ان نصل الى هذا المجتمع المتمساك، المجتمع العابد، والمجتمع النزيه والمجتمع الروحاني، والمجتمع السلوكي والراقي . وأول عنصر من عناصر البر ومن عناصر القبول لدى الله سبحانه وتعالى أن يكون إيماننا صحيحاً ـ بأن نؤمن بالله وملائكته كتبه ورسله كما أراده الله سبحانه وتعالى، ليكون هذا الإيمان طاقة تُفجّر ما لدى الانسان من قدرات وطاقات لخدمة ما يُريده الله سبحانه وتعالى، وبالتالي لخدمة البشرية جمعاء، ثم من هذا الإيمان الذي يربطك بالله الذي خلق الكون، وخلق العباد، ينبثق منه هذه السلوكيات هذه الأعمال، وانك تؤتي المال على حبه ، مع ذلك وبدون مقدار وأكثر من الزكاة تعطيه لهؤلاء المحتاجين ولا يجوز ان يكون داخل الإمة الإسلامية محتاجون يتضورون الجوع، أو يموتون، ولدى الآخرين الأموال، فالله سبحانه وتعالى يحاسبهم على ذلك، وإذا راعينا هذا الجانب في أمتنا الإسلامية كم نرى الفوارق بين البعض والآخر، منهم من يموت بالكثرة والبطنة وما لديه من الترف، ومنهم من يموت بالمجاعة وسوء التغذية وعدم القدرة على الشراء من الدواء والغذاء، أي حقيقة وتحريك لهذا الايمان وربط بينك وبين الله الذي خلقك وخلق هذا الإنسان، لا سيما إذا كان مسلماً؟ أين شعورك بالإحساس؟ أين إحساسك بمجاعة الآخرين وألم المجاعة والأمراض وغير ذلك؟

أوصاف المحسنين

وأضاف قائلاً: بيّن الله في أوصاف هؤلاء البارّين، وهؤلاء المحسنين، أنهم لا يكتفون بالزكاة، حينما وصفهم في سورة الذاريات وقال ” وفي أموالهم حق للسائل والمحروم” ولم يقل حق معلوم بينما في سورة المعارج حينما يتحدّث في مجرّد النجاة من النار يقول رب العالمين (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)، يُمكن أن ينجو الإنسان من النار بأداء الزكاة، ولكن لن يصل الى الجناة والعيون إلا إذا كان يعطي أكثر من الزكاة . وكذلك لم يقل رب العالمين في الصلاة يصلي وانما قال يقيم الصلاة، واقامة الصلاة يُراد بها أمران أساسيان: الأمر الأول أن تُقام الصلاة داخل نفسك، فيكون لها تأثير ويكون لها إشعاع على تصرفاتك وعلى أخلاقك، وحينما تصف رب العالمين وتقول الحمد لله رب العالمين، تحمد الله على نعمه، وتعرف ان هذا الحمد لن يتحقق في الإسلام بمجرّد الللسان انما الحمد الحقيقي لله يأتي بثلاثة أمور: بالقلب وباللسان وبالفعل ولذلك قال رب العالمين لقوم داود ولسيدنا داود “إعملوا آل داود شكرا” أي يكون الشكر كما يقول الامام الغزالي رحمة الله عليه: عمل الشكر صرف هذه النعمة في وجهها، إذا كنت ذا مال فتنفق هذا المال لله، وإن كنت ذا علم فتنفق هذا العلم في وجه الله، وإن كنت ذا جاه فتنفق جاهك في سبيل الله، وإن كنت صاحب صحة تسعى كذلك في خدمة الناس ورفع حوائجهم، وحينما تصف الله بالرحمن والرحيم وإذا كان الله هو الرحمن وهو الرحيم ، فلا بد أن تقترب من الله بتحقيق هذه الصفة في نفسك من خلال رحمتك بالناس، ارحموا من في الأرض يحمكم من في السماء، هذه هي الإقامة الحقيقية للصلاة، والأمر الثاني أن تُقيم الصلاة بالجماعة بقدر ما تستطيع، لا تترك الجماعة حتى تلتقي بإخوانك، ثم بعد الصلاة والزكاة وأداء المال بيّن الله سبحانه وتعالى عناصر أخلاقية، “والموفون بعهدهم إذا عاهدوا” ، البر والإحسان لن يتحقق إلا إذا وصل الإنسان الى الوفاء بجميع العهود والوعود، وهذا هو أخطر شيء عند المسلمين في عدم حفاظهم على عهودهم، بينما أمر الله سبحانه وتعالى بذلك وقال ” يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود “.

أوفوا بالعقود

وذكر أن العقد سواء كان عهداً أو وعداً أو عقداً يتكوّن من عنصرين، ولم يكتف رب العالمين بذلك فقط وقال ” وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً”، إذا قرأنا سورة المؤمنون وكذلك بقية السور، سنجد في جميع الحالات من أوصاف أهل الفردوس إلا وفيه الوفاء بالعهود والوعود لأن الوفاء بالعهود من أهم القيم الأخلاقية ومن أهم العناصر لتحقيق الحضارة. الغربيون والأوروبيون لم يصلوا الى ما وصلوا إليه إلا بعدما استطاع الروّاد الأوائل وهم لم يكونوا ملتزمين بالدين، ان يصلحوا النظام السياسي والنظام التعليمي، ومن ثمّ أن يربّوا أبناءهم على ثلاثة أمور اساسية: تقديس العهود والوعود وتقديس الوقت وتقديس الإبداع ، بهذه الأمور الثلاثة بدأت أوروبا نهضتها، وهذه الأمور الثلاثة ليست من باب المصالح عندنا وإنما من باب الدين ولا يتحقق الإيمان ولا التقوى كم قال الله تعالى ” وأولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون” الصادق والمتقي لا يكون إلا إذا كان وفيًّا بعهده ووفيًّا بوعوده..كذلك الصبر على كل شيء أيضاً صفة أساسية أخلاقية عالية من القيم العليا للأخلاق. هذه هي مواصفات البر في الاسلام وليست مجدر مظاهر وليست مجدر اقامة شعائر .

استعمار الأرض

وأكّد فضيلته أن الله سبحانه وتعالى يُريد من خلال القرآن الكريم ومن خلال تربية الرسول صلى الله عليه وسلم ان تتحوّل الأمة الإسلامية دائماً الى أمة جديرة بأن تستعمر الأرض وتنمي الأرض وتنمي تنمية شاملة لكل من في الأرض وهذا ما وعد الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة كما قال “وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هَٰذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) ، وبيّن الله سبحانه وتعالى بأن من أهم مبرّرات أن تكون هذه الامة وريثة للأرض كلها وقادرة من الممكن للأرض كلها لأنها امة تتوافر فيه ثلاثة شروط اساسية العبودية لله من خلال التقوى والبر وكذلك ما سينتج منه والصلاح لحمل الأمانة ثم الرحمة للعالمين أجمع ، لأن بقية الأمم جرّبوا كما نراهم اليون في الغرب لأنهم لم يكونوا صالحين لجموع البشرية وان كانوا صالحين لأنفسهم لأن التربية الغربية مع الأسف الشديد تُركّز على أن يكون الإنسان مواطناً صالحاً وليس إنساناً صالحاً والإسلام يُريد ان تكون تربية المسلم ليصبح إنساناً

صالحاً إنساناً رحيماً إنساناً مشفقاً على الآخرين إنساناً عطوفاً خيراً على الآخرين ومن هنا يريد القرآن بكل الوسائل تربية هذه الأمة وربطها بالقيم وربطها بالعمل وربطها بالإحسان وربطها بالإتقان وربطها بالإبداع لأن الأمة التي تستحقق وهي سنن الله لن تمنح لنا هذا منحاً وإنما على الأمة ان تستحق ذلك حينئذ يُسخّر الله سبحانه وتعالى له هذا الكون .. ومن هنا يأتي كل ما في القرآن وما في السنة لتحقيق هذا الغرض المنشود

نطبق القرآن

وتحسّر قائلاً: لكن حينما نرى أنفسنا ما زلنا نحن في مؤخّرة القوافل ما زلنا في الوفاء بالعهود الذي أكّد الله عليه في كل صفات المحسنين والبررة والمتقين وأهل الجنة لا يزال فينا قليلاً وكذلك العطف والشفقة وكذلك العطاء وحتى العطاء مع الأسف الشديد نرى أن الذي تعطى ويؤخذ من الدول الغربية لدولة الفقراء أكثر بكثير مما يؤخذ من العالم الإسلامي ورغم الخير الكثير فينا لذ تحتاج لهذه الأمة ان تتحرّك والتحرّك من الفرد ومنكم وان نحسن ونطبق وان نصل الى البر ” ألا تحبون أن يغفر الله لكم” بالتأكيد الكل يحب ان يغفر الله له وأن يجعله أهلاً لذلك ولنعمل كما قال ابن عمر ان نطبق هذا القران على أنفسنا اذا كان القرآن يصف هذا البر بهذا الوصف فلنحاول ان نوفر هذا البر في أنفسنا وحينما الأفراد ينصلحون تكون الأمة متكوّنة منهم ومن هنا لو الأمة واحدة وقوية لما حدث فينا ما حدث انظر الى عالمنا الاسلامي ما الذي يحدث انظر الى القتل والتدمير الذي يحدث في بعض البلاد جهاراً ونهاراً.

في سوريا

وأبان وجهته في الأحداث التي تمر بها الأمة العربية فقال: لنرى ما يحدث في سوريا، يقتل يومياً أكثر من ثلاثين،ومن قتلها “فكأنما قتل الناس جميعاً” والناس يتفرّجون والمراقبون العرب الموجودون مراقبون ، متفرجون ولذلك نطلب من جامعة الدول العربية إذا لم تستطع ان تعمل شيئاً فجاوزه الى ما تستطيع فلا المعارضة راضية عن الجامعة لأنها لم تقم بواجبها ولا النظام راضية عنكم اذا ماذا تفعلون وهذه دليل بأن عملكم مذبذب وعملكم متردّد يجب ان يكون للجامعة دورها ولمنظمة التعاون الإسلامي دورها ولا يجوز السكوت على الباطل هذا عهد من عند الله وقد أخذ منّا العهد أن نُبيّن الحق للناس ولا نكتم ” ومن يكتمها فإنه آثم قلبه” لماذا المراقبون لم يصرّحوا بحقيقة ما يحدث ولم يكشفوا الحقائق لذلك انفصل منهم من كان له ضمير .

والأمر الثاني لو كانت الأمة قوية قادرة على حمايتها هل يحدث ما يحدث في اليمن وهل رأيتم في العالم كله الشخص الذي يجرم ويقتل ثم يأخذ الحصانة؟ هذا ليس من الدين وحينما حاول أمريكا ان تفرض الحصانة لجنوده في أوروبا لم يقبل الأوروبيون بهذه الحصانة وكان هذا أكبر إشكالية بين أوروبا وبين أمريكا في الحصانة لجنوده هي أساس أنهم يُحاربون من أجل أوروبا .

د. محمد حسن المريخي : الإيمان سلاح المؤمن الحقيقي لمواجهة تقلبات الحياة

أكد الدكتور محمد حسن المريخي أن الإيمان هو السلاح الحقيقي الذي ينبغي أن يتسلح به المؤمن ليواجه صعاب الحياة وكوارثها مشيرا إلى أن الحياة الدنيا دار محن ومصائب.

وأوضح في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس أن الدنيا تحتاج إلى إيمان وصبر لمواجهة محنها وتقلباتها مؤكدا أنه لن يتمكن العبد من السير فيها والتأقلم معها إلا إذا كان متسلحاً بالصبر والإيمان.

وكان الدكتور المريخي قد استهل خطبته أمس قائلاً : عباد الله .. الغرور بالدنيا والانشغال بزخرفها بلوى عظيمة تجر إلى الغفلة عن الله تعالى ونسيان لقائه ونسيان الموت حذر الله تعالى منها فقال” يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون”.

وإن أكبر البلوى أن يغفل المرء عن التربية الإسلامية الراشدة التربية الإيمانية التي تعتني بالروح والقلب وتسلح المؤمن بالإيمان بالواحد الأحد ليواجه مصائب الدنيا ومحنها.

لقد غفل مسلمو هذا الزمان عن هذه التربية الايمانية الا من رحم الله تعالى وأقبلوا على الدنيا غرورا بها حتى وقع الفأس بالرأس فدفعوا الثمن غاليا وكانت المآسي والمحن.

أيها المسلمون:

لقد اعتنى الإسلام بهذه التربية الخاصة بالإيمان عناية فائقة لأنها القاعدة الرئيسية التي يقف عليها المرء في هذه الحياة والتي ينطلق منها وهي السلاح الحقيقي الذي ينبغي أن يتسلح به المؤمن ليواجه صعاب الحياة وكوارثها ومحنها.

اعتنى الإسلام بتغذية الروح وتطهير القلب وتهذيب النفس والأخذ بزمامها.

يقول الله تعالى:”الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر تطمئن القلوب”.

ويقول سبحانه “واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون”.

ويقول سبحانه “يا أيها الناس قد جاءكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون”.

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب” رواه البخاري ومسلم.

ويقول عليه الصلاة والسلام: “إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم” رواه مسلم.

ويقول صلى الله عليه وسلم:”إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث شاء ثم قال : اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك” رواه مسلم.

وقال”اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك قالوا: أو تخاف يا رسول الله؟ قال: وما يؤمنني والقلب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء” رواه الترمذي.

إن التربية على الإيمان والتوحيد هي التربية الحقة وخير ما تربت عليه الذرية والأجيال والناشئة ففي الإسلام أول ما يولد المولود يستحب أن يؤذن في أذنه اليمني وتقام الصلاة في اليسرى ليكون أول ما يسمعه هو التوحيد وإذا بلغ السابعة أمر بالصلاة وضرب عليها إذا بلغ العشر مهملا لها لأنها الصلة بالله عز وجل وهي الإيمان واليقين والطمأنينة ولهذا كانت وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمة عند توديعه للدنيا وهو يجود بنفسه: الصلاة.. الصلاة وما ملكت أيمانكم.

وتربية الأبناء يجب أن تكون على الإيمان والارتباط بالرحمن من خلال إقامة الدين الحق والعمل به.

يقول ابراهيم عليه السلام “…..إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) وهناك يعقوب عليه السلام الذي أكد على أبنائه عقيدة التوحيد فقال الله تعالى (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت اذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون) وجاء لقمان عليه السلام يوصي ولده بالتوحيد ويحثه على الإيمانيات أو على ما يجلب له الايمان بإذن الله تعالى.. فيقول (يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير) وقال له (يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) أيها المسلمون:

إن الحياة الدنيا دار المحن والمصائب والكوارث والأقدار فتحتاج الى إيمان ويقين وعزم وصبر واحتساب لمواجهة محنها وتقلباتها وصدماتها، ولن يتمكن العبد من السير فيها والتأقلم معها إلا بالصبر والإيمان.

LinkedInPin