جريدة الوطن القطرية 17/08/2010 تنشر الوطن على صفحاتها خلال شهر رمضان المبارك احدث كتب الدكتور علي محيي الدين القره داغي، وعنوانه المشكلة الاقتصادية وحلها، ويناقش الكتاب رؤية الشرع الاسلامي لاغلب المشاكل الاقتصادية العالمية التي تشغل بال كثير من المهتمين والمختصين، واهمها قضية « الفقر» و«الحرمان» و«البطالة» وغيرها..

ود. القره داغي خبير المجامع الفقهية والامين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قد قدم من خلال خبرته الطويلة في هذا المجال عددا كبيرا من الابحاث والدراسات التي توضح الرؤية الواعية للقضايا التي تعيشها الأمة الإسلامية في مجال الاقتصاد بشتى صوره وجوانبه. وخلال اعداده لهذا العمل لم تكن الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت العالم بعيدة عن اهتمامه، بل تطرق اليها وبحث عن اسبابها من وجهة نظر المتخصص، حللها وقدم رؤيته بشأنها، متناولا ملامح المشكلة الاقتصادية الكبرى، وحلّها في النظم الاقتصادية، اضافة الى العديد من المشكلات الاقتصادية الخاصة التي يحتاج بعض المسلمين الى فهم اسبابها وكيفية التعامل معها.. وفي هذا الكتاب الذي ننشر حلقاته يوميا في «رمضانيات»، يعرض لكم الباحث اجتهاداته في جمع إجابات الفكر الاسلامي عن اغلب الأسئلة المثارة حول موضوع «المشكلة الاقتصادية». يواصل د. علي محيي الدين القره داغي عرض كتابه المشكلة الاقتصادية وحلها والذي ننشر حلقاته يوميا على صفحات «رمضانيات»، وقد تناولنا فيه عبر الحلقة الماضية (عولمة الفقر واستغلاله من قبل الأغنياء) وعرضنا نسب السكان في الدول العربية الذين يحصلون على دخل أقل من دولارين في اليوم، وفي هذه الحلقة يتناول فضيلته الحديث عن آثار الفقر: للفقر آثار اقتصادية، وآثار علمية وثقافية، وآثار اجتماعية، وآثار سياسية، نتناولها بإيجاز شديد.. أولاً: الآثار العقدية، والفكرية، والأخلاقية للفقر تأثيره على العقيدة، إذا لم يكن الفقير قوي الإيمان، حيث قد يصيبه الشك والريبة في حكمة الخالق، حينما يرى الغني المترف القاعد المتبطل، ثم يرى نفسه مع جده وعمله لا يجد شيئاً لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ من الفقر مع الكفر، فيقول: «اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر» وكان يقول أيضاً: «اللهم إني أعوذ بك من الفقر، والقلة، والذلة، وأعوذ بك من أن أظلم أو أُظلم» وكذلك لا ينكر للفقر دوره السلبي وخطره على الفكر، من حيث انه يجعل صاحبه مشغولاً بضرورات الحياة لنفسه وعياله، فلا يبقى له وقت للتفكير في الابداع -في الغالب- ولذلك قال الفقهاء لا يقضي القاضي وهو جوعان. وأما خطره على الأخلاق والسلوك فكبير جداً إلاّ إذا بلغ صاحبه مبلغاً كبيراً في الايمان والتقوى، يقول الشيخ القرضاوي: فإن الفقير المحروم كثيراً ما يدفعه بؤسه وحرمانه -وخاصة إذا كان إلى جواره الطامعون الناعمون- إلى سلوك ما لا ترضاه الفضيلة والخلق الكريم، ولهذا قالوا: صوت المعدة أقوى من صوت الضمير، وشر من هذا أن يؤدي ذلك الحرمان إلى التشكيك في القيم الأخلاقية نفسها، وعدالة مقاييسها. والحديث وإن كان في الدّين ولكن السبب الأساس في ذلك هو الفقر، وعدم القدرة على الأداء، بل إن هناك أحاديث تدل على وجود العلاقة بين الفقر -إذا لم يصحبه ايمان قوي- وبين الرذائل مثل السرقة، والزنا، ونحوه من الفواحش والاختلاسات. ثانياً: الآثار الاقتصادية السلبية للفقر للفقر آثار عقدية، وفكرية، وأخلاقية، وآثار اقتصادية على النهضة الاقتصادية، والتنمية الاقتصادية والنمو الاقتصادي على الدولة على ضوء ما يأتي: 1- ان المجتمع إذا كان فقيراً فإن الدخل القومي يذهب إلى إطعام الأفواه الجائعة بدل أن تذهب إلى التنمية، والاستثمار، فتظل الدولة والمجتمع في دائرة مفرغة، يكون من الصعب الخروج منها، وبالتالي فلن تتحقق التنمية المنشودة في ظل الفقر المدقع. 2- زيادة الديون والقروض الفردية لسد الضروريات والحاجيات الاستهلاكية بدلاً من الخوض في خطط النهضة والبناء والتعمير. 3- تبعية الشعوب الاقتصادية للدول والشعوب المانحة للقروض والديون، وما يترتب عليها من آثار سلبية في جميع الجوانب والجبهات. 4- زيادة الاستغلال والاحتكار، وبالتالي يزداد الفقراء فقراً، والأغنياء غنى، لأن الفقراء بسبب حاجتهم الشديدة يكونون غير قادرين على المنافسة، فيخضعون للشروط التعسفية للأغنياء والشركات الاحتكارية. 5- انخفاض مستوى الإنتاج، وبالتالي انخفاض الدخل والاستثمار، والادخار، ونصيب الفرد من الناتج القومي وذلك لأن قدرات الفقير وبخاصة الفقير المدقع، يكون نصيبه أقل من غيره في الصناعة والزراعة، واستغلال الأرض بسبب عدم قدرته على شراء التقنيات الحديثة المتطورة التي تزيد في الإنتاج، والإتقان، فالفقير في الغالب يعتمد على الوسائل البدائية، وبالتالي فيكون إنتاجه قليلاً في مختلف المجالات، ويكون معدل نصيبه من الناتج القومي قليلاً، وكل الخبراء ينصحون الدول الفقيرة بضرورة زيادة الإنتاج وبخاصة الإنتاج الصناعي. وأما الآثار الاقتصادية على الدول الفقيرة فهي ما يأتي: ‌أ- عجز الموازنة بسبب قلة الموارد، وانخفاض حجم الايرادات العامة التي تحصل عليها الخزانة العامة، وعدم امكانية فرض أو تحصيل ضرائب مناسبة تصرف في أوجه الرعاية الغذائية والصحية، والخدمات الأساسية الأخرى، بل ان الدولة إذا فرضت ضريبة، أو حجبت الدعم عن سلعة أساسية ثارت الجماهير واضطربت الأمور مما يجعل الدولة تحسب ألف حساب لفرض ضريبة، أو رفع دعم، فقد حدثت مظاهرات عارمة في معظم بلاد العالم الثالث بسبب رفع الدعم عن المواد الغذائية والضرورية مثل انتفاضة 1976 في مصر بسبب رفع الدعم عن الخبز، أو رفع الدعم عن أعلاف الحيوانات في الأردن ولزيادة سعر البنزين في العراق أيام عبد الكريم قاسم، راح ضحيتها عشرات بل مئات من المواطنين، وتسببت في تحقيق أضرار مادية ومعنوية تقدر بالمليارات، والغريب أن مثل هذه المظاهرات لم تحدث في معظم هذه الدول لأجل الاستبداد السياسي وما فعلته الدكتاتورية بالشعوب !!!. ‌ب- عجز ميزان المدفوعات بسبب ضآلة حجم وقيمة الصادرات وزيادة الديون الخارجية، وذلك لعدم وجود موارد اقتصادية، او صناعات قوية، ولما ذكرناه آنفاً إضافة إلى الفساد الاداري، وبالتالي فإن الدولة تضطر للاقتراض بفائدة، وبأي ثمن كان، ثم تتراكم الديون، وتصبح الدولة أسيرة لمن منحها. ‌ج- زيادة التضخم، وتدهور القيمة الشرائية للعملة محلياً. هـ ـ زيادة معدلات الجرائم المالية والفساد الاداري. ثالثاً ـ الآثار السلبية للفقر المدقع على العلم والثقافة والعقل والتخلف: 1. ان الفقير المدقع في الغالب ينشغل بسد جوعته عن العلم والثقافة، فلا يبقى له الوقت الكافي للتعلم والثقافة. 2. ان أولاد الفقراء المعدمين لن يتركهم أولياء أمورهم في الغالب للتعلم والثقافة، بل يشغلونهم بالأعمال اليدوية، والزراعية، والرعوية، وبالتالي يصبحون أميين. 3. ان الفقير لن يتمكن -في الغالب- بسبب عدم وجود المال لديه عن الاستفادة من تكنولوجيا العصر، والتقنيات الحديثة فأينما كان الفقر المدقع كانت الأمية، وبالعكس. 4. التلازم بين الفقر والتخلف في معظم الأحيان. 5. أما أثر الفقر المدقع على العقل والابداع فيأتي من خلال ما قاله الخبراء: (إن سوء التغذية يضرّ بنمو وتطور الانسان، وذلك بالتأثير على شكل حجم الجسم، أما في الصغار فيؤدي إلى تخلف خطير في النمو الفعلي) وبالإضافة إلى ذلك فإن الفقر المدقع لن يترك مجالاً لصاحبه للإبداع في الغالب بسبب الفقر مشاكل الفقر، وآثاره. رابعاً ـ الآثار الاجتماعية للفقر للفقر آثار اجتماعية خطيرة، ولا سيما إذا لم تكن هناك تربية ايمانية قوية، من أهمها: 1- الأمية والجهل والتخلف، كما سبق. 2- كثرة الأمراض، حيث ان معظم الأمراض تعود أسبابها إلى سوء التغذية، ويعود تأثيرها على الانسان بالموت، أو الإنهاك وإلى عدم وجود الدواء المناسب الصالح، ومع الأسف الشديد فإن العالم النامي ـ وعلى رأسه عالمنا الاسلامي ـ يفتقد الأمرين بنسبة كبيرة، يذكر الدكتور الطويل: (أن الجوع والمجاعة ضاربان بجذروهما في ديار المسلمين)، ويقول المدير لمنظمة الصحة العالمية في عام 1963م: (من المؤسف أن يكون نصف سكان العالم أو ربما ثلثاهم مصابين بسوء التغذية)، ويقول المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة عام 1981: ( لم يطرأ أي تحسن على حالة الأغذية في البلدان ذات الدخل المنخفض) وهناك من يقول: إن 70% من أولاد البلدان النامية يشكون من سوء التغذية، ومن المعلوم أن السبب الأول لسوء التغذية هو الفقر 3- زيادة معدل الوفيات، حيث ربط جميع الخبراء بين معظم الأمراض بحلقة محكمة بالفقر، وبالتالي موت الكثيرين ـ وقد ذكرنا أثر الجوع في موت الأطفال في السابق ـ حيث ذكرو أن نقص فيتامين A يؤدي إلى فقدان البصر، وأن نسبة 60-70% من حالات فقدان البصر تنجم بسبب ذلك، وأن ضحاياه هم أبناء العلائلات المعدمة، وان مرض التراخوما، وهو أيضاً أحد أسباب العمى يترتب على سوء التغذية في الغالب، وأن عدد المصابين به يقدر بأكثر من أربعمائة مليون نسمة، وكذلك مرض عمى الأنهار الذي قدر ضحاياه بأكثر من ثمانية وعشرين مليون، ومعظمهم في البلاد النامية. بل إن صحة الوليد الحديث مرهونة بعوامل عدة منها صحة الوالدين، وبخاصة الأم،ومستوى تغذيتها، والامراض التي أصابتها، ومنها تغذية الطفل، ومنها بيئة الطفل من حيث النظافة والتهوية، وهناك بعض الأمراض الخطيرة في بلاد المسلمين تعتبر من أمراض الفقر والحرمان وسوء التغذية وعدم وجود مياه الشرب الصالحة، وعدم وجود المسكن الصحي المناسب، وعدم النظافة، ومنها مرض السل والتدرن الذي لايزال موجوداً في البلاد الفقيرة، وله ضحاياه في حدود ثلاثة ملايين شخص، ومرض الجذام الذي للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية دور فيه، ومرض البلهارسيا الذي يعود سببه إلى طفيلي ينتقل بالماء، وأن عدد المصابين به يقدر بمائتي مليون إصابة، وهو منتشر في مصر، ونيجريا والسودان، وايران وغيرها، ومرض الملاريا حيث يموت به حوالي مليون طفل كل عام في أفريقيا وحدها، ومرض النوم الأفريقي، وسببه طفيلي اسمه Trypanosome وهو أيضاً أحد المخاطر الصحية على الانسان، ومن أهم العراقيل في سبيل التنمية الزراعية والصناعية، وعدد المصابين به خمسة وأربعون مليون إنسان، وهو ينتقل بسبب ذبابة تسمى Tse Tse وهو مرض يحدث في المصاب تغييراً في فسيولوجيته فيجعله أرقاً في الليل، وناعساً في النهار، وأمراض أخرى.