تنفيذ جباية الزكاة وما تجب فيه الزكاة

إن الفقهاء متفقون في بعض الأموال التي تجب فيها الزكاة، ومختلفون في بعضها، وهنا تستطيع الدولة التوسع بأن تأخذ برأي القائلين بشمولية الزكاة لكل ما هو مال نام بلغ النصاب، أو برأي القائلين بالتوسط، أو التضييق، وهذا حسب حاجة الأمة للتوسع أو التضييق أو التوسط.

كيفية الجباية نقداً أو عيناً

من المعروف بين الفقهاء أن الأموال التي تؤخذ منها الزكاة تختلف حسب نوعيتها، فالثروة الزراعية والحيوانية تكون زكاتهما من أعيانهما، في حين أن الثروة التجارية والصناعية والمعدنية تكون زكاتها بالنقود، هذا هو الأصل، ولكن جماعة من الفقهاء (منهم الحنفية) أجازوا دفع جميع الزكوات نقداً، أي بالنقود في جميع الحالات، في حين أن بعض الفقهاء أجازوا دفع الزكاة كلها بالعين والسلع.

ومن هنا فإن الدولة تستطيع استعمال هذه الأداة ـ أي دفع الزكاة نقداً أو عيناًـ في التأثير على كل من العرض والطلب الكليين، فمثلاً في حالة التضخم تأخذ الدولة جميع أنواع الزكاة أو معظمها نقداً، وبذلك تحجب كميات كبيرة من النقود عن التداول، أو تؤدي إلى التقليل، ثم توزعها على شكل سلع إنتاجية أو استهلاكية، وفي الوقت نفسه فإن توزيع الزكاة عيناً (السلع والبضائع) يؤدي إلى زيادة الطلب على المنتجات العينية، مما يترتب عليه طلب العرض الكلي، وبذلك ساهمت جباية الزكاة نقداً، ودفعها عيناً في علاج التضخم، وفي زيادة الإنتاج، وانخفاض الأسعار.

ويمكن أن تستعمل هذه الأداة عكسياً في حالة الانكماش بأن تؤخذ أموال الزكاة أو معظمها عيناً، وحينئذ قلت البضائع في السوق أو لدى المزكين، ثم تصرف نقداً، وبذلك وجدت السيولة لدى المستهلكين، وحينئذ يزداد الطلب والعرض الكليان ـ وكما سبق، فإن حجم أموال الزكاة كبير ومؤثرـ

توجيه أموال الزكاة نحو تمليك أدوات الإنتاج والمشاريع الاستثمارية

إن بإمكان الدولة المساهمة في تخفيف حدة البطالة بالتوظيف من خلال الزكاة، بحيث تخصص نسبة كبيرة من أموال الضخمة للتشغيل بطريقتين:

الطريقة الأولى: شراء أدوات الإنتاج للعاطلين عن العمل، أو منحهم مبالغ للاستثمار تحت مراقبة الدولة، وذلك لأن العاطلين الفقراء أو المساكين عن العمل نوعان:

أ- عاطل بسبب عدم قدرته على العمل، وهذا يعطى من سهم الفقراء والمساكين بما يعينه لمدة عام، أو مدة العمر حسب وفرة أموال الزكاة أو عدمها.

ب- عاطل قادر على العمل، فهذا النوع سبق فقهاؤنا الشافعية وأحمد في رواية في حل مشكلته، جاء في المجموع: ( قالوا: أي الشافعيةـ فإن كانت عادته الاحتراف أعطي ما يشتري به حرفته أولاً آلات حرفته، قلت قيمة ذلك أم كثرت، ويكون قدره بحيث يحصل له من ربحه ما يفي بكفايته غالباً تقريباً.

 ويختلف ذلك باختلاف الحرف والبلاد والأزمان والأشخاص.

وهذا كله فيمن لا يحسن الكسب، أما من يحسن حرفة لائقة تكفيه، فيعطى ثمن آلة حرفته وإن كثرت، ومن يحسن تجارة يعطى رأس مال يكفيه ربحه منه غالباً باعتبار عادة بلده. ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والنواحي. ولو أحسن أكثر من حرفة والكل يكفيه أعطي ثمن أو رأس مال الأدنى وإن كفاه بعضها فقط أعطي له وإن لم تكفه واحدة منها أعطي لواحدة وزيد له شراء عقار يتم دخله بقية كفايته).

الطريقة الثانية: إنشاء الشركات والمصانع والمشروعات الصغيرة، أو المتوسطة، أو الكبيرة، وتمليكها، أو تمليك أسهمها للفقراء والمساكين، وفي ذلك تشغيل وتوظيف وإغناء للفقراء، وتحريك لعجلة الاقتصاد بشكل كبير.

وقد صدرت بجواز ذلك فتوى من الندوة الثالثة من ندوات قضايا الزكاة المعاصرة نصت على:

-1 التمليك في الأصناف الأربعة الأولى المذكورة في آية مصارف الزكاة، «إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم»، شرط في إجزاء الزكاة، والتمليك يعني دفع مبلغ من النقود أو شراء وسيلة الإنتاج، كآلات الحرفة وأدوات الصنعة، وتمليكها للمستحق القادر على العمل.

-2 تجوز إقامة مشروعات إنتاجية من مال الزكاة وتمليك أسهمها لمستحقي الزكاة، بحيث يكون المشروع مملوكاً لهم يديرونه بأنفسهم أو من ينوب عنهم ويقتسمون أرباحه.

-3 تجوز إقامة مشروعات خدمية من مال الزكاة كالمدارس والمستشفيات والملاجئ والمكتبات.