عبّر فضيلة الشيخ د. علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، عن تفاؤله بأن تُصبح قطر في القريب العاجل قدوة في مجال العلوم والتكنولوجيا عبر القيادة الحكيمة التي وفقها الله تعالى لتوجيه سياستها لخدمة شعبها، وأمّتها العربيّة والإسلاميّة،
لما حدث بها من عمليّة غير مسبوقة في عالمنا اليوم، وهي قدوة فعلاً حيث ينقل صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني حفظه الله سلطاته بكل سلاسة وحبّ وتقدير إلى نجله حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى حتى يجمع إلى الخيرات المتراكمة لوالده الحماس والإبداع والتقدّم.
وحثّ فضيلته المعارضة السوريّة على ضرورة الوحدة والاتفاق على الرئيس والحكومة الانتقاليّة، وإلى فصائل المقاومة والجهاد بالوحدة تحت لواء الجيش الحر وليس تحت أيّ لواء آخر، كما وجّه بضرورة الابتعاد عن الفتنة التي تجعل أمّتنا في مهبّ الريح، وطالب الأمّة ببذل كل ما لديها لنصرة هذه القضية التي طالت، وازداد معها القتل والتشريد، ولكن أملي كبير في النصر في هذا الشهر بإذن الله تعالى.
وعن الوضع المصري قال: تألمت كثيرًا لما حدث من القضاء على التجربة الديمقراطيّة وأهداف الثورة ومن إراقة الدماء وأتخوّف كثيرًا من تكرار التجربة الجزائريّة التي أكلت الأخضر واليابس ودعا فضيلته الله تعالى أن يحفظ مصر، كما أطالب عقلاء مصر بالتدخّل لمنع هذه الهجمة الشرسة على الإسلاميين حيث إنها تُؤدّي إلى فتنة داخلية لا يعلم مدى خطورتها إلاّ الله تعالى كما أدعو الدول العربية للقيام بواجبها نحو مصر في هذه المرحلة الدقيقة.
وكان فضيلته قد بدأ خطبته قائلاً: أكرم الله تعالى الأمّة الإسلاميّة بشهر رمضان الفضيل ليكون شهر مراجعة وتدريب وترويض للنفوس وتهذيب لها، حتى تُصبح راضية مرضية مطمئنة، وللقلوب حتى يصبح سليمة نظيفة محبّة للخير فقال تعالى “شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْـزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ”. فقد بيّن الله فضائل هذا الشهر التي من أهمّها وأعظمها أن القرآن الكريم نزل في هذا الشهر العظيم، وهو كتاب الهداية للناس جميعًا، وكتاب البيّنات، والفرقان بين الحق والباطل وبين العدل والظلم، بين الخير والشر.
وأضاف: شهر رمضان أيضًا هو شهر الانتصارات الإسلاميّة على مدى تأريخنا الإسلامي، حيث فيه انتصر المسلمون بقيادة الرسول (صلى الله عليه وسلم) يوم بدر ويوم فتح مكة، وغير ذلك من الانتصارات حتى تجاوزت ثمانين غزوة عظيمة وفتحًا كبيرًا على مدى تاريخنا. وقد بيّن الرسول أيضًا فضائل هذا الشهر فقال: “إذا جاء رمضان، فتحت أبوب الجنّة، وغلقت أبواب النار، وصُفّدت الشياطين”.
وتابع: قد أوجب الله تعالى صيام هذا الشهر لمن هو قادر عليه أمّا غير القادر عليه بسبب المرض المزمن أو الشيخوخة فعليه الفدية، أمّا المسافر أو المريض فلها حق الفطر مع وجوب القضاء “وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ” وقد بيّن الله تعالى الحكمة من الصيام فقال تعالى “لعلكم تتقون” والتقوى هي إصلاح النفوس والقلوب لتكون خاشعة لله تعالى، خائفة من عذاب الله تعالى مستشعرة رقابة الله تعالى أو كما عبّر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم حينما فسّر الإحسان فقال: “أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك”.
وعرف الصيام بقوله: الصيام عبادة نفسيّة داخليّة يُراد بها ترويض النفوس على ترك المحرّمات المنكرات، وفعل الخيرات والحسنات، وذلك أن الصائم يمتنع لله تعالى عن المباحات “الأكل والشرب والجماع” طوال شهر كامل فكيف لا يمتنع عن المحرّمات، بل كيف لا يتعوّد على ترك المحظورات في بقيّة العام. ولذلك خصّ الله تعالى الصيام بأنه لذاته العليّة، حيث ورد في الحديث القدسي قال الله عز وجل: “كل عمل ابن آدم له إلاّ الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به والصيامُ جُنّة”. إن الرسول الكريم قد بشّرنا بالجنة فقال: “من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدّم من ذنبه”. متفق عليه.
وأضاف: إن هذا الشهر شهر الجود والكرم، يقول ابن عباس: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيُدارسه القرآن، فلروسل الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المُرسلة”. متفق عليه. ونحن اليوم أمام ملايين المشرّدين من إخواننا وأخواتنا في سوريا، فعلينا أن نبذل كل ما يُمكننا لإغاثتهم وعلينا في هذا الشهر أن نُركّز على تحقيق هذا الهدف العظيم وهو تحقيق التقوى وذلك بالحرص الشديد على الحفاظ على صيامنا من اللغو والرفث والغيبة والنميمة وكل المحرّمات.
ودعا المسلمين للحفاظ على آداب الصيام من السحور والإكثار من التلاوة والاعتكاف في المساجد والإنفاق في سبيل الله، وجعل قلوبنا مرتبطة مع الله تعالى، وألسنتنا رطبة بذكر الله تعالى وتلاوة القرآن، والحرص على حضور الجماعة والتراويح ومجالس الذكر والوعظ، فهذه فرصة يجب ألاّ نُضيّعها فمن ضيّعها فقد ضيّع عمره.