وقع
مجموعة من العلماء البارزين في العالم الإسلامي على إعلان سلام مادرين، بعد مناقشة
الظروف التاريخية التي صدرت فيها فتوى مادرين الشهيرة، التي أصدرها ابن تيمية في
القرن الرابع عشر الميلادي، وأصدر المشاركون بيانا يحدد كيفية فهم «فتوى مادرين»
في إطار الظروف المعاصرة، ضمن السياق الأوسع للإسلام، ووفقا لمقاصد الشريعة.
ونظم مؤتمر «مادرين.. بلد السلام» المركز العالمي للتجديد والترشيد، بالتعاون مع
جامعة ارتكلو التركية.

      

من جانبه تناول الدكتور على القره داغي (عضو
المكتب التنفيذي للاتحاد العالمي
لعلماء المسلمين) الفتوى وكيفية إسقاطها على
الواقع بشكل خاطئ مما أدّى إلى نتائج
كارثية، كما طالب بألا يتطرق إلى هذا النوع إلا
العلماء الراسخون وأن تكون الفتوى
جماعية في مثل هذه القضايا الخطيرة.

                          
وخرج المؤتمر بعدة نتائح، أهمها: أن فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية في مادرين لا يمكن
بحال من الأحوال أن تكون متمسكا ومستندا لتكفير المسلمين والخروج على حكامهم
واستباحة الدماء والأموال وترويع الآمنين والغدر بمن يعيشون مع المسلمين أو يعيش
معهم المسلمون بموجب علاقة مواطنة وأمان بل هي فتوى تحرم كل ذلك فضلا عن أنها نصرة
لدولة مسلمة على دولة غير مسلمة وهو في كل ذلك موافق ومتبع لعلماء المسلمين في
فتاويهم في هذا الشأن ولم يخرج عنهم. ومن استند على هذه الفتوى لقتال المسلمين
وغير المسلمين فقد أخطأ في التأويل وما أصاب في التنزيل.
وإن تصنيف الديار في الفقه الإسلامي تصنيف اجتهادي أملته ظروف الأمة الإسلامية
وطبيعة العلاقات الدولية القائمة حينئذ.إلا أن تغير الأوضاع الآن ووجود المعاهدات
الدولية المعترف بها وتجريم الحروب غير الناشئة عن رد العدوان ومقاومة الاحتلال
وظهور دولة المواطنة التي تضمن في الجملة حقوق الأديان والأعراق والأوطان استلزم
جعل العالم كله فضاء للتسامح والتعايش السلمي بين جميع الأديان والطوائف في إطار
تحقيق المصالح المشتركة والعدالة بين الناس ويأمن فيه الناس على أموالهم وأوطانهم
وأعراضهم وهو ما أقرته الشريعة ونادت به منذ هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى
المدينة ووضع أول معاهدة تضمن التعايش بين جميع الطوائف والأعراق في إطار العدالة
والمصالح المشتركة ولا يسوغ التذرع بما يشوبها من نقص أو خرق دول معينة لها للتنكر
لها وافتعال التصادم بينها وبين الشريعة السمحة من الأولويات التي على علماء الأمة
ومؤسساتها العلمية الاضطلاع بها والتحليل والتقويم للأفكار المسوغة للتطرف
والتكفير والعنف باسم الإسلام؛ فالتدابير الأمنية مهما كانت عادلة لا تقوم مقام
البيان بالحجة والبرهان. ومن ثم تقع المسؤولية على علماء الأمة في إدانة كل أشكال
العنف في التغيير أو الاحتجاج داخل المجتمعات المسلمة وخارجها بوضوح وصراحة وجرأة
في قول الحق منعا للالتباس وإزالة للغموض.
إن علماء الإسلام ما فتئوا يؤكدون عبر العصور أن الجهاد الذي يعتبر ذروة سنام هذا
الدين ليس نوعا واحدا بل هو أنواع متعددة منها القتال في سبيل الله وهذا النوع
أناط الشرع صلاحية تدبيره وتنفيذه بأولي الأمر (الدولة) باعتباره قرارا سياسيا
تترتب عليه تبعات عظيمة؛ ومن ثم فلايجوز للفرد المسلم ولا لجماعة من المسلمين
إعلان حرب أو الدخول في جهاد قتالي من تلقاء أنفسهم درءا للمفاسد واتباعا للنصوص
الواردة في هذا الشأن.
وأن أصل مشروعية الجهاد إما دفعا لعدوان «وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم
ولاتعتدوا إن الله لا يحب المعتدين» أو نصرة للمستضعفين.
إن شأن الفتوى في الإسلام خطير ولهذا شدد العلماء في شروط المفتي ومنها أن يكون ذا
أهلية علمية وفي شروط الفتوى خاصة تحقيق المناط في المكان والزمان والأشخاص
والأحوال.

كما خرج المؤتمر بعدة توصيات:
عقد مؤتمر سنوي في أوروبا لتعميق البحث في التصور الإسلامي للسلام والتعايش السلمي
بين الأمم والأديان. وتأسيس مركز مادرين لدراسة النظرية السياسية في الإسلام.
وإحداث شعب وأقسام دراسية في الجامعات والمعاهد الإسلامية العليا تعنى بالبحوث
والتدريب والتأهيل في مجال الإفتاء في القضايا العامة للأمة، وتشجيع الدراسات
العلمية النظرية والتطبيقية في مجال تنقيح المناط ودراسة علاقة الزمان والمكان
والأشخاص والأحوال بتغير الفتوى، وتشجيع الدراسات والبحوث العلمية الأكاديمية التي
تعنى بدراسة الظروف والملابسات التاريخية لفتاوى أئمة الإسلام. وبذل مزيد من الجهد
في مراجعة وتحقيق ودراسة تراث شيخ الإسلام ابن تيمية. وتراث العلماء المقتدى بهم
باعتبار أثرهم في الأمة وما يرجى من فهم تراثهم فهما سليما من ترشيد وتوجيه للعامة
والخاصة. رفع هذا البيان إلى المجامع الفقهية في العالم الإسلامي لإثرائه وتعميق
النقاش حوله وتعميم الفائدة منه.
ووقع وثيقة سلام ماردين
كل من: الدكتور علي القره داغي (قطر)، الدكتور عبدالله بن بيه، الدكتور أحمد أوزيل
(تركيا)، الدكتور مصطفى سيرتش (مفتي البوسنة والهرسك)، الدكتور عبدالله نصيف،
عبدالوهاب الطريري (المملكة)، الشيخ عبدالله ولد علي سالم (موريتانيا)، الحبيب علي
الجفري (اليمن)، أحمد عبيدي (إيران)، حمزة يوسف (أمريكا) د. أحمد الريسوني
(المغرب)، ، د.عبدالله البراك، عايض الدوسري، د. ناصر الحنيني، د. هاني عبدالشكور
(السعودية)، عارف نايض (ليبيا)، د. محمد عبدالغفار الشريف (الكويت).

 

نص فتوى ماردين لأبن تيمية

 

سئل ابن تيمية  عن بلد
‏”‏ماردين‏”‏ هل هي بلد حرب أم بلد سلم‏؟‏ وهل يجب على المسلم المقيم
بها الهجرة إلى بلاد الإسلام أم لا‏؟‏ وإذا وجبت عليه الهجرة ولم يهاجر، وساعد
أعداء المسلمين بنفسه أو ماله، هل يأثم في ذلك‏؟‏ وهل يأثم من رماه بالنفاق وسبه
به أم لا‏؟‏
 

فأجاب‏:‏ الحمد لله‏.‏ دماء المسلمين
وأموالهم محرمة حيث كانوا في ‏[‏ماردين‏]‏ أو غيرها‏.‏ وإعانة الخارجين عن شريعة
دين الإسلام محرمة، سواء كانوا أهل ‏[‏ماردين‏]‏، أو غيرهم‏.‏ والمقيم بها إن كان
عاجزًا عن إقامة دينه، وجبت الهجرة عليه‏.‏ وإلا استحبت ولم تجب‏.‏

ومساعدتهم لعدو المسلمين بالأنفس
والأموال محرمة عليهم، ويجب عليهم الامتناع من ذلك، بأي طريق أمكنهم، من تغيب، أو
تعريض، أو مصانعة‏.‏ فإذا لم يمكن إلا بالهجرة، تعينت‏.‏

ولا يحل سبهم عمومًا ورميهم بالنفاق،
بل السب والرمي بالنفاق يقع على الصفات المذكورة في الكتاب والسنة، فيدخل فيها بعض
أهل ‏[‏ماردين‏]‏ وغيرهم‏.‏

وأما كونها دار حرب أو سلم، فهي مركبة‏:‏ فيها المعنيان، ليست
بمنزلة دار السلم التي تجري عليها أحكام الإسلام، لكون جندها مسلمين‏.‏ ولا بمنزلة
دار الحرب التي أهلها كفار، بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه، ويقاتل
الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه‏.