صحيفة العرب – القطرية


2010-08-12


 أن علم الاقتصاد أحد العلوم الاجتماعية، الذي تطورت تعريفاته خلال الـ200 سنة الأخيرة، ويمكن أن نقول: إن التوجه العام لتعريفه الآن هو أنه علم يبحث عن كيفية حل المشاكل الاقتصادية، وذلك لأن دراسة المشكلة الاقتصادية، وفهم طبيعتها، وسبل حلها هو أساس الدراسة الاقتصادية. وعلى ضوء ذلك فإن من البدهي القول بأن الإسلام، وهو عقيدة وشريعة ومنهج حياة، جاء شفاءً وحلاً للمشاكل، إضافة إلى ذلك أنه كانت له دولة منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم في الجزيرة العربية، ثم امتدت رقعتها لتصبح أكبر دولة شهدها التاريخ لتشمل أجزاء كبيرة من معظم القارات، وظلت هذه الدولة أكثر من ألف وثلاثمائة سنة.



 


وعلى ضوء ذلك فإن من البدهي أيضاً أن تكون هناك مشكلة اقتصادية، وذلك لأن المشكلة الاقتصادية في الفكر الرأسمالي هي ندرة الموارد المتاحة أمام كثرة الحاجات الإنسانية، وهذه المشكلة يعترف بها الفكر الاقتصادي الإسلامي ولكن بعقيدة أخرى وبمنهج آخر، حيث إن الفكر الرأسمالي يصرّ على ندرة الموارد المتاحة من حيث هي، في حين أن الفكر الإسلامي يؤمن بأن الموارد التي خلقها الله تعالى في الأرض تكفي البشرية (وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا) ولكن قلة الإنتاج، أو عدم وجود الإنتاج الأمثل، وسوء التوزيع، والظلم في إعادة التوزيع، ونحو ذلك هو الذي أدى إلى وجود هذه المشكلة، وبالتالي فكلا الفكرين يعترفان بالمشكلة، ولكن الأسباب والعقيدة التي وراءها مختلفة فيهما.


وبناء على ما سبق، فما دامت للإسلام عقيدته الخاصة وأيدولوجيته وتصوراته نحو المبدأ والمنتهى، ونحو العلاقة بين الإنسان والكون والأقوات والأرزاق والحياة والموت والفقر والغنى يكون من البدهي وجود اقتصاد إسلامي يعبر عن هذه العقيدة والتصورات، بل إن المسألة في حقيقتها ليست مجرد افتراض وإنما هي واقع متجسد في وجود نصوص كثيرة من الكتاب والسنة بنى عليها علماؤنا القدامى اجتهاداتهم الواسعة في مختلف مجالات المال وعلاقته بالإنسان، وكيفية اكتسابه وإنتاجه وتوزيعه واستهلاكه، حيث لا يستطيع الباحث المنصف المطلع عليها إنكار علم الاقتصاد الإسلامي ونظرياته كما سيأتي.


فعلى ضوء المهمات الأساسية التي حددها الاقتصاديون لعلم الاقتصاد نجد أن الإسلام عالج هذه المهمات على ضوء مبادئه وقيمه ونظرته الخاصة كما سيأتي:


أولاً: المبادئ والقوانين والنظريات التي تحكم العلاقات الاقتصادية:


فقد تضمنت الشريعة الإسلامية مجموعة من الأحكام والمبادئ العامة التي تحكم هذه المسائل الاقتصادية من خلال:


1 – بيان الحكم الشرعي من حيث الحل والحرمة، ومن حيث السبب والمانع والشرط والصحة والبطلان لكل أنشطة الإنسان إما نصاً من الكتاب والسنة، أو استنباطاً من خلال الاجتهاد المنضبط القائم على القياس، أو المصالح المرسلة، أو العرف، أو نحوها.


2 – بيان ما يسميه الفقهاء بالتكييف الفقهي للعلاقات، أو ما يسمى بالوصف الفقهي للعلاقات التي تربط الظواهر الاقتصادية أو النظريات الاقتصادية، فمثلاً للإسلام نظرته الخاصة إلى الملكية والإنتاج والتوزيع والتسعير ونحو ذلك مما يأتي.


3 – ربط الأنشطة الاقتصادية بالقيم السامية والأخلاق الفاضلة.


4 – الابتعاد عن النظرة الأحادية إلى كل ما في هذا الكون ومنه النشاط الاقتصادي، بل الاعتماد على النظرة الثنائية القائمة على رعاية حق الله وحق العبد معاً، ورعاية المادة والروح معاً، والدنيا والآخرة معاً، والملكية الفردية مع الملكية العامة، وحقوق الفرد مع حقوق الجماعة، والحرية الفردية مع حقوق المجتمع، والواقعية مع المثالية بشكل يمزج بينهما مزجاً رائعاً رائداً لا يوجد في غيره أبداً، فليس عندنا نظرة أحادية واحدة نحو الأمور كلها، وإنما ينظر من جانبيها على السواء لتظهر الحقيقة ناصعة.


ومن خلال هذه النظرة الثنائية المحققة للتوازن يوضح الإسلام أن الإنسان ليس مادة فقط، ولا روحاً فقط، وإنما هو مادة وروح معاً، فهو مصنوع من المادة (التراب، والطين، والصلصال) ومن الروح أيضاً حيث نفخ فيه الرب نفخة من روحه، ففيه عناصر الأرض التي تتجسد في الطمع والجشع والصفات المادية، وفيه عناصر السمو والأخلاق الملائكية، وبالتالي فيجب رعاية هذين الجانبين، كما قال تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) وفي مجال الإنفاق أمرنا بالابتعاد عن الإسراف فقال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) وقال تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).