الجواب :
  الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد  فقبل أن نجيب على السؤال نؤصل المسألة من الناحية الشرعية ، ثم ننزلها على الواقع العراقي .
   إن حقيقة المشاركة السياسية في الانتخابات إن هي إلاّ عبارة عن إعطاء الصوت للأشخاص الذين يستحقونه ليصبحوا نواباً وأعضاءً في الجمعية الوطنية ، أو البرلمان الذي يكون له حق تقنين القوانين على ضوء الضوابط العامة والنظام العام ، أو نحو ذلك.

  إذن إن هذه العملية تتضمن عدة إجراءات لهدف معين نذكر حكم كل واحد مما سبق للوصول إلى الحكم العام وهو بيان حكم ذلك في ظل الاحتلال الأجنبي .

أولاً ـ إن الهدف من الانتخابات هو وصول أشخاص قادرين على الدفاع عن مصالح الدين والوطن إلى المجلس النيابي أو البرلمان ، أو الجمعية الوطنية لتحقيق أغراض سياسية معينة .

  وبما أن هذا الهدف يتغير من شخص إلى آخر ، ومن مجموعة إلى مجموعة ومن حزب إلى حزب ، فيمكن أن يكون الهدف خيراً ، ويمكن أن يكون شراً ، ويمكن أن يكون لتحقيق مصلحة شخصية ، أو طائفية ، أو غير ذلك .

  فعلى ضوء ذلك يجب على الملتزمين والأحزاب الإسلامية والوطنية المخلصة أن يدخلوا هذه الانتخابات لترشيح من يحقق الهدف الخيّر ، والمصالح المعتبرة ، ويدرأ الشرور والفتن ، ويمنع الفساد والضرر بقدر الإمكان استدلالاً بجميع الآيات والأحاديث الكثيرة الدالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتغيير المنكر والفساد المتمثل في الاحتلال والقتل والخطف ، والفتنة الطائفية بالقدر المستطاع : ( من رأى منكم فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم ،        الحديث 49.

  فليس لتغيير المنكر مدى محدد ، بل يجب على كل إنسان أن يقوم بقدر استطاعته الاستطاعة حتى ولو كانت أقل من 1% لهذا الحديث السابق ولقوله تعالى:(فاتقوا الله ما استطعتم) سورة التغابن الآية 16 .

  ثم إن هذا من باب الولاية بين المسلمين فلا يجوز تركها لقوله تعالى:(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) سورة التوبة الاية 71 ، ولذلك يلعن الله من يترك هذه الولاية فقال تعالى : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) سورة المائدة الآية 87-79 ، وأنه بدونها لا يكون هناك نجاة للأمة فقال تعالى : ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) سورة لأعراف الآية 165 .

  ثم بين الله تعالى أن هذه الولاية والموالاة بين المؤمنين في مقابل موالاة جماعية منظمة كافرة أو منافقة مما يجعل هذه الموالاة بين المؤمنين ضرورة يقتضيها الواقع وإلاّ قضى عليهم الكفرة ، والمنافقون والفسقة ، فقال تعالى : ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) سورة التوبة  الآية 67 ، ويقول مبيناً خطورة عدم فعل ذلك:(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) سورة لأنفال الآية 73 .

  فهذه الآية تدل بوضوح على ان المؤمنين والمؤمنات إذا تحققوا فيما بينهم تلك الولاية يكون على أقل تقدير مثل ولاية الكفرة والمنافقين فيما بينهم يحدث فساد كبير ، وفتنة عظيمة للدين والدنيا ، وبالتالي فإن مصالح الأمة تقتضي تحقيق هذه الولاية من خلال منع المنكر والشر والفساد والفتنة بقدر الاستطاعة ، وتحقيق الخير والمصالح والمنافع للجميع ، وذلك لأن المجتمع المعادي للإسلام والخير لا يتحرك كأفراد ، وإنما يتحرك ككائن عضوي تندفع أعضاؤه بطبيعة وجوده وتكوينه فهم بعضهم أولياء بعض طبعاً وحكماً ، ومن ثم لا يملك المسلمون مواجهة هذا التحدي وهذه الحركة المنظمة التي معها الكفر العالمي كله إلاّ من خلال حركة منظمة ، وبكائن واحد له تخطيطه ورؤيته ونظرته إلى المستقبل ، وإلاّ فيقع الفساد في الأرض بطغيان أهل الباطل ، وفتن كقطع الليل المظلم تؤثر في مسيرة الخير ، وقد تنقله من خير إلى شرّ ، ومن إيمان إلى كفر ( يصبح فيها مؤمناً ويمسي كافراً) .

  وتدل الآية بوضوح على أن المؤمنين إذا لم يفعلوا ذلك فسوف ينالهم جزاء فعلهم في الدنيا والآخرة بطغيان أهل الباطل واستعلائهم عليهم وبالتالي افتتانهم في دينهم وتعذيبهم في دنياهم ، إضافة إلى أنهم يستحقون عذاب الله ولعنته ، لأنهم تركوا أمر الله تعالى في ذلك .

ثانياً ـ إن أهم إجراء في الانتخابات هو القيام بإدلاء صوتك لمن ترضاه .

  هذا الإجراء هو نوع من الشهادة ، بل هو شهادة بالحق أو بالباطل ، والشهادة في الأمور العامة واجب بيانها والادلاء بها ، وان كتمانها إثم مبين ومعصية فقال تعالى : (وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) سورة البقرة الآية 283 . وجوب شهادة الحق ، وليست شهادة الزور :
  ولذلك يجب على كل مسلم أن يعطي صوته لمن يثق فيه بدينه وأمانته فصوتك الذي يعطى لشخص يعني أنك تشهد أمام الله تعالى وأمام الأمة ان فلاناً صالح لحمل الأمانة ، فإذا كان كذلك فأنت مأجور ، وإلاّ فأنت آثم ، وأن شهادتك هي شهادة الزور التي تعتبر من أكبر الكبائر حيث نفى الله تعالى عن المؤمنين شهادة الزور فقال تعالى في وصف عباد الرحمن : )وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً) الفرقان الآية 72 ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ( ألا أنبئكم باكبر الكبائر ـ ثلاثاُ ـ الاشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، ألا وشهادة الزور ، وقول الزور ، وكان متكئاً فجلس ، فما زال يكررها حتى قلنا : ليته سكت ) رواه البخاري ومسلم والترمذي ، وروى أبو داود ، والترمذي وابن ماجه ، وأحمد بسندهم عن خريم بن مالك قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ، فلما انصرف قام قائماً فقال : ( عدلت شهادة الزور بالاشراك بالله ، ثلاث مرات،ثم قرأ (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) سورة الحج  الآية 30. 

ثالثاً : إن الظروف قد تغيرت ، فأصبح العالم يتجه نحو الحرية السياسية وإتاحة الفرصة للشعوب وإن كانت قليلة ، وهذا مقصد شرعي مطلوب في الإسلام ، اذ أن الإسلام يقف ضد الظلم والاستبداد والدكتاتورية وقفة لا مساومة فيها فقد استعرض القرآن تأريخ المستبدين أمثال الفراعنة والطغاة والظلمة فقال تعالى : ( ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصبّ عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد) سورة الفجر الآيات 6-14  وبين القرآن نتائج أعمال هؤلاء المستبدين على شعوبهم وأقوامهم بالفساد والهلاك .

  لذلك فالإسلام مع العدل أينما كان ومع كرامة الإنسان وحريته والحفاظ على عرضه وشرفه وكيانه وجميع ضرورياته وحاجياته ـ كما هو معروف ـ .
  ومن هنا فإن البرلمان ( أو الجمعية الوطنية ) هو منبر من أخطر المنابر تأثيراً في مستقبل الأمة والشعب ، فهو الذي يقر القوانين والتشريعات شئنا أم أبينا .

  لذلك فالعمل النيابي هو أسلوب من أساليب ما يمسى في الإسلام بالحسبة ، ومنبر من منابر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فهو تحقيق لهذا الأسلوب الذي من أهم خصائص هذه الأمة وسبب وصفها بالخيرية ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) سورة آل عمران الآية 110 ، وأنه واجب شرعي على كل من هو قادر عليه ، فلا يعذر بتركه .

رابعاً ـ ان العمل النيابي هو باب من أبواب الدعوة إلى الله تعالى ، وإلى بيان الإسلام الحقيقي الذي يحاول أعداؤه تشويه صورته الناصعة ، كما أنه بيان لصلاحية الإسلام لكل الظروف والأحوال من خلال استعراض نظمه وتشريعاته الشاملة لكل مناحي الحياة .

  فبالرلمان فيه المناقشات والحوارات البناءة والاحتكاك بالآخرين لذلك فهو من أقوى المنابر وأكثرها تأثيراً في إيصال الصوت الإسلامي ، وعرض مبادئ الإسلام العظيمة وقواعده وأحكامه إلى الآخرين على مختلف طوائفهم ومذاهبهم ومواقفهم العلمية .

خامساً : أن من المبررات الشرعية أيضاً ـ كما يقول كثير من العلماء المعاصرين المجيزين ـ أن المشاركة النيابية من شأنها توفير الكثير من الفرص لتحقيق مصالح الناس ، ودرء مفاسد عنهم ، وأن من شانها تحقيق الإنماء المتوازن والإعمار المتوازن ، وتكافؤ الفرص أمام الجميع .

سادساًَ : إن مشاركة المخلصين في المجالس التشريعية تنتقل بالمنهج الإسلامي من الجانب النظري التجريدي إلى المستوى العملي التجريبي ، كما أنها تساعد المشروع الإسلامي بأصالته ونقائه ، ومرونته ، وخصائصه المختلفة ، ولا سيما بعد ما أصابه من تشويه مفتعل ودخيل من خلال ممارسات غير حكيمة ، كما أنها تنتقل بالعمل الإسلامي من إطار الشريحة التنظيمية إلى إطار الحالة الجماهيرية ، وتعبئة الفراغ الذي تركه سقوط التيارات العلمانية ، إضافة إلى أنها تساعد على استيعاب الصحوة الإسلامية في إطار العمل المؤسسي ، والتدريب على تطبيق الإسلام ، وطرحه كبديل حضاري وتشريعي للبشرية برمتها ، فلم يعد مقبولاً أن تبقى الساحة الإسلامية بعيدة عن موقع القرار وبالأخص القرار التشريعي .

  كل ذلك يفرض على الساحة الإسلامية بكل فصائلها وعلى جميع المخلصين لدينهم ووطنهم أن لا يتركوا هذا المجال المهم ، فعليهم القيام بطرح مشروع إسلامي ووطني واحد لمواجهة عربدة المشاريع الأجنبية المعادية للدين والوطن .

سابعاً : إن المقاطعة لهذه الانتخابات ـ مهما كانت ـ ستترتب عليها مفاسد كبيرة وأضرار جسيمة ، وفتن خطيرة ـ كما شاهدنا في مقاطعة العرب السنة في يناير 2005م.
  وإن مقاطعة هذه الانتخابات الحالية ستتربت عليها مفاسد أكبر ، وذلك لأنها تؤدي إلى حكومة دائمة وبرلمان منتخب دائم يصدر أكثر من خمسين قانوناً مفصلاً لمواد الدستور العراقي ، فإذا غاب عنها المخلصون فستكون لها آثار مدمرة على مستقبل العراق .

  ومن الناحية الشرعية فلا يجوز السكوت على الحق ، والساكت عن الحق شيطان أخرس ، فوصول المخلصين إلى البرلمان يكون بمقدورهم درء مفاسد كبيرة ، ومنع القوانين الجائرة ، وإصدار قوانين في جميع المجالات المؤثرة ، ومواجهة المشروعات الأمريكية والصهيونية ، ووقف زحف العولمة الفكرية ، والتربوية ، والحدّ من التداعيات الأخلاقية وكبح جماح ظواهر التحلل ، وتعاطي الخمور والمخدرات وغير ذلك . 

الانتخابات في ظل الاحتلال :
  من الناحية الشرعية فإن واجبات الإصلاح ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لن تسقط بالاحتلال ، بل تزداد أهميتها درءاً للمفاسد الكبرى ، وتحقيقاًَ للمصالح العليا ، ولذلك أمرنا الله تعالى بالتعاون فيما بيننا على الخير ، فقال تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) سورة المائدة الآية 2 ، فالمهم أن يكون تعاوننا مع البعض على الخير والبر والتقوى والمصالح ، ولا يكون على الاثم والعدوان ، مهما كانت الأمور ومهما كانت الظروف والأحوال .

  إن مسألة المشاركة السياسية في ظل الاحتلال الأجنبي خاضعة لمقاصد الشريعة في رعاية المصالح ودرء المفاسد ، والموازنة بينهما ، ودرء الضرر الأشد ولو بتحمل الضرر الأخف ، إضافة إلى الاستئناس بصلح الحديبية الذي قبله الرسول صلى الله عليه وسلم على الرغم مما فيه من إجحاف واعتساف ، حيث طلب ممثل قريش أن يمحى لفظ (رسول الله) من الوثيقة فوافق الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما تضمن الصلح أن يرد كل من يلتحق به من قريش من المسلمين في حين لا ترد قريش إليه من ارتد عن الإسلام ، وهكذا ، ومع ذلك سماه الله فتحاً واستفاد منه المسلمون حيث جاؤوا في صلح حديبية عام 6هـ وعددهم في حدود 1500 شخص ، وبعد عامين جاؤوا لفتح مكة وعددهم عشرة آلاف مقاتل ، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم عرض عند  غزوة الأحزاب أن عطي لغطفان ثلث ثمار المدينة تخفيفاً لحدّة الحملة عليها.
  والمقصود مما ذكر ومن غيره أن القاعدة الأساسية في هذه المسألة هي رعاية المصالح ودرء المفاسد ، وأنه لا يوجد نص شرعي يمنع المشاركة السياسية في ظل الاحتلال ، بل الأدلة الشرعية تدل على ضرورة أن لا يغيب المخلصون عن الساحة حتى لا تترتب على ذلك مفاسد كبيرة تلحق بهم وبمستقبل العراق ، وحتى يتحقق التوازن بين جميع أطياف العراق .

  وهناك سوابق في تأريخنا الإسلامي في الأندلس إبان احتلاله ، وفي الشام والعراق إبان غزو المغول والتتر أفتى المحققون من العلماء بجواز تقلد مناصب القضاء ونحوه في ظل حكمهم الباطل رعاية لمصالح الأمة ، مثل الإمام المازري (ت536) الذي أفتى بتنفيذ قضاء حاكم ولاه الكافر ، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ، وغيرهم حتى ادعى بعضهم أن هذا واجب (يراجع : المعيار المعرب (2/90-106) وفتوى المازري ، تحقيق د.عبالمجيد تركي) .
   وبضرورة المشاركة السياسية صدرت فتاوى من علماء المسلمين المعاصرين المجاهدين الذين جاهدوا ضد الاحتلال الأجنبي ، ومع ذلك أفتوا بضرورة المشاركة السياسية ، وهذا ما أفتى به العالم الجزائري المجاهد الشيخ إبراهيم البشير ، والشيخ العلامة السيد رشيد رضا ، وغيرهما .

  فالمشاركة السياسية هي في حقيقتها جزء مهم من المقاومة التي لا تنحصر في دائرة القتال فقط ، بل إن أي جهد عسكري دون تنسيق مع الجهد السياسي لن يجني ثماره .

  وهذه المشاركة والتعاون على الخير ، بل وتقديم الخير للشعب حتى في ظل دولة كافرة وحكومة ظالمة هي سنة الأنبياء والمرسلين ، كما فعله سيدنا يوسف عليه السلام حيث قدم أحسن خدماته وأفكاره لخدمة الشعب المصري من خلال تفسيره للرؤيا حيث أنقذ بذلك الشعب المصري الذي لم يكن مسلماً في ذلك الوقت ولا حكومته مسلمة أيضاً ، بل كانت  دولة كافرة محتلة لمصر في ذلك الوقت حيث قال الله تعالى : ( مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ ) سورة يوسف من الآية76 فدين الملك كان غير دين الإسلام ، ولم يكتف سيدنا يوسف بتقديم هذه الخدمة الجليلة العظيمة ، وإنما طلب أن يكون وزيراً لأهم وزارة في ذلك الوقت وهي وزارة المالية والخزانة والتوزيع والشؤون الاجتماعية .

  ومن هنا فإننا نرى أن المشاركة السياسية بصورة عامة ، وفي العراق بصورة خاصة فريضة تدل عليها الأدلة الشرعية المعتبرة ومقاصد الشريعة ، وفقه المآلات وسد الذرائع. وضرورة يفرضها الواقع الذي شوهد عند المقاطعة وينتظر أن تكون آثار هذه المقاطعة أخطر من السابق ، هذا والله أعلم .

  علماً بأن الفتوى بجواز المشاركة في الانتخابات ـ بصورة عامة ـ هي فتوى معظم العلماء المعاصرين أمثال الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي ، والعلامة الشيخ ابن باز رحمه الله ، وفضيلة الشيخ فيصل مولوي ، والشيخ فتحي يكن وغيرهم .هذا والله أعلم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

كتبه الفقير إلى ربه
أ.د. علي محيى الدين القره داغي