كتاب جديد لفضيلة الدكتور علي القره داغي حول (فقه التعامل عند الإساءة إلى المقدسات الإسلامية) يتناول فيه المبادئ العامة والأحكام المتعلقة بالأقليات الإسلامية والمستنبطة من قصة سيدنا يوسف عليه السلام، ويتناول الكتاب ايضا فقه المواطنة باعتباره مدخلاً للتعايش ومنطلقاً للاندماج الايجابي .وكذلك فقه التعامل مع الآخر عند الاساءة إلى المقدسات الإسلامية

ويقول فضيلته في مقدمة الكتاب : إن المسلمين اليوم – داخل العالم الإسلامي وخارجه – يمرون بمرحلة دقيقة وخطيرة ، ويعانون من الضعف والداخلي ، والتفرق ، والتمزق ، ومن الأفكار المتطرفة يميناً ، أو يساراً ، إفراطاً وغلواً وتشدداً ، أو تفريطاً وتقصيراً وانصهاراً ، وما ترتب على هذا الانحراف من جادة الوسط من سلوكيات شائنة ، وأنشطة وجرائم خطيرة ، حيث بدأت الانحرافات في الجانب الإفراطي بالتبديع والتكفير ، وانتهى باستحلال الدماء والأعراض والتفجير.

ومما يجب التأكيد عليه أن أصحاب هذه الأفكار المنحرفة ليسوا أكثرية ، وإنما هم قلّة قليلة ، ولكن صوتهم عال ومرتفع بسبب الأحداث والتفجيرات التي لها دور في العالم ، وتضخيمها كذلك من الإعلام الذي لا يعلم حقيقة الإسلام ، أو يريد النيل منه لأي سبب كان.

وكذلك فإن الإرهاب لا دين له ، فلا يجوز تحميله على الإسلام ، كما لا يجوز تحميل الإرهاب الذي يقوم به بعض أصحاب الأديان على تلك الأديان أنفسها.

وإذا كنا نتحدث عن الإفراط والتفريط والتشدد في الشرق الإسلامي ، فإنه وجدت في الغرب مجموعة من الأعمال المتمثلة في الرسوم المسيئة والأفلام والمسرحيات والمقالات التي نالت من مقام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة للعالمين ، مما أدى إلى رد فعل دائر بين بين الالتزام بالمظاهرات والاعتصامات السلمية ، وبين العنف والدعوة إلى مقاطعة المنتجات ونحوها ، وانتهى مع الأسف الشديد إلى التفجيرات ، والقتل في فرنسا .

وأمام هذا الوضع ، أو النازلة الجديدة يحتاج المسلمون وبخاصة الأقلية الإسلامية في أوروبا وغيرها ، إلى الحكم الشرعي ، وموقف الإسلام الصحيح من نوعية الرد ، وكيفية التعامل والعلاج.

وقد كلفني المجلس الأوروبي للافتاء والبحوث بكتابة بحث حول هذا الموضوع ، مؤصل شرعياً ، وموصل بالواقع ، ومرتبط بالمقاصد والمآلات ، وقد استجبت لذلك بعد تردد كثير لخطورة الموضوع ودقته ، وعلاقته بمقام حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكن الذي شجعني على البحث هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد وجهت إليه مباشرة الاساءات المتمثلة بالاستهزاء والسخرية والكلمات السيئة والبذيئة ، بل والايذاء المادي والمعنوي ، من الجاهليين المشركين في مكة المكرمة ، ومن المنافقين في المدينة المنورة ، ومع ذلك صبر صبراً جميلاً وهجرهم هجراً جميلاً وصفح عنهم صفحاً جميلاً ، وأعرض عنهم فكفاه الله المستهزئين.

وسأتناول – بتوفيق الله تعالى – هذا الموضوع ، من خلال مبحث تمهيدي يتضمن بإيجاز ما يأتي :

1المبادئ والقواعد العامة والأحكام المتعلقة بالأقليات الإسلامية .

2المبادئ والقواعد العامة المستنبطة من قصة سيدنا يوسف عليه السلام ، حيث يعتبر قدوة للأقليات ، ومن المهاجرين في حبشة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم .

3فقه المواطنة باعتباره مدخلاً للتعايش ومنطلقاً للاندماج الايجابي .

وأما في المبحث الثاني فسنتحدث فيه عن فقه التعامل مع الآخر عند الاساءة إلى المقدسات الإسلامية حيث نبين المبادئ العامة الحاكمة فيه ، حق الإنسان في حرية التعبير ، موضحاً أسباب الاندفاع البعض نحو الاساءة ، ثم بيان الموقف الشرعي (التأصيل الشرعي) بالنسبة للمسلم الذي يعيش في البلاد غير الإسلامية ، والواجب الشرعي للأقلية المسلمة نحو الاساءات الموجهة للمقدسات ، وواجب الدول والعالم الإسلامي نحوها ، وضرورة وجود خطة استراتيجية هادئة وهادفة لمنع الازدراء بالأديان .

والله أسأل أن يكتب لي التوفيق فيما أصبو إليه ، مستغيثاً به تعالى أن يحقق لنا من الأهداف والغايات المرجوة من هذا البحث والمؤتمر ، ومتضرعاً إليه أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ، إنه مولاي فنعم المولى ونعم النصير .