الدوحة – بوابة الشرق
ألقى فضيلة الشيخ الدكتور علي القره داغي – الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ونائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث وأستاذ الاقتصاد الإسلامي – الأربعاء الماضي بحثه أمام المؤتمر العالمي العاشر لعلماء الشريعة حول المالية الإسلامية والمنعقد حالياً بالعاصمة الماليزية كوالالمبور تحت عنوان “تعزيز التواصل العالمي للصناعة المالية الإسلامية : الواقع والآفاق” .. وقدم فيه عرضا نقديا للمنتجات الموجهة لدعم التواصل العالمي (الصكوك، سوق السلع، إدارة السيولة، إعادة الشراء ونحوها) دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية – قال فضيلته عن الصكوك:
الموضوع الخامس: التحايل وسدّ الذرائع في الصكوك:
لا شك أن للصكوك الحقيقية دوراً عظيماً في تحريك الأسواق واستثمار الأموال ، وتحقيق السيولة والمساهمة في التنمية الشاملة، ولكنها أصاب بعضها ما أصابها من التحايل، فدفعها إلى الخروج عن مقاصدها الحقيقية، فأصبحت بمثابة سندات مع عناء كبير في إخراجها في مظهر الصكوك.
ومن المعلوم أن هناك فروقاً جوهرية بين الصكوك والسندات من أهمها أن الصكوك لا بد ّان تمثل ملكية للأعيان، أو المنافع ، أو الحقوق، وأن حملتها هم مالكون لها مباشرة، أو عن طريق شركات مملوكة لهم، أو وكيلة عنهم.. كما أن للصكوك مقاصد مهمة في المساهمة في التنمية الشاملة، ودعم النشاط الاقتصادي، وترسيخ الاقتصاد العيني والنفعي بحيث لا تكون مجرد ائتمان وعمل في دائرة الديون.
وقد وضع مجمع الفقه الإسلامي الدولي في قراره رقم 30(5/4) مجموعة من الضوابط لإجازة الصكوك، نوجزها فيما يأتي :
1- أن يمثل الصك ملكية شائعة في المشروع الذي أصدرت الصكوك لإنشائه أو تمويله، وتستمر هذه الملكية طيلة المشروع من بدايته إلى نهايته .
2- أن تتوافر الأركان والشروط المطلوبة في العقود التي قام الصك عليها، وأن تنتفى الموانع لصحتها، وأن تشتمل نشرة الإصدار على جميع البيانات المطلوبة شرعاً في تلك العقود.
3- أن لا يتم تداول الصكوك إلاّ بعد أن تتحقق الغلبة للأعيان والمنافع .
وبالتالي فلا يجوز تداول صكوك المرابحة، أو التي كان محلها الذهب، أو الفضة مطلقاً إلاّ بشروط عقود الصرف وبيع الديون.
4- أن يد المضارب، والشريك، والوكيل يد أمانة، ولا يضمن إلاّ بسبب من أسباب الضمان المشروعة.
5- لا يجوز أن تشمل الصكوك على نص بضمان المضارب لرأس المال (وكذلك الشريك والوكيل)، ويجوز لطرف ثالث أن يقدم ضمانات لرأس المال على أن يكون التزاماً مستقلاً عن عقد المضاربة.
6- لا يجوز أن تتضمن على نص يلزم بالبيع ولو كان معلقاً أو مضافاً للمستقبل، ولكن يجوز أن تتضمن وعداً ملزماً بالبيع بالقيمة المقدرة من الخبراء ويرضى بها الطرفان.
7- ولا يجوز أن تتضمن نصاً يؤدي إلى احتمال قطع الشركة في الربح، وإلاّ كان العقد باطلاً.
وقد فصّل هذه المعاني بصورة واضحة المعيار الشرعي الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، المعيار رقم 17 الخاص بصكوك الاستثمار كما أكده قرار المجلس الشرعي لـ AAOIFI، نذكره لأهميته:
أولاً: يجب أن تمثل الصكوك القابلة للتداول ملكية حملة الصكوك بجميع حقوقها والتزاماتها، في موجودات حقيقية من شأنها أن تتملك وتباع شرعاً وقانوناً، سواء أكانت أعياناً أم منافع أم خدمات، وفقاً لما جاء في المعيار الشرعي رقم (17) بشأن صكوك الاستثمار، بند (2) وبند 5\1\2. ويجب على مدير الصكوك إثبات نقل ملكية الموجودات في سجلاته وألا يبقيها في موجوداته.
ثانياً: لايجوز أن تمثل الصكوك القابلة للتداول الإيرادات أو الديون، إلا إذا باعت جهة تجارية أو مالية جميع موجوداتها، أو محفظة لها ذمة مالية قائمة لديها ودخلت الديون تابعة للأعيان والمنافع غير مقصودة في الأصل وفق الضوابط المذكورة في المعيار الشرعي رقم (21) بشأن الأوراق المالية.
ثالثاً: لا يجوز لمدير الصكوك، سواء أكان مضارباً أم شريكاً أم وكيلاً بالاستثمار أن يلتزم بأن يقدم إلى حملة الصكوك قرضاً عند نقص الربح الفعلي عن الربح المتوقع، ويجوز أن يكون احتياطي لتغطية حالة النقص بقدر الإمكان، بشرط أن يكون ذلك منصوصاً عليه في نشرة الاكتتاب. ولا مانع من توزيع الربح المتوقع تحت الحساب وفقاً للمعيار الشرعي رقم (13) بشأن المضاربة، بند 8\8. أو الحصول على تمويل مشروع على حساب حملة الصكوك.
رابعاً: لا يجوز للمضارب أو الشريك أو وكيل الاستثمار أن يتعهد بشراء الأصول من حملة الصكوك أو ممن يمثلهم بقيمتها الاسمية عند إطفاء الصكوك في نهاية مدتها ويجوز أن يكون التعهد بالشراء على أساس صافي قيمة الأصول أو القيمة السوقية أو القيمة العادلة أو بثمن يتفق عليه عند الشراء، وفقاً لما جاء في المعيار الشرعي رقم (12) بشأن الشركة (المشاركة) والشركات الحديثة، بند 3\1\6\2.، وفي المعيار الشرعي رقم (5) بشأن الضمانات، بند 2\2\1 و 2\2\2. علماً بأن مدير الصكوك ضامن لرأس المال بالقيمة الاسمية في حالات التعدي أو التقصير ومخالفة الشروط، سواء كان مضارباً أم شريكاً أم وكيلاً بالاستثمار.
أما إذا كانت موجودات صكوك المشاركة أو المضاربة أو الوكالة بالاستثمار تقتصر على أصول مؤجرة إجارة منتهية بالتمليك، فيجوز لمدير الصكوك التعهد بشراء تلك الأصول -عند إطفاء الصكوك- بباقي أقساط الأجرة لجميع الأصول، بإعتبارها تمثل صافي قيمتها.
ما يجوز في الصكوك
خامساً: يجوز للمستأجر في التعهد في صكوك الإجارة شراء الأصول المؤجرة عند إطفاء الصكوك بقيمتها الاسمية على ألا يكون شريكاً أو مضارباً أو وكيلاً بالاستثمار.
سادساً: يتعين على الهيئات الشرعية أن لا تكتفي بإصدار فتوى لجواز هيكلة الصكوك، بل يجب أن تدقق العقود والوثائق ذات الصلة وتراقب طريقة تطبيقها، وتتأكد من أن العملية تلتزم في جميع مراحلها بالمتطلبات والضوابط الشرعية وفقاً للمعايير الشرعية، وأن يتم استثمار حصيلة الصكوك وما تتحول تلك الحصيلة إليه من موجودات بإحدى صيغ الاستثمار الشرعية وفقاً للمعيار الشرعي رقم (17) بشأن صكوك الاستثمار، بند 5\8\1\5.
هذا ويوصي المجلس الشرعي المؤسسات المالية الإسلامية أن تقلل في عملياتها من المداينات، وتكثر من المشاركة الحقيقية المبنية على قسمة الأرباح والخسائر ، وذلك لتحقيق مقاصد الشريعة .وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين) .
وبناءً على ذلك فإن أي صك لا يحقق شرط تمثيل الصك للملكية، أو نحوها من الشروط الأساسية فإن ذلك الصك باطل، وأن أي وسيلة تؤدي إلى الالتفاف حول هذه الشروط والأركان فهي وسيلة محرمة يجب سدّها.
ونذكر هنا مجموعة من صور الصكوك التي لا تحقق هذه الأركان والشروط التي ذكرناها سابقاً:
(أ) الصكوك التي في جوهرها وحقيقتها لا تمثل الأعيان، أو المنافع، أو الحقوق المالية على سبيل الحقيقية، وإنما تمثل التزامات وديوناً، وبالتالي فهي في جوهرها سندات محرمة، لأنها تترتب عليها الزيادة التي هي الفائدة المحرمة، كما أنها يتم تداولها مع أنها تمثل الديون.
(ب) الصكوك التي تقوم على المضاربة، أو المشاركة أو الوكالة، والتي يشترط فيها استرداد القيمة الاسمية، وقد لا يعبر عن هذا الشرط، ولكن تذكر مادة ترتب استرداد القيمة الاسمية بعملية حسابية، أو أن يكون الاتفاق بسعر يحدده أحد الطرفين من خلال وعد ملزم، فهذا الشرط سواء كان منصوصاً عليه، أو مدلولاً عليه بأي لفظ هو شرط باطل يجعل العقد باطلاً أو فاسداً؛ لأن هذا الشرط يترتب عليه ضمان رأس المال في العقود المذكورة، وهذا مخالف للنصوص الشرعية والاجماع المنعقد على ذلك، كما أن ذلك يقطع المشاركة في باب الشركة والمضاربة، وهو أيضاً ممنوع، ولكن إذا كان الوعد بضمان القيمة الاسمية، أو أي قيمة محددة من طرف ثالث، فهذا جائز حسب القرار السابق لمجمع الفقه الإسلامي الدولي .
(ج) الصكوك القائمة على موجودات غير قابلة للبيع حسب قانون البلد، حيث صدرت صكوك على أساس المطار في دولة لا يجيز قانونها بيع المطار.
(د) عدم إخراج موجودات الصكوك من ملكية المصدر في ظل القوانين التي لا تعترف بملكية المنفعة، حيث إن القوانين الفرنسية، والقوانين العربية المنبثقة منها لا تعترف بالملكية النفعية، فإذا أصدرت الصكوك بناء على قانون لا يعترف بملكية المنفعة مثل القوانين الفرنسية والتي انبثقت منها فإن الذي سجل باسمه الأصل وهو المالك الحقيقي في القانون (على تفصيل ليس هذا محله).
(ه) الصكوك التي يلتزم فيها مصدر الصكوك، أو مديرها بالإقراض لحملتها عند نقصان رأس المال، أو الربح الفعلي عن المتوقع ثم يسترده فيما بعد من الأرباح التالية، أو عند شراء الصكوك عند اطفائها بقيمتها الاسمية، وحينئذ يحسب القرض منها.
وهذا النوع يجمع بين عقد قرض وعقد معاوضة، وهذا الجمع غير جائز لورود أحاديث صحيحة في النهي عن الجمع بين سلف وبيع كما أن هذا الشرط يقرب الصك عن السند تماماً من حيث ضمان رأس المال والفائدة..
فهذه الأنواع الخمسة ونحوها ممنوعة شرعاً، وبالتالي فأي وسيلة (من خلال العقود والوعود والشركات ذات الغرض الخاص) تؤدي إلى واحد منها فهي ممنوعة يجب سدّها، بل إن تلك الوسيلة داخلة في الحيل غير المشروعة.
الموضوع السادس: التحايل في العقود المركبة:
المراد بالعقود المركبة: كل منتج مالي يتكون من أكثر من عقد بحيث تُعدّ الحقوق والآثار الناشئة منه بمثابة آثار العقد الواحد سواء كان الترتيب بين تلك العقود بصيغة الجمع، أو التقابل .. وقد عبر فقهاؤنا عن ذلك بالجمع بين عقدين وضربوا له أمثلة للجمع الجائز كالجمع بين الإجارة والبيع، وللجمع غير الجائز كالجمع بين القرض والبيع، أو بيع الشيء نقداً بكذا، ونسيئة بكذا في صفقة واحدة، وكذلك بيع العينة . ولتركيب العقود أسباب قد تكون مقبولة شرعاً، مثل التقليل من المخاطر والتكاليف والتسويق، وقد تكون غير مشروعة كالتأحيل على أحكام الشريعة أو الذريعة إلى الربا كالجمع بين القرض والبيع.
وليس بالضرورة أن يكون العقد المركب من عقدين جائزين شرعاً يكون مشروعاً بل قد يكون غير مشروع مثل الجمع بين عقد معاوضة، وعقد سلف، وقد تكون مشروعة، كما أن هذه العقود التي تشكل عقداً واحداً قد تكون متجانسة مثل الجمع بين عقود المعاوضات المالية، أو التبرعات المالية، وحينئذ يكون الأصل فيها الجواز، وقد تكون غير متجانسة بأن تكون متناقضة، أو متعارضة مثل الجمع بين عقد البيع والقرض .
ضوابط صحة العقود المركبة :
يمكن ضبط العقود المركبة من حيث المشروعية والصحة، بما يأتي:
1- ألا يكون الجمع بين العقدين أو الأكثر منهياً عنه مثل النهي عن بيع وسلف.
2- ألا يكون بين العقود المجتمعة تضاد وتعارض .
3- ألا يُفضي التركيب إلى فعل محرم، أو ترك واجب[19].
تطبيقات العقود المركبة، والحيل:
إن للعقود المركبة تطبيقات كثيرة فهي موجودة في معظم المنتجات المالية الإسلامية مثل الإجارة المنتهية بالتمليك، والمشاركة المتناقصة، والبطاقات المصرفية بأنواعها الثلاثة، والمرابحات المركبة وغيرها، والذي يهمنا في هذا الموضوع هو التطبيقات التي تقوم على الحيل غير المشروعة، منها:
1- اشتراط القرض في الصكوك – كما سبق – وبعض المنتجات المالية القائمة على المعاوضة المالية.
2- التورق المنظم – كما سبق –
3- المرابحة العكسية – كما سبق –
4- قلب الدين في الدين أو فسخه فيه.