شؤون المقدسات:
بدا أن وتيرة الاعتداءات على المسجد الأقصى خلال شهر أيار/ مايو الماضي قد انخفضت مقارنة بشهر نيسان/ أبريل الذي سبقه، والذي تخللته الاحتفالات اليهودية بعيد الفصح، والتي رافقتها مجموعة من الاقتحامات للمسجد من قبل المتطرفين اليهود.
ومن أبرز الاعتداءات على المسجد الأقصى خلال شهر أيار/ مايو كان الإعلان الذي صدر على لسان مهندس البلدية العبرية في القدس في (23/5)، والذي أشار إلى وجود مخطط للاحتلال لاستكمال هدم طريق باب المغاربة لبناء جسر عسكري مكانه. حيث قال المهندس إن البلدية ستلجأ إلى اتخاذ إجراءات قضائية لهدم الجسر العلوي المؤقت قرب باب المغاربة إذا لم يقدم ما يسمى بـ “صندوق تراث حائط المبكى” على هدمه كونه يشكل خطراً على الجمهور.
ومن ضمن الاعتداءات كذلك فرض الاحتلال قيوداً على وصول المصلين إلى المسجد الأقصى يوم الجمعة (13/5)، ومنع الرجال الذين تقل أعمارهم عن 45 عاماً من دخول المسجد، كما فُرضت قيود على وصول المصلين إلى المسجد يوم الأحد (15/5)، وذلك ضمن مجموعة من الإجراءات الأمنية المشددة التي اتخذتها قوات الاحتلال في ذكرى النكبة. وقد تم خلال اليومين المذكورين اعتراض حافلات “مسيرة البيارق” التي يسيرها فلسطينيو 48 إلى المسجد الأقصى المبارك.
كما اقتحمت قوة من شرطة الاحتلال ساحات المسجد قبل منتصف ليل يوم الأحد (8/5)، وطالبت أحد حراس المسجد بفتح أبواب المكتبة “الختنية”، والتي تقع في الجهة الجنوبية من المسجد بدعوى التفتيش، وهددته بالاعتقال عند رفضه أوامرها. في حين أًلغت شرطة الاحتلال زيارة كانت مُقررة لعضو اليمين المتطرف من حزب الليكود “داني دانون” إلى المسجد الأقصى المبارك يوم الثلاثاء (10/5)، بمناسبة ما يسمى بـ”عيد الاستقلال”.
ومن أبرز الاعتداءات الإسرائيلية بحق المقدسات الإسلامية في المدينة، كان تحويل مسجد القلعة بباب الخليل في البلدة القديمة للقدس إلى متحف إسرائيلي تحت اسم “متحف قلعة داود”، وهو المكان الذي اختارته حكومة الاحتلال لعقد جلستها الحكومية التي أعلنت فيها عن خطتها لتهويد القدس تحت مسمى دعم المدينة.
من جهة أخرى، كررت قوات الاحتلال خلال شهر أيار/ مايو الماضي إغلاق مسجد ابن قدامة المقدسي الكائن في حي واد الجوز بالقدس، ثلاث مرات، وذلك في 5 و18 و22 من ذلك الشهر، وعلق جنود الاحتلال على بوابة المسجد قراراً بالإغلاق تضمن أن هذا المسجد كان في السابق يستخدم مقراً لحركة حماس ثم أغلق من قبل وزير الأمن الداخلي الصهيوني، وبعد إغلاقه جرى تحويل المكان إلى مسجد، ولكن قوات الاحتلال لم تقر بذلك وأصرت على إغلاقه بالذريعة السابقة التي انتفت من المكان. ويُشار إلى أن أهالي الحي كانوا قد افتتحوا المسجد بحضور مسؤولي الأوقاف في الحي خلال شهر نيسان/ أبريل الماضي، وذلك في أحد الطوابق في عمارة سكنية مغلقة منذ عام 2001، بهدف خدمة أهالي الحي وحماية المكان من عبث الشبان الذين يترددون إليه لشرب الكحول.
شؤون المدينة:
خلال شهر أيار/ مايو شرعت بلدية الاحتلال وما تسمى “شركة تطوير القدس” بإزالة بعض معالم منطقة باب العامود، حيث عملت على تجريف وإزالة أشجار الزيتون ومعالم من المنطقة المقابلة لمغارة سليمان، تمهيداً لإقامة موقف للحافلات السياحية الزائرة للمغارة، بعدما وضعت سياجاً حديدياً حول منطقة العمل، التي تمتد من منطقة باب العامود وحتى مغارة سليمان بشارع السلطان سليمان وقبل باب الساهرة.
كما بدأت البلدية بإنشاء حديقة تلمودية بجانب باب الساهرة وفي المنطقة المُقابلة لمدرسة الرشيدية، بعدما أزالت كل الأشجار من المنطقة وهيّأت بنيتها التحتية، لإنشاء حديقة تلمودية أخرى في سلسلة الحدائق التي بدأت تنفيذها في إطار إضفاء طابع تلمودي يهودي على سور القدس التاريخي وعلى المنطقة.
ومن جهة أخرى، تقدمت عضو الكنيست الإسرائيلي تسيبي حوطوبلي من حزب الليكود، يوم الإثنين (30/5)، باقتراح قانون لتهويد أسماء الأحياء العربية في القدس المحتلة، ومنع استعمال الأسماء العربية في الوثائق ووسائل الإعلام الرسمية. وحسب الاقتراح، فإن القانون سيشمل الأحياء التي يستوطن فيها اليهود، ويلزم بلدية الاحتلال بتغيير الأسماء واللافتات وتمنع من استعمال الأسماء العربية. وعلى سبيل المثال، فإن اسم ابو ديس سيتحول إلى “كدمات صهيون” وحي الطور سيصبح “تل حنانيا” وراس العامود “معاليه زيتيم”.
شؤون أهل المدينة:
تم خلال شهر أيار/ مايو عقد أول جلسة للمحكمة العليا الإسرائيلية للنظر في الالتماس الذي قدمه نواب القدس ووزيرها السابق ضد قرار سحب هويات الإقامة من المقدسيين منذ عام 2006، وقد أجلت المحكمة في جلستها التي انعقدت في (17/5) النظر في القضية.
كما أجلت محكمة الاحتلال المركزية البت بقرارات هدم أكثر من 88 منزلاً، هي مجموع منازل حي البستان ببلدة سلوان جنوب الأقصى المبارك، وذلك إلى يوم (22/6). وكانت المحكمة عقدت جلستين للنظر في القضية في 11 و24/5، طلبت في الأولى من سكان الحي وبلدية الاحتلال التوصل إلى اتفاق يقضي بتأجيل عملية الهدم لمدة عام، إلا أن البلدية أعلنت في الجلسة التالية رفضها التوصل إلى اتفاق مع محامي حي البستان في سلوان بهذا الخصوص.
وفي سياق متصل، أنذرت سلطات الاحتلال 50 عائلة تضم أكثر من 450 مواطناً من عشيرة الصرايعة في وادي أبو هندي جنوب شرق مدينة القدس المحتلة بمغادرة المدينة والرحيل عنها خلال أسبوعين، مع الإشارة إلى أن مجموع الإنذارات التي تلقتها عشيرة الصرايعة طالت جميع أبناء العشيرة التي تقطن في وادٍ يفصل بين مستوطنتي “كيدار” و”معاليه أدوميم”.
واضطر المواطن المقدسي محمود عرامين يوم السبت (28/5) لهدم منزله الكائن في حي واد الجوز بالقدس بنفسه، تنفيذاً لقرار محكمة بلدية الاحتلال التي كانت قد هددته بالسجن الفعلي لمدة ستة شهور ودفع غرامة مالية باهظة جداً إذا لم يقم بتنفيذ القرار حتى نهاية الشهر.
ومن جهة أخرى، شهد شهر يوم (30/5) تطوراً ملفتاً للانتباه، تمثل في عقد لجنة الشؤون الداخلية في الكنيست جلسة استماع خاصة للاستماع إلى مقدسيين عرب قالوا إنهم لا يريدون أن يصبحوا تحت حكم السلطة الفلسطينية، معظمهم من الضواحي والقرى التي قسّمها جدار الفصل العنصري وعزلها عن القدس، حيث تمارس سلطات الاحتلال سياسة التهميش في هذه المناطق التي لا تخطط لضمّها إلى القدس الكبرى، والتي لا تحظى بالاهتمام الكافي من السلطة الفلسطينية.
وقد صدرت خلال شهر أيار/ مايو عدة تقارير مرتبطة بأوضاع المقدسيين، من أبرزها تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا”، اتهم سلطات الاحتلال بانتهاج سياسة تؤدي إلى تهجير الفلسطينيين من شرق القدس. وجاء في التقرير أن هذه السياسة تهدد وجودهم فيها على المدى الطويل.
في حين أشار تقرير آخر صادر عن مؤسسة “المقدسي” إلى أن سلطات الاحتلال سحبت 14526 تصريح إقامة من مواطنين مقدسيين منذ العام 1967.
كما ذكر تقرير أعدته جمعية حقوق المواطن في القدس المحتلة أن المدينة شهدت منذ بداية عام 2010 الماضي، تصاعداً ملحوظاً في عدد المواجهات والاحتكاكات بين سكانها الفلسطينيين وشرطة الاحتلال، وبخاصة في بلدتي سلوان والعيسوية شرقي المدينة، رافقه استخدام مبالغ فيه للقوة من قبل الشرطة. وبحسب التقرير الذي نشرت معطياته صباح يوم الثلاثاء (31/5)، فإن سلطات الاحتلال أقدمت منذ بداية العام الفائت، على التحقيق مع نحو 1200 طفل مقدسي، حيث تم اعتقال حوالي 760 منهم، وتم تمديد فترة اعتقال 226 منهم وقدّمت لوائح اتهام رسمية ضدهم.
شؤون الاحتلال:
شهد شهر أيار/ مايو تصعيداً كبيراً في المواقف السياسية للاحتلال بخصوص هوية مدينة القدس والخطط المعلنة لتهويدها، حيث أعلنت حكومة الاحتلال في (29/5) عن خطة لتهويد المدينة على مدى خمس سنوات، بقيمة تبلغ حوالي 83 مليون دولار، تحت مسمى دعم اقتصاد مدينة القدس. وقد تم هذا الإعلان خلال في جلسة حكومية احتفالية عقدتها حكومة الاحتلال في مسجد قلعة داود في منطقة باب الخليل الملاصق لأسوار البلدة القديمة، والذي هودته وحولته إلى متحف تحت اسم متحف “قلعة داوود”.
وتتضمن الخطة تخصيص مبلغ 42 مليون دولار لما قيل إنه “استثمار في المجال السياحي”، كتطوير “البنية التحتية” لمدينة القدس، وتطوير ما يعرف بمشروع “الحائط الغربي”، وهو مخططً لتهويد منطقة حائط البراق بالمسجد الأقصى. إلى جانب مبلغ تصل قيمته إلى 21.5 مليون دولار، ستخصصه وزارة السياحة لتشجيع بناء الفنادق في مدينة القدس، بدعوى زيادة عدد الغرف الفندقية المتوافرة في المدينة. وتخصيص مبلغ 20.5 مليون دولار لإقامة مؤسسات بحثية وتطوير مختبرات علمية في المدينة، وهو ما سيتطلب إنشاء مبانٍ جديدة لهذا الغرض. بالإضافة إلى تخصيص “ميزانية تكميلية” تصل إلى 20.26 مليون دولار، لإنشاء مشاريع إضافية، كمساكن للطلبة الجامعيين ومدينة أكاديمية ومرافق عامة ومشاريع أخرى، والتي قيل إنها تستهدف “استقطاب أشخاص منتجين اقتصادياً” للإقامة في مدينة القدس.
كما كانت هناك عدة تصريحات لسياسيين إسرائيليين حول رفض تقسيم القدس والإصرار على بقائها موحدة تحت السيادة الإسرائيلية، والإصرار على مواصلة البناء الاستيطاني فيها ورفض أي تجميد ولو مؤقت للاستيطان. وجاء أبرز تلك التصريحات على لسان رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في كلمة له أمام الكنيست، و في كلمته أمام الكونجرس الأمريكي وكلمته أمام الآيباك خلال زيارته لواشنطن، وفي جلسة حكومة الاحتلال في مسجد قلعة داود، والتي شدد فيها جميعاً على أن مدينة القدس ستبقى موحدة تحت السيادة الإسرائيلية. كما جاءت على لسان وزير خارجية الاحتلال أفيغدور ليبرمان الذي قال إنه لن يكون هناك أي تجميد للاستيطان في مدينة القدس “ولا حتى لثلاث ساعات”، والنائب الليكودي داني دانون الذي طالب نتنياهو بمواصلة الاستيطان في القدس، ورئيس بلدية لاحتلال نير بركات، الذي شدد أن أعمال البناء والتوسع الاستيطاني متواصلة في كافّة أنحاء مدينة القدس، بغض النظر عن الوضع السياسي الراهن.
وبموازاة تلك التصريحات، أظهر استطلاع للرأي العام في دولة الاحتلال أن غالبية الصهاينة يعارضون تجميد الاستيطان في شرق القدس، أو تسليم أية أجزاء من المدينة للفلسطينيين. حيث أظهر الاستطلاع معارضة 73% من المستطلعين فكرة الإشراف الدولي على الأماكن المقدسة في شرق القدس ضمن إطار اتفاق سلام مع الفلسطينيين، كما أظهر معارضة 67% منهم تجميد الاستيطان في شرق القدس، ومعارضة 66% منهم تسليم أية أجزاء من مدينة القدس لتصبح جزءاً من الدولة الفلسطينية.
وبالإضافة إلى ما تقدم، فقد شهد شهر أيار/ مايو مجموعة من الإجراءات الفعلية التي اتخذها الاحتلال، والتي تعزز من سيطرته على المدينة، وتكثف الاستيطان فيها؛ حيث صادقت اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء في (19/5) على مخطط لبناء 1550 وحدة استيطانية جديدة في شرق القدس في مستوطنتي هار حوما (930 وحدة) وبسغات زئيف (620 وحدة)، وأعلن الاحتلال عن توسيع منطقة نفوذ بلدية القدس، وذلك بعد الاستيلاء على 290 دونماً من أراضي المواطنين الفلسطينيين القريبة من مستوطنة رامات راحيل، وضمها للمدينة. وقد أشار رئيس بلدية الاحتلال إلى أنه من المقرر أن تُقام على هذه الأراضي 1600 وحدة استيطانية جديدة، في إطار خطة البلدية لإنشاء 50 ألف وحدة استيطانية جديدة.
وتم أيضاً تدشين حي استيطاني جديد في رأس العامود في شرق القدس، يطل مباشرة على المسجد الأقصى، ويسمى “معاليه زيتيم” (التي تعني بالعبرية مرتفعات الزيتون)، بمشاركة وزراء ورئيس وأعضاء الكنيست من اليمين. كما بدأت أعمال حفر الأساسات لإقامة مستوطنة على أنقاض فندق شيبرد في حي الشيخ جراح بالقدس، حيث سيتم بناء 33 وحدة استيطانية كمرحلة أولى من أصل 70 وحدة استيطانية.
وفي سياق موازٍ شرع الاحتلال ببناء مقطع من جدار الفصل العنصري في قرية قلنديا شمال مدينة القدس، يعمل على عزل القرية من جميع الجهات على شكل “غيتو” محاط بجدار أسمنتي، وفيه ممران أحدهما باتجاه مدينة رام الله والآخر باتجاه بلدة بيرنبالا.
من جهة أخرى، شهد شهر أيار/ مايو احتفالات استفزازية صاخبة في المستوطنات والبؤر الاستيطانية في القدس بمناسبة ما يسمونه “عيد الاستقلال”، تخللتها ممارسات استفزازية وهتافات عنصرية وشتائم ضد الفلسطينيين والعرب. كما قامت جماعة يهودية متطرفة تنتمي لحركة “إسرائيل يهودية” بحرق العلم الفلسطيني ورفع الرايات والأعلام الإسرائيلية على مدخل مدينة القدس المحتلة في (19/5)، مرددة هتافات عنصرية معادية للعرب، وداعية إلى تهجير الشعب الفلسطيني وإبادته.
التطورات السياسية والأمنية:
التطورات الأبرز في هذا السياق كانت المواجهات التي شهدتها أحياء شرق القدس ومعبر قلنديا شمالها في الذكرى الثالثة والستين للنكبة، والتي ترافقت مع إجراءات أمنية مشددة للاحتلال في المدينة ومحيطها، والتي أسفرت عن استشهاد الفتى ميلاد عياش متأثراً بإصابته برصاص قوات الاحتلال في المواجهات التي اندلعت في سلوان يوم الجمعة (13/5)، كما أسفرت عن إصابة العشرات، واعتقال حوالي 120 مقدسياً بينهم أطفال.
الفعاليات التضامنية:
من أبرز الفعاليات التضامنية خلال شهر أيار/ مايو كانت حملة “فلنشعل قناديل صمودها المقدسية” النقابية الأردنية، التي هدفت إلى جمع التبرعات والدعم المادي من أجل دعم صمود أبناء مدينة القدس في مواجهة سياسات الاحتلال. وقد أعلنت الحملة التي أطلقتها نقابة المهندسين عن جمع مبلغ 310 آلاف دولار لترميم عدد من المشاريع والمنازل في مدينة القدس.
كما أُعلن في العاصمة الأردنية عمان عن تأسيس الصندوق العربي لحماية القدس، الذي تقدمت نقابة المهندسين الأردنيين بمقترح تأسيسه خلال اجتماع المجلس الأعلى لاتحاد المهندسين العرب في دورته السابعة والستين التي عقدت في تونس تشرين ثاني (نوفمبر) الماضي. ويهدف الصندوق لدعم صمود أبناء مدينة القدس، مادياً ومن خلال تنفيذ بعض المشاريع في المدينة ؛ حيث سيعنى بترميم البيوت في البلدة القديمة.
وأعلن خلال شهر أيار/ مايو عن توقيع مؤسسة التعاون في القدس مذكرات تفاهم مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، لتقديم منح للمؤسسة بقيمة إجمالية تصل إلى 27 مليون دولار، كدعم موجه للنهوض بالعملية التعليمية في القدس، وتدريب وتشغيل الشباب المقدسي وعدد من مشاريع الأعمال، ولتوفير وحدات سكنية وترميم مباني القدس التاريخية.
تقرير القدس الاخباري