إذا كان القول: الإرهاب لا دين له، فإنه لا يجوز تحميل هذا الإرهاب للإسلام، كما لا يجوز تحميل الإرهاب الذي يقوم به بعض أصحاب الأديان على تلك الأديان أنفسها، وإذا كنا نتحدث عن الإفراط والتفريط والتشدد في الشرق الإسلامي، فإنه وجدت في الغرب مجموعة من الأعمال المتمثلة في الرسوم المسيئة والأفلام والمسرحيات والمقالات التي نالت من مقام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة للعالمين، سوف نتناول في هذا البحث المبادئ والقواعد العامة والأحكام المتعلقة بالأقليات الإسلامية، والمبادئ والقواعد العامة المستنبطة من قصة سيدنا يوسف عليه السلام، حيث يعتبر قدوة للأقليات، ومن المهاجرين في حبشة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم. فقه المواطنة، باعتباره مدخلاً للتعايش ومنطلقاً للاندماج الإيجابي.

ثم نتحدث عن فقه التعامل مع الآخر عند الإساءة إلى المقدسات الإسلامية، حيث نبين المبادئ العامة الحاكمة فيه، حق الإنسان في حرية التعبير، موضحاً أسباب الاندفاع البعض نحو الإساءة، ثم بيان الموقف الشرعي (التأصيل الشرعي) بالنسبة للمسلم الذي يعيش في البلاد غير الإسلامية، والواجب الشرعي للأقلية المسلمة نحو الإساءات الموجهة للمقدسات، وواجب الدول والعالم الإسلامي نحوها، وضرورة وجود خطة استراتيجية هادئة وهادفة لمنع الازدراء بالأديان.

إن المسلمين اليوم – داخل العالم الإسلامي وخارجه – يمرون بمرحلة دقيقة وخطيرة، ويعانون من الضعف والداخلي، والتفرق، والتمزق، ومن الأفكار المتطرفة يميناً أو يساراً، إفراطاً وغلواً وتشدداً، أو تفريطاً وتقصيراً وانصهاراً، وما ترتب على هذا الانحراف من جادة الوسط من سلوكيات شائنة، وأنشطة وجرائم خطيرة، حيث بدأت الانحرافات في الجانب الإفراطي بالتبديع والتكفير، وانتهى باستحلال الدماء والأعراض والتفجير.

ومما يجب التأكيد عليه أن أصحاب هذه الأفكار المنحرفة ليسوا أكثرية، وإنما هم قلّة قليلة، ولكن صوتهم عال ومرتفع بسبب الأحداث والتفجيرات التي لها دور في العالم، وتضخيمها كذلك من الإعلام الذي لا يعلم حقيقة الإسلام، أو يريد النيل منه لأي سبب كان.

وكذلك فإن الإرهاب لا دين له، فلا يجوز تحميله على الإسلام، كما لا يجوز تحميل الإرهاب الذي يقوم به بعض أصحاب الأديان على تلك الأديان أنفسها.

وإذا كنا نتحدث عن الإفراط والتفريط والتشدد في الشرق الإسلامي، فإنه وجدت في الغرب مجموعة من الأعمال المتمثلة في الرسوم المسيئة والأفلام والمسرحيات والمقالات التي نالت من مقام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة للعالمين، مما أدى إلى رد فعل دائر بين بين الالتزام بالمظاهرات والاعتصامات السلمية، وبين العنف والدعوة إلى مقاطعة المنتجات ونحوها، وانتهى مع الأسف الشديد إلى التفجيرات، والقتل في فرنسا .

وأمام هذا الوضع، أو النازلة الجديدة يحتاج المسلمون وبخاصة الأقلية الإسلامية في أوروبا وغيرها ، إلى الحكم الشرعي، وموقف الإسلام الصحيح من نوعية الرد، وكيفية التعامل والعلاج.

وقد كلفني المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث بكتابة بحث حول هذا الموضوع، مؤصل شرعياً، وموصل بالواقع، ومرتبط بالمقاصد والمآلات، وقد استجبت لذلك بعد تردد كثير لخطورة الموضوع ودقته، وعلاقته بمقام حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن الذي شجعني على البحث هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد وجهت إليه مباشرة الإساءات المتمثلة بالاستهزاء والسخرية والكلمات السيئة والبذيئة، بل والايذاء المادي والمعنوي، من الجاهليين المشركين في مكة المكرمة، ومن المنافقين في المدينة المنورة، ومع ذلك صبر صبراً جميلاً وهجرهم هجراً جميلاً وصفح عنهم صفحاً جميلاً، وأعرض عنهم فكفاه الله المستهزئين.

وسأتناول – بتوفيق الله تعالى – هذا الموضوع، من خلال مبحث تمهيدي يتضمن بإيجاز ما يأتي:

1- المبادئ والقواعد العامة والأحكام المتعلقة بالأقليات الإسلامية.

2- المبادئ والقواعد العامة المستنبطة من قصة سيدنا يوسف عليه السلام، حيث يعتبر قدوة للأقليات، ومن المهاجرين في حبشة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم.

3- فقه المواطنة باعتباره مدخلاً للتعايش ومنطلقاً للاندماج الإيجابي.

وأما في المبحث الثاني فسنتحدث فيه عن فقه التعامل مع الآخر عند الإساءة إلى المقدسات الإسلامية حيث نبين المبادئ العامة الحاكمة فيه، حق الإنسان في حرية التعبير، موضحاً أسباب الاندفاع البعض نحو الإساءة، ثم بيان الموقف الشرعي (التأصيل الشرعي) بالنسبة للمسلم الذي يعيش في البلاد غير الإسلامية، والواجب الشرعي للأقلية المسلمة نحو الإساءات الموجهة للمقدسات، وواجب الدول والعالم الإسلامي نحوها، وضرورة وجود خطة استراتيجية هادئة وهادفة لمنع الازدراء بالأديان.

والله أسأل أن يكتب لي التوفيق فيما أصبو إليه، مستغيثاً به تعالى أن يحقق لنا من الأهداف والغايات المرجوة من هذا البحث والمؤتمر، ومتضرعاً إليه أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، إنه مولاي فنعم المولى ونعم النصير.

كتبه الفقير إلى الله

علي بن محيي الدين القره داغي

المبحث الأول (المبحث التمهيدي) في ثلاثة مطالب:

المطلب الأول – القواعد الكلية والمبادئ العامة المتعلقة بفقه الأقليات المسلمة.

المطلب الثاني – القدوة في التعامل: قصة سيدنا يوسف عليه السلام، باعتباره قدوة للأقليات، والمبادئ والأحكام المستنبطة منها وقصة المهاجرين في الحبشة.

المطلب الثالث – فقه المواطنة باعتباره مدخلاً للتعايش، ومنطلقاً للاندماج الإيجابي.

المطلب الأول – القواعد العامة والمبادئ الكلية المتعلقة بفقه الأقليات:

إن فقه الأقليات المسلمة ليس فقهاً مفصولاً عن الشريعة الإسلامية، وإنما الشريعة نفسها راعت ظروف العباد وحالاتهم المختلفة حتى في ظل الدولة الإسلامية، من حالات الضعف والقوة، والاضطرار والاختيار، والحاجة والسعة، فكل حالة لها فقهها الخاص مع الحفاظ على الثوابت القطعية ، فالفقه المكيّ يختلف عن فقه العصر المدني، وهكذا.

لذلك فإن الفقه الخاص أو الأحكام الخاصة بالأقليات هو في دائرة فقه التنزيل وتحقيق المناط بالنسبة للثوابت، والمبادئ العامة الخاصة بالتيسير، وحالات الضرورة والحاجة العامة أو الخاصة، وفقه المقاصد والمآلات بالنسبة للنصوص الظنية والاجتهادات الداخلية في المتغيرات، وليس في إطار القواطع الثوابت، هذا الفقه مستفاد بشكل كبير عما فهم من الشريعة بالاستقراء من رعاية المقاصد العامة والمآلات وسد الذرائع، وما ذكره القرآن الكريم حول نبي الله الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم وعلى نبينا أفضل الصلوات والتسليم، وكذلك يستفاد من المهاجرين الأوائل إلى حبشة بقيادة ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم جعفر الطيار رضي الله عنه ومن النجاشي.