تناولنا في المقالين السابقين الحديث عن المقصود بالتجديد في الدين، وهل هو التجديد في الإسلام أم في دين الأمة؟ وقلت: إن المقصود بـ«دينها» الوارد في الحديث، هو دين الأمة، وليس دين الإسلام، ويقصد به: ما دانت له الأمة الإسلامية مما أدخل فيه بغير حق من البدع والخرافات، ومن الإفراط والتفريط، حيث دخل ذلك في الدين «فرداً أو جماعة»، فينفي عنه تحريف الضالين، وإفراط المفرطين، وتقصير المفرّطين، وفي هذه الحالة يُظهر الله تعالى مجموعة من العلماء والمفكرين والمصلحين والتربويين والاجتماعيين ومن القادة السياسيين لينهضوا بالأمة مرة أخرى، ويصلحوا جوانب الخلل كلها، ويغيروا ما بأنفسهم وأنفس الأمة، وسلوكياتهم وقيمهم نحو ما يريده الله تعالى من هذه الأمة، وحينئذ جددوا دين الأمة الذي دخلته تلك المنظومة التي ذكرناها آنفاً، وأرجعوهم إلى الإسلام المتكامل بعقيدته ومنهجه وقيمه وسلوكياته، وحينئذ تنهض الأمة من جديد، وتقود العالم من جديد، وبذلك يكون التجديد في دين الأمة وليس الإسلام.
ثم تناولنا بالتفصيل من هو المجدد؟ وما مواصفاته؟ وفي هذا العدد نرد على سؤال: لماذا هذا التجديد؟ فالجواب هو: إن الله تعالى لما ختم الرسالات بالقرآن الكريم، والأنبياء والمرسلين بسيدنا محمد [، فإن الله تعالى جعل لهذه الأمة علماء ومجددين وطائفة منصورة تبقى على الحق وتدافع عنه، وتجدد الدين وأمره حتى تعيده إلى ما كان عليه في عصر الرسول [ وآله وصحبه أجمعين، حيث يقول الرسول [: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»، ولفظ: «من» في الحديث عام للفرد والجماعة، كما قال ابن الأثير: «والأولى العموم، فإن «من» تقع على الواحد والجمع، ولا تختص أيضاً بالفقهاء، فإن انتفاع الأمة يكون أيضاً بأولي الأمر، وأصحاب الحديث، والقراء، والوعاظ، لكن المبعوث ينبغي كونه مشاراً إليه في كل من هذه الفنون».
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: «والذي أراه أن الحديث يفيد أنه لا يبزغ قرن إلاّ ويبزغ معه فجر جديد، وأمل جديد، وبعث جديد، حتى تستقبل الأمة المسلمة القرن بقلوب يحدوها الرجاء في غد أفضل، وعزائم مصممة على عمل أمثل، ونيات صادقة في تغيير الواقع بما يوافق الواجب، وخصوصاً أن المفروض في الأمة أن تقف على رأس القرن مع نفسها وقفة محاسبة وتقويم، محاولة أن تستفيد من ماضيها، وتنهض بحاضرها، وترقى بمستقبلها، مبتهلة إلى ربها أن يكون يومها خيراً من أمسها، وغدها خيراً من يومها».
وهنا أيضاً يكون الجواب عن السؤال الثاني، وهو أن المجدِّد يشمل كل مسلم مخلص لله تعالى يؤثر في دين الأمة «مناهج التفكير والتحليل للأمة، وسلوكياتها وقيمها»، سواء كان التأثير من حيث الفكر والتصور، أو من حيث السلوك والعمل والقيم، وبالتالي فهو يشمل العلماء والفقهاء المؤثرين، والمفكرين المبدعين، والسياسيين الذين يقودون الأمة إلى النصر والقوة والتقدم والحضارة، وحينئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، والله الموفق.