ما حدث للعراق من احتلال ، ثم سلب ونهْب ، تشويه لسمعة شعبه العريق ، ومسخ لحضارته ، ومحاولة لطمس معالمه ، لم يكن أحد من الشرفاء يريده ولا يقبل به ، فقد رفضت الحرب جميع الدول الإسلامية والعربية ، وارتفعت أصوات معظم الشعوب في العالم برفض الحرب .

  ولكن الحرب كانت مقدرة لم تستطع أن تمنعها كل هذه الأصوات ، وكان لها أسبابها سواء مقبولة لدينا أم لم تكن مقبولة .

  وأنا هنا لا أتحدث عن المؤامرة ، ومخططاتها وما يريده الأعداء من تحقيق مصالحهم ودرء المفاسد عنهم ، وإنما أنا أتحدث عن جانب ديني فقط قد يغفل عنه الكثيرون ، وهو سنن الله تعالى في النصر ، والهزيمة والسقوط والزوال والانهيار ، وهي سنة الله في الظلمة والمستبدين والطغاة سواء كانوا مسلمين أم كفاراً ، حيث تقضي بهلاكهم وزوالهم وإذلالهم وخزيهم كما أذلوا العباد في الدنيا ، حيث يقول الله تعالى : (فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد من قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى……) سورة فصلت الآية 15 .

 فالقرآن الكريم أكد في عشرات الآيات بأن الهلاك يأتي بسبب الظلم حينما يتجاوز الحدود ، وأنه هو من أهم أسباب الهلاك والدمار ، وليس الكفر المجرد سبب لنزول الهلاك الشامل .

 لو تعمقنا النظر في آيات القرآن الكريم لو وجدنا أن الكفر المجرد ليس وحده سبباً للهلاك في الدنيا ولذلك يقول الله تعالى : (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون) سورة الزخرف الآية 33.

 وإنما سبب الهلاك هو الظلم والطغيان سواء كان مع الكفر أو مع الإيمان كما يقول الله تعالى : ( هل يهلك إلاّ القوم الظالمون) سورة الأنعام الآية 47 حيث ورد بصيغة الحصر والقصر ، وقال تعالى : (إنه لا يفلح الظالمون) سورة الأنعام الآية 21 وقال تعالى : (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) سورة هود الآية 102 .

بعد وقوع الواقعة هل تنفع الخُطب المفرقة ؟
 بعد وقوع ما وقع وما شاهدناه في العراق من مشاهد وصور تستفاد منها كثير من الحكم والعبر ، من أهمها كما قلت خطورة الظلم والاستبداد والدكتاتورية ، ودورها في الهلاك والدمار والمصائب ، ومنها أن أهل كل دولة أدرى بحكومتها من غيرها ، ولذلك منع علماؤنا المحققون الفتوى إلاّ إذا صدرت من علماء البلد نفسه الذين لديهم العلم بالواقع والعرف .
 إن العراق اليوم في محنة شديدة خطيرة يحتاج أن يقف معه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً كل المخلصين من أبنائه ، ومن أبناء الخليج والعالم العربي والإسلامي وقفة شريفة قبل فوات الأوان .
 وفي اعتقادي القائم على الخبرة والبصيرة بالوضع أن الوضع العراقي جد خطير ـ إذا لم ترعه عناية الله ـ وأن الفتن التي يواجهها كقطع الليل المظلم ، فتن العنصرية والطائفية التي تفرق ولا تجمع ، وتمزق الأمة ولا توحدها ، إذا لم ينتبه أبناء العراق إلى خطورتها وبالتالي علاجها جذرياً ، ويساعدهم في ذلك المخلصون من أبناء الخليج والعروبة والإسلام .

الحل الصحيح في نظرنا :

 هو العيش في ظل عراق موحد ، وفي ظل أخوة إسلامية جامعة ، ووطنية تجمع العراقيين كلهم عرباً وأكراداً وسنة وشيعة ، وإلاّ فالطائفية ، أو العنصرية تضر كثيراً بوحدة العراق الحضاري ، وبتراثه الخالد ، وبمستقبله الزاهر ، فهي هدم وقتل ودمار وحقد وتمزيق ، وكارثة لا يعلم مداها إلاّ الله تعالى .

 لذلك أدعو جميع العراقيين إلى الوحدة التي فيها خير الجميع ، وترك الاختلافات جانباً لأن شعار أعدائهم دائماً هو ” فرق تسد ” وأدعو بالذات إخواني الأكراد للالتفاف حول عقيدتهم الإسلامية ، وأخوتهم الإسلامية والتركيز على اخوتهم العربية والتركمانية التي يجسدها التأريخ والدين والوطن ، وأناشدهم أن لا يكونوا سبباً في تمزيق العراق أو الإضرار به وللحقيقة أقول : إن الأكراد العراقيين على مستوى قيادتهم ، وسياستهم ، وعامتهم متفقون على وحدة العراق وعدم التفريط بها أبداً ، وهذا مؤشر خير يجب أن يساند ويدعم .

  كما أناشد جميع المخلصين خارج العراق أن يقوموا بواجبهم في مساعدة الشعب العراقي للوصول إلى حكومة تمثل العراقيين ، وتحقق الخير لهم وللدول المجاورة ، والله المستعان .