أكد الشيخ د.علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن العناية بالأطفال عناية بالأجيال اللاحقة، وبساهم في تكوين القيادة الحقيقية لهذه الأمة، وإعداد جيل صالح.
ووصف ما يحدث في سوريا بأنه جرائم بكل ما تعنيه هذه الكلمة، مشيراً إلى أن ما تنشره وسائل الإعلام لا يمثل %10 من الذي يحدث هناك.
واستنكر في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بجامعة عائشة بفريق كليب الحملات على المسلمين في جنوب السودان.
وركز الشيخ القره داغي في الخطبة على قضية التربية وشدد على ضرورة الاهتمام بالأطفال وحسن تربيتهم وحكى تجربة لقمان الحكيم وما روي عنها في القرآن الكريم من دروس وعبر.. وعلق على أحوال الأمة وما يجري في كل من اليمن وليبيا وسوريا.
وقد بدأ خطبته الأولى بقوله:
أولى الله -سبحانه وتعالى- عناية قصوى بقضية الأسرة وتربية الأولاد، ومن هنا تضمنت الآيات القرآنية وكذلك السنة النبوية المشرفة مئات بل آلاف من الآيات القرآنية والأحاديث، الذين هم اليوم أطفال وغدا شباب وبعد ذلك قادة المستقبل، فأية عناية بالأطفال عناية بالأجيال اللاحقة، عناية بتكوين القيادة الحقيقية لهذه الأمة، عناية بتكوين جيل صالح، عناية بتكوين قادة راشدة لهذه الأمة وهذا هو الذي أوجب الله -سبحانه وتعالى- على الأنبياء -عليهم السلام- وكذلك على الصالحين والدعاة والعلماء أن يورثوا العلوم والأخلاق والعقائد والقيم السامية للجيل الذي يأتي بعدهم بل يكونوا الجيل الأحق أفضل من الجيل السابق حتى تبقى القوة داخل الأمة الإسلامية وتكون قادرة على مواجهة التحديات والمشاكل فيقول سبحانه وتعالى: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا» فهذا التوريث للمصطفين أي المختارين، أي للجيل الذي يكون جيلا مختارا، جيلا يكون فيه الاصطفاء والاختيار أمرا واجبا على الآباء والأمهات وعلى الإخوة الكبار بالإضافة إلى مسؤولية الأمة والحكام والعلماء والمربين.
تجربة لقمان الحكيم
وقال فضيلته: ولهذه الأهمية لم يكتف رب العالمين بذكر قصص الأنبياء والمرسلين وبالآيات الكثيرة ولا بالأحاديث النبوية الشريفة وإنما ذكر لنا تجربة ناجحة رائدة رائعة في مجال تربية الأولاد وزكّاها، وخلّدها، وجعل للتالي، القارئ لها عشر درجات على كل حرف من حروفها في ثماني آيات عظيمة.. هذه التجربة لم تكن لأحد الأنبياء، وإنما لأحد الحكماء الصالحين وهو سيدنا لقمان الحكيم من نوبة مصر وسودان الذي كان عبداً لدى سيده وهو صغير فقال له سيده: اذبح هذه الشاة وآتني بأفضل أجزائها، فذبحها وأتى بقلبها ولسانها، ثم قال له: اذبح شاة أخرى وآتني بأخطر أعضائها وأسوأها، فذبحها لقمان وأتى بقلبها ولسانها، فقال له السيد: كيف يا لقمان أتيت بالقلب واللسان في الحالتين، فقال: يا سيدي: إن القلب واللسان إذا صلحا وأصلحا فهما أحسن وأطيب، وكذلك إذا فسدا فهما أخطر شيء، فأعتقه سيده، فأصبح فعلا لقمان الحكيم.. هذا هو لقمان الحكيم بإيجاز، أما تجربته التي سجلها القرآن فهي هذه التجربة التربوية التي تتكون من مجموعة من الموجهات والمنطلقات، والأهداف والوسائل والأدوات المادية.
موجهات وتربويات
وأبان عن تلك الموجهات بقوله: أما المواجهات والمنطلقات التربوية الناجحة فقد ذكر منها القرآن الكريم في هذا المجال ما يأتي: المنطلق الأول: تحبيب المربي والمعلم إلى المتربي وتعظيمه من خلال بيان صفاته وهذا ما يفهم من قول تعالى «وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ» الآية وكذلك قال تعالى «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ»، ومن هنا نفشل نحن خاصة في دول الخليج إذا لم نحسن هذه المسألة، حينما نقلل من شأن الأساتذة والمدرسين، وحينئذ ينظر أطفالنا -لا سمح الله إليهم- كأنهم أجراء، بينما يأتي هنا القرآن بأن لا بد أن ننظر إلى هؤلاء ونعطي لهم موقعا كريما وعظيما، وحتى في حالة الوالدين أنه مهما كان الوالدان حتى في حالة الشرك وما يحدث من كل ذلك عليه أن يعظم هذه المربي وهذا والد وهكذا، ومن هنا حينما يهب شبابنا إلى الخارج ولهم فكرة معينة من الجامعات الأوروبية مثل أوكسفورد أو كامبريدج وغيرهما ويأخذون بالتقديس إلى الجامعة والأساتذة هناك، فمن هنا يتأثرون بهم تأثراً عظيماً وهم كذلك يحاولون أن يكونوا على مستوى راق وأن يكون لهم علاقات عظيمة مع هؤلاء الشباب ومن هنا يصبح التلاميذ فعلا بهؤلاء. وكم في بلادنا أيضاً من شباب يقلدون ويمشون على نهج أساتذتهم وكم كان لهؤلاء الأساتذة من تأثير على نفسية هؤلاء المتربين. ونفشل أيضاً حينما لا يسوق الأب عظمة الوالدة، الأم أو بالعكس، فحينما يقلل الوالد من شأن الأم أمام أولاده، إذا أولاده لا يقبلون نصيحة الأم، لأنها مبتذلة أو لأنها مضروبة، لأنها مهانة ولأنها ليست عزيزة فكيف يقبل منها كلاماً وهي مهانة لا سمح الله وكذلك الأمر بالعكس حينما يكون الوالد عزيزا داخل البيت أيضاً لا يكون له تأثير، إذا بداية الطريق الصحيح أن الأب يسوق الأم لأولاده وبالعكس فهنا تكون الأجواء مهيأة بأن يقبل الأطفال من الوالد والوالدة.
إقناع المتربي
وتابع قائلا: المنطلق الثاني: إقناع المتربي بأن فضيلة تربيته لمصلحته فقط، وهذا مأخوذ من قوله تعالى «وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ». إن التربية بالمصلحة ولكن المصلحة ممتدة من الدنيا إلى الآخرة وهذا ما ذكره لقمان نفسه، حيث قال في بيان خطورة الشرك «إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ».
المنطلق الثالث: ربط جميع مفردات التربية بالعلل والحكم، وهذا ما نراه في مجمل الآيات التي ذكرت هنا. والتربية ليس بالكمية أبدا وإنما بالكيفية، كلمة واحدة فقط تؤثر على الطفل من ملايين الكلمات التي لا تفيد ولا تؤثر وقد يكون لها آثار سلبية.
المنطلق الرابع: أسلوب التحبب، فالوالد حينما يربي والأم حين تربي لا بد أن يحبب نفسه إلى الولد أو الطالب بالنسبة للأستاذ وبكل وسائل وبدون محبة لا تكون هناك تربية مؤثرة أبدا، ولذلك يقول لقمان «يا بني» وهو ينادي ابنه ويصاحبه ويربطه بنفسه ويكرمه ويضلله ويجعله هو يحبه، فالطريق إلى القلب بين الناس جميعا وبخاصة الأطفال ليس التعنيف ولا طريق الضرب، فالضرب تدمير لإبداعاته وشخصيته، وإن الطريقة الصحيحة هي طريقة المحبة.
فقه الأولويات
المنطلق الخامس: أهمية فقه الأولويات في التربية، حيث بدأ لقمان بالعقيدة وأولاها الكثير من الوقت في آيتين، ثم ضمها في جميع الآيات فقال: «وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ»، ربط بالله ربطاً عقلانياً حكيماً دقيقاً، ربطه بالتوحيد وعدم الشرك وكذلك بالقضاء والقدر والإيمان بعلم الله الدقيق وقدرته «يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ». وهكذا ربى الرسول -صلى الله عليه وسلم- رديفه ابن عباس حينما ربطه بالله وقدرته وأصبح ابن عباس حبر الأمة.
وأكد العبادات بقوله: بعد العقيدة، ركز لقمان على العبادات، ومن العبادات الصلاة «يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ» وإقامة الصلاة غير أداء الصلاة، إقامة الصلاة تعني حضور الجماعة والجمعة بقدر الإمكان للطفل إلى أن يبلغ ويبدأ مرحلة التكليف. ثم بعدها ركز على الأخلاق، وذكر من الأخلاق ثلاثة عناصر أساسية، أصول الأخلاق القولية والفعلية والإشارات. فبالنسبة للصفة القولية قال لقمان: «وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ» وبالنسبة للصفة الفعلية قال «وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا» وبالنسبة للإشارات فإن قسمات الوجه والابتسامة مهم جدا لذا قال: «وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ» أي لا تتكبر وتشمخ كما تشمخ الناقة حينما تصاب بمرض السعار.
بناء المؤمن القوي
وشرح دور ذلك في بناء الإنسان قائلا: وقد ربطت هذه الآيات بمجموعة من الأهداف منها بناء إنسان مؤمن قوي، له شخصية قوية من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر «يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ»، تبني شخصيته ولا يرضى له القبول بالباطل وأن يكون جاهرا وصادعا بالحق مهما كان، وبالتالي يكون قادرا على الكلمة وقول الحق ويكون صابرا. أما الأدوات التي استعملها لقمان في تربيته فهي كثيرة منها: الوعظ والترفيق والرقائق «وَهُوَ يَعِظُهُ» والعقل والعلل والحكم حيث تضمنت معظم الآيات ذلك. الوسائل المادية والتصويرية في مسألتين أحدهما في مسألة «وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ» المثال الثاني: «وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ».
اليمن وليبيا
في خطبته الثانية، قال فضيلة الشيخ القره داغي: في ظل غياب هذه التربية العظيمة، إلا للقلة، والأمة فيها الخير، خاصة في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالأمة تحاط بالمؤامرات من الخارج وفي الداخل يضرب بعضنا البعض، ومن هنا إذا ذكرنا أهم هذه القضايا، فلننظر ماذا يحدث.. ففي اليمن السعيد خمسة أشهر وحوالي %90 من الشعب يصيح ويطلب والأمور معطلة والبلاد سيادتها مهددة وتكاد تتفتت، ولكن شخصا واحدا مع كل ما حدث له لا يزال يقول أما أنا أو لا يكون شيء، ولكن الأغرب لأنه لا تتعاطى الأمة مع هذه المشكلة كأنها أمر عادي جدا، كان على الأمة الإسلامية بواجب الآيات القرآنية أن تخرج هذا الشعب من المجاعة، ونحن لا نتدخل فهذه مسؤولية ونحن مسؤولون أمام الله -سبحانه وتعالى- وسوف نسأل عليها يوم القيامة.. وكذلك بالنسبة ليبيا، والقتال جار ولم يحسم.. بينما يذكر القرآن الكريم «وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ» يجب أن تكون هناك قوة لرد الظالم، لأن هذا الرجل لا مانع لديه لقتل نصف شعبه في سبيل بقائه وهو ذكر ذلك بنفسه، ونحن مرة أخرى نسلم الأمر إلى الغرب، إلى الناتو ولكن هل هؤلاء يدافعون عنا من دون مصلحة وحساب وهذا حقهم ولكن أين الأمة الإسلامية وأين الأمة العربية ولو نحن صرفنا الأموال التي في الصفقات لكنا امتلكنا آلاف الطائرات والدبابات للدفاع عن شعوبنا ولكن أين ذهبت هذه الأموال؟
جرائم جرائم
وتناول أحداث سوريا قائلا: وما يحدث في سوريا فقد أصبحت جرائم بكل ما تعنيه هذه الكلمة، والذي تنشره وسائل الإعلام لا تمثل %10 من الجرائم التي تحدث هناك، انظر إلى حماة وكأن التاريخ يعيد نفسه، لذلك نحن نوجه على هذا المنبر خطابنا ونداءنا ومناشدتنا إلى أمتنا الإسلامية والعربية، وإلى قادتنا أن ينهضوا ويقوموا بواجبهم وأن يصلحوا بينهم إن كان هناك صلح وأن يحققوا لهم الخير وألا يبقى شعب بهذه الصورة أن يقتل ويذبح. فنوجه هذه الخطاب إليهم ليكون لهم كلمة في هذه القضايا خاصة قضية سوريا فقد سكت عنها جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ومع الأسف يقود المسألة مرة أخرى الغرب، ونريد من تركيا أن تكمل مشوارها وألا تتأخر كما أخطأت مع ليبيا وأن تقف مع شعب سوريا.
وتحدث مختتماً عن السودان بقوله: ولننظر إلى سودان، بعد أن تركناه، وقد بدأ حكومة الجنوب تشن الهجمات الشديدة على المسلمين، وقتلوا أكبر داعية الذي كان يقوم بالدعوة في الجنوب وسفرا اثنين من كبار الدعاة، وسوف يستمرون في هذا العنف حتى لا يبقى جنوبي مسلماً. أين المنظمة الإسلامية؟! نحن 67 دولة إسلامية وأكثر من 170000000 نسمة ليس لهم صوت لا في الأمم المتحدة ولا في غيرها.. أرجو من الله -سبحانه وتعالى- أن يرد الصوت الحقيقي للأمة من خلال ممثليهم الحقيقيين.