بقلم أ.د. علي القره داغي
جريدة الشرق – الدوحة
يؤدي المسلمون الزكاة طاعة لله تعالى وتقرباً منه، وطمعاً في رضائه، وفي جنته ونعيمه، وخوفاً من عقابه ومن النار، وهم في ذلك وفي كل أوامر الله تعالى ونواهيه يقولون: (سَمِعْنَا وَأطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبنَا وَإِلَيْكَ الَْمصِيرُ) كما أنهم يؤدونها شكراً لله تعالى على نعمة المال، ومع ذلك فللزكاة حِكَم كثيرة يشير إليها قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أمْوَالِهِمْ صَدَقَة تُطَهرُهُمْ وَتُزَكيهِم بِهَا وَصَل عَلَيْهِمْ إِن صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(.
يقول الكاساني: (وأما المعقول فمن وجوه:
أحدها: أن أداء الزكاة من باب إعانة الضعيف، وإغاثة الملهوف، وإقدار العاجز وتقويته على أداء ما افترض الله عز وجل عليه من التوحيد والعبادات والوسيلة إلى أداء المفروض مفروضة.
والثاني: أن الزكاة تطهر نفس المؤدي من أنجاس الذنوب وتزكي أخلاقه بتخلق الجود والكرم، وترك الشح، والضن، إذ الأنفس مجبولة على الضن بالمال فتتعود بالزكاة على السماحة، وترتاض لأداء الأمانات، وإيصال الحقوق إلى مستحقيها، وقد تضمن ذلك كله قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أمْوَالِهِمْ صَدَقَة تُطَهرُهُمْ وَتُزَكيهِم بِهَا)
والثالث: أن الله تعالى قد أنعم على الأغنياء، وفضلهم بصنوف النعمة والأموال الفاضلة عن الحوائج الأصلية، وخصهم بها، فيتنعمون ويستمتعون بلذيذ العيش، وشكر النعمة فرض عقلا وشرعا، وأداء الزكاة إلى الفقير من باب شكر النعمة فكان فرضا.
فالزكاة تطهير للمزكي من البخل والشح، والحقد والأنانية، وتطهير لماله، ونماء له حيث يبارك الله تعالى فيه:( يَمْحَقُ اللَّهُ الربَا وَيُرْبِي الصدَقَاتِ).
والزكاة تطهير كذلك للفقراء الذين تعطى لهم حيث تقضي على الفوارق الطبقية، وتزيل الحقد في النفوس، وتشيع الحب والمودة بينهم.
ومن هنا فالزكاة في الواقع تطهير للمجتمع بشقيه الغني والفقير من أمراض النفوس والحقد وعلاج لأمراض القلوب ومجلبة للمحبة والود والوئام وللتماسك والتعاطف، والتعاون والتماسك وتجسيد للأخوة الإسلامية وحقوقها حتى يصبح المسلمون كجسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. وإضافة إلى ذلك فإن الزكاة حق مالي على الأغنياء لتحقيق التكافل الاجتماعي، والتضامن الأخوي: (وَفِي أمْوَالِهِمْ حَق للسائِلِ وَالَْمحْرُومِ (. (وَالَّذِينَ فِي أمْوَالِهِمْ حَق معْلُومٌِّ للسائِلِ وَالَْمحْرُومِ).
والزكاة كذلك علاج للفقر الذي حاربه الإسلام واستعاذ منه الرسول صلى الله عليه وسلم.