يقصد بالوعاء هنا الأشياء التي تخضع لنظام الضريبة، أو التي تجب فيها الزكاة وقد يكون المادة الخاضعة عقاراً، أو دخلاً، أو رأس مال، أو نحو ذلك ولكنه ليس من الضروري أن تخضع كل ثروة للضريبة، وذلك لأن هناك اعتبارات متعلقة بالعدالة والمساواة ، واعتبارات سياسية فمثلاً تخضع الثروات الضخمة وتعفى المبالغ اللازمة للمحافظة على الحد الأدنى للمعيشة لإشباع الضروريات ومواجهة الأعباء العائلية، كما تعفى بعض السلع الضرورية وتزداد نسبة الضريبة على بعض السلع كالسجاير والخمور ونحوها، ومن الجدير بالذكر أن الضرائب اليوم تفرض على الأشياء التي يملكها الشخص ولا تفرض على الشخص نفسه كما كان الحال في السابق حيث كان الشخص مسؤولا أمام الدولة عن دفع قدر محدد من الضريبة، أما النظم المعاصرة فتنظر إلى ما يملكه الشخص من ضوابط لتحقيق العدالة وإذا كنا نتحدث الآن عن الوعاء الضريبي فلا بد أن ننتبه المسألة في غاية من الأهمية وهي أن الأنظمة الضريبية في العالم ليست على سنن واحد، وكان بودنا أن نختار أكثر من نظام، لكن مجال البحث لا يسع إلا أن نختار نظاماً واحداً وهو النظام الضريبي في أمريكا [1].
النظام الضريبي في أمريكا :
هناك مرحلتان في تاريخ الضريبة الأمريكية هما مرحلة ما قبل 1913، مرحلة ما بعدها، ونحن نوجز القول في المرحلة الأخيرة فقط .
فقد عدل دستور الولايات المتحدة في: 25/2/1991 بمنح الكونجرس سلطة فرض ضرائب عامة على الدخل دون اشتراط توزيعها على الولايات، ومن هنا بدأ الكونجرس ينظر في فرض الضرائب وكيفية تحصيلها على ضوء اعتبارات عدة حيث فرض الضريبة على الدخول الفردية ( الأشخاص الطبيعيين ) وعلى أرباح الشركات، وعلى الإنتاج وعلى العمل ، وعلى التركات والهبات وموارد متنوعة أخرى، إضافة إلى الضرائب الجمركية حتى بلغت حصيلتها عام 1961 ، 80% من موارد الحكومة الفدرالية[2].
كما أن الضرائب في أمريكا ثلاثة أنواع ضرائب فدرالية تفرضها الحكومة المركزية وضرائب محلية تفرضها حكومات الولايات المتحدة ، وضرائب محلية تفرضها الهيئات المحلية ، والنوع الأول هو الأكثر حيث تصل نسبته في بعض السنوات إلى 75% بينما تصل نسبة ضرائب الولايات المتحدة 5, 12% ، وضرائب الهيئات المحلية 12% كما في عام 1952 ، كما أن الضرائب الفدرالية تهتم بالضرائب المباشرة على الدخل بصورة رئيسية ، فيحين أن الضرائب في الولايات تتجه بصورة أكبر الضرائب غير المباشرة على الإنفاق (ولاسيما الضريبة على المبيعات ) وأما ضرائب الهيئات المحلية فتتجه بصورة أكبر نحو الضرائب على رأس المال ( وبالأخص الضرائب العقارية )[3].
وعاء ضريبة الدخل :
وقد توسع المشروع الأمريكي في مفهوم الدخل الخاضع للضريبة حيث يشمل كلا من الزايا العينية والنقدية ، وجميع الأرباح العرضية كالأرباح الرأسمالية وأرباح اليانصيب وحتى الأرباح غير المشروعة كأرباح القمار والتهريب .
وبالمقابل استبعد من وعاء الضريبة التبرعات والهبات التي منحها صاحبها للهيئات العامة ، أو الجمعيات الدينية أو الخيرية، وذلك فحدود 20 % من دخله ، أو 30% لحالات خاصة ، وكذلك فوائد الديون التي دفعها ، والضرائب التي أخذت منه ونفقات العلاج الطبي، والنفقات القضائية ، والنفقات والخسائر بمباشرة المهنة، كما أن سعر الضريبة على دخول الأشخاص الطبيعيين على مرحلتين :
الأولى ذات سعر نسبي يبلغ 3% .
الثانية ذات سعر تصاعدي يتراوح بين20% للشريحة الأولى و91% للشريحة الأخيرة .
وعاء الضريبة على الشركات :
يشمل وعاءها جميع الإيرادات الدورية وغير الدورية بما في ذلك المكاسب الرأسمالية ، وأما سعرها فعلى شقين شق ،نسبي عادى بواقع 30% وشق إضافي سعره 22% ، وذلك بالنسبة للإيرادات التي تزيد عن خمسة وعشرين ألف دولار سنوياً حيث يصل سعرها الفعلي إلى 52%[4] .
وعاء ضرائب الإنتاج حيث تسرى على عدد كبير من السلع والخدمات ولاسيما المسكرات والدخان .
الضرائب على التركات التي تزيد عن ستين ألف دولار وسعرها تصاعدي تتراوح بين 3% و77% لما يزيد عن عشرة ملايين دولار .
الضرائب على الهيئات التي يحصل عليها الفرد بسعر يتراوح بين 2, 57% .
ضرائب أخرى :
-وبالإضافة إلي ذلك هناك ضرائب اتحادية أخرى كضرائب الاستخدام (الأمور والمرتبات التي فرضت منذ عام 1930 والضرائب الجمركية إضافة إلى الضرائب التي تقررها حكومات الولايات والهيئات المحلية مثل الضرائب العقارية والضريبة العامة على المبيعات والضرائب على كل من الدخان والمسكرات ونحوهما[5]
وعاء الزكاة:
وأما وعاء الزكاة فمحل اختلاف بين الفقهاء بعد اتفاقهم على أنها خاصة بأموال المسلمين ولا تفرض على أموال غيرهم حتى الذين يعيشون في ظل الدولة الإسلامية الذميين والمستأمنين فمنهم من عمم وعاء الزكاة ليشمل جميع الأموال النامية مادامت قد بلغت النصاب وتوافرت الشروط والضوابط الأخرى، وهذا هو الرأي الراجع الموافق للنصوص العامة التي أوجبت الزكاة في مطلق الأموال (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم )[6] وعلى ضوء هذا الرأي الراجح يشمل وعاء الزكاة كل مال نام كالثروة الحيوانية جميعها، والذهب والفضة والنقود الورقية، أو التحفيات الذهبية والفضية ونحوها والثروة التجارية، والثروة الزراعية والعسل والمنتجات الحيوانية، والثروة المعدنية والبحرية والمستغلات وكسب العمل والمهن الحرة والأسهم والسندات ونحوها [7]
ومن الفقهاء من خصص وعاء الزكاة بعض الأموال على تفصيل حيث حصر بعضهم الزكاة في ثمانية أصناف فقط يقول أبن حزم الظاهري ولا تجب الزكاة إلا في ثمانية أصناف من الأموال فقط وهي الذهب، والفضة والقمح والشعير والتمر، والإبل والبقر والغنم ضأنها وماعزها فقط ثم قال ولا زكاة في شيء من الثمار، ولا من الزروع ولا في شيء من المعادن غير ماذكرنا ولا في الخيل، ولا في الرقيق ولا في العسل ولا في عروض التجارة[8]
ومن الفقهاء من لم يوجب الزكاة في أموال الصبي، والمجنون غير العشرية كالحنفية[9] وهكذا.
وقد أفاض أستاذنا الدكتور القرضاوي في أدلة القائلين بتوسيع وعاء الزكاة ليشمل كل ما نام الرد على المخالفين[10] ومن هذا العرض يتبين أن وعاء الضريبة ووعاء الزكاة على الرأي الراجح متقاربان في سعر الضريبة عن الزكاة في وجود الضريبة على الاستهلاك حيث لايعرف في الإسلام في باب الزكاة مثل هذه لأن الزكاة لا تؤخذ إلا من الأغيناء، بينما الضريبة على الاستهلاك قد تؤخذ من غير الأغنياء، إذ قد يكون المستهلك فقيرا.
وأما الأنواع الأخرى كضريبة الدخل بشتى أنواعه فتقابله الزكاة عليه حيث أوجب الإسلام الزكاة على دخل الاستغلال الزراعي (زكاة الزروع والثمار) حيث أوجب فيه العشر إذا كانت تسقى بماء السماء أو الراحة، ونصف العشر إذا كانت تسقى بالدواب أو الآلات كما أوجب الزكاة في كسب التجارة ونحو ذلك[11]
وأما المقارنة بينهما في وعاء رأس المال فإن الشريعة الاسلامية لم تأخذ بنظام الضريبة الموحدة كما نادى بها البعض في بعض العصور بل أخذت بنظام الفلسفات الاجتماعية والاشتراكية التي نادت بفرض الضرائب على راس المال لكن النظام الإسلامي كما يقول أستاذنا القرضاوي قد اشتمل في هذا المجال أيضا وعلى المزايا التي ذكرها أنصار الضريبة على رأس المال وذلك لأن الإسلام لم يوجب الزكاة في كل رأس المال، بل في المال النامي أي من شأنه النماء فقط حتى يبقى الأصل وتؤخذ من الزيادة والفضل، ولذلك لم تفرض الزكاة في راس المال الثابت نفسه كالمصانع والعقارات بل في راس المال المتناول، أما رأس المال الثابت فتؤخذ الزكاة من غلته ونمائه الفعلي كالأرض الزراعية التي جاء بها النص، وما لحقت به من العمارات ونحوها من المستغلات.
إضافة إلا ملاحظة النصاب ونحوها[12] وأما الضرائب على الأشخاص التي كانت تسمى ضريبة الرؤوس لأنها تؤخذ عن كل رأس المال والتي يعمل بها في بعض الدول فقد وجهت إليها إنتقادات كثيرة ولكنها مع ذلك فيؤخذ في الإسلام نظام آخر وهو صدقة الفطر التي تفرض على كل شخص مع قطع النظر مع أمواله وفقره وغناه، أراد بها الإسلام إدخال السرور في قلوب المحتاجين في يوم العيد، والتعويد على البذل والعطاء والتعاون العام والتكافل[13].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) د. عبد الكريم صادق : المرجع السابق ص 54- ود0 محمد سمير الصبان – ود0 فاروق عبد العال : الأسس العامة في الفحس الضريبي -ط- مؤسسة شباب الجامعة ص 3
([2]) د. يونس البطريق : المرجع السابق ص 264-265
([3]) يراجع لتفصيل ذلك – د. يونس البطريق: المرجع السابق ص 27
([4]) المرجع السابق ص 279
([5]) د.يونس البطريق ص295-عبد الكريم صادق 187 -ود0 الصبان -د0 فاروق ص 80
([6]) سورة المعارج آية 24
([7]) يراجع : فقه الزكاة الجزء الأول حيث تناول كل ذلك بالشرح والتفصيل
([8]) المحلى 5/308
([9]) فتح القدير مع شرح العناية 1/153
([10]) يراجع : فقه الزكاة 1/145- 151
([11]) فقه الزكاة ص 33- 60
([12]) فقه الزكاة 2/1027- 1029
([13]) المرجع السابق 2/01036