عشرون: مشهد المؤامرة والبدء بإخراجها بصورة محكمة:

حيث يقول تعالى: ( قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ * قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ ) ، حيث يستفاد منه ما يأتي:

1-        حذف جزء من المشهد، لأنه معروف من السياق، وهو أن الإخوة ـــ بعد اتفاقهم على إلقائه في الجب ــــ ذهبوا إلى أبيهم يفاوضونه، ويراودونه في اصطحاب يوسف معهم منذ الغداة، أي إنهم كانوا مستعجلين، وهم يستعملون جميع ما أوتوا من الوسائل لإقناع أبيهم بالموافقة.

لكن الوالد ممتنع، ولا يريد الموافقة، وهنا يظهر المشهد في بيان ما قالوه ( قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ ).

2-        إن الآية تدل على اتفاقهم على ما قالوا لوالدهم.

3-        أظهروا أنفسهم أنهم ناصحون ليوسف، وحافظون، وأنهم يريدون لأخيهم أن يخرج من البيت؛ ليستمتع بالأجواء الطبيعية، ويلعب وهو غلام صغير، لذلك بينوا استعجابهم على ذلك، وبرروا إلحاحهم بذلك، و ليس لشيء آخر سواه، ولذلك ( قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ ) ففيه عتب واستنكار، فقد حولوا القصة إلى قصة عدم ثقته بهم، وعدم ائتمانه لهم في يوسف، مع أن أباهم كان يتعلل بأن الجو لا يتحمله يوسف لصغره، لا لأنه لا يأمنهم، ففي هذا التحويل خطوة ماكرة خبيثة.

4-        ثم إن خطابهم بــــ ( يا أبانا ) مشعر بأنهم يريدون أن يقولوا لوالدهم: أنت أبونا جميعاً، إذن لماذا لا تأذن له مع أنك لا مانع لديك من خروجنا جميعاً فما الفرق؟!

5-        ثم دخلوا على أبيهم بخطوة عملية، وهي ( أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )أي هذه لمصلحة يوسف، حيث ينشط ويلعب ويتريض، مما يدفع والده للقبول بهذا العرض، مع هذه الضمانات من الجميع، وهي : ضمانات النصح له، وضمانات الحفظ المطلق دون استثناء، ولا قيد.

6-رد عليهم والدهم بأن القضية ليست قضية أن لا يأمنهم، وإنما ( قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ) فالسبب أمران، أحدهما: أنه ليحزنني فراقه، والثاني: إنني أخاف أن يأكله الذئب عندما تكونون مشغولين بشيء آخر، وغافلين عنه.

7- لكن هذه الكلمة أدت إلى زيادة أحقادهم، واشتعال حسدهم ؛ حيث دلت على أن والدهم لا يتحمل فراقه، لذلك ازداد إصرارهم على تنفيذ المؤامرة، وأكدوا لوالدهم عدم إمكانية ذلك، لأنهم جماعة قوية قادرة على حفظه، بالإضافة إلى أنهم هم الخاسرون بفقدان يوسف، كما أنت يا والدنا العزيز.

لكنهم فرحوا بفكرة أكل الذئب إياه، حيث جاءت لهم هدية، لأنهم لم يفكروا في علاج ما وراء تنفيذ الجريمة، فهذا سبب وجيه جاء على لسان والدهم.

8-        إقناع الوالد بعد كل ما جرى من الجدال والنقاش، ومنحه الضمانات الكافية، من أنهم له لناصحون، أي أنهم يحبون له ما يحبون لأنفسهم، ويكرهون له ما يكرهون لأنفسهم، ثم أكدوا له بكل هذه التأكيدات ( و إنا له لحافظون )، وقولهم: ( لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذاً لخاسرون )، أي نحن وحدنا الخاسرون بفقدان أخينا، وبناءً على هذا فإن الإخوة قد أجابوا عن السبب الثاني، وهو " أكل الذئب إياه" وأغفلوا السبب الأول، وهو شدة حبه.