الحادي والعشرون: مشهد تنفيذ الجريمة:

قال تعالى: ( فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ  وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ  وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ  قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ  وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ  قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ  وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ)

1.عدم ذكر جزء من المشهد، وهو أن الوالد قد وافق على عرضهم، حيث بدأ بقوله تعالى ( فلما ذهبوا ) وهذا منهج القرآن الكريم لا يذكر ما يمكن فهمه من السياق إلا لغرض معتبر، فهو كتاب معجز.

2.التعبير بلفظ ( الفاء ) في قوله تعالى ( فلما ذهبوا ) مشعر باستعجال الإخوة في التنفيذ، فالفاء للتعقيب المباشر دون التراخي، أي أنهم أخذوا يوسف بمجرد الموافقة التي قد تكون صريحة ، أو ضمنية، لأن القرآن الكريم قد طوى ذلك.

3.وقد طوى القرآن الكريم جزاء الشرط ( فلما ) لأن جوابه هو جميع نتائج القصة، وهذا من إعجاز القرآن الكريم، وقد حذف لأجل هذا التعميم، ولا مانع لغوياً من أن يكون جزاء وجواب ( فلما )، قوله تعالى: ( قالوا يا أبانا )، و في ذلك دلالة على سرعة التنفيذ والإيقاع، ومنهج القرآن الكريم يقبل هذا التنوع العظيم.

4.التعبير بلفظ ( ذهبوا به ) أي بتعدية الفعل بالباء، ولم يقل ( ذهبوا معه، أو ذهب معهم، أو نحو ذلك ) مشعر بالإسراع بالأخذ به بصورة غير ودية، إن إيقاع هذه الجملة الشرطية يدل على أنهم بمجرد الموافقة أخذوا بيد يوسف وذهبوا به، ثم إن وضع جملة ( ذهبوا به ) مع ( أجمعوا ) مؤذن بالعجلة خوفاً من تراجع الوالد من موافقته التي لم يكن مرتاحاً إليها، ولكنهم حاصروه من كل جانب، وأحرجوه بجميع الوسائل، وأعطوه كل الضمانات، حتى استسلم لهذه التوكيدات فوافق على ذهاب يوسف معهم، ليبدأ تنفيذ مراحل هذه القصة.

5.يرمى يوسف في ظلمات البئر وهو صغير عاش في كنف أبيه محبوباً مدللاً، ففوجئ بهذا الظلم والقسوة و الشدة من إخوانه دون أي جرم اقترفه نحوهم، أو نحو غيرهم، حتى أخذوا قميصه حتى يكون عارياً، فصدم من ظلم الإخوة، وفزع من ظلمات البئر، لكن الله لن يتركه، فيوحي إليه بما يدخل الثبات والسكينة والطمأنينة على قلبه، فيبشره ليس بنجاته فحسب، بل بأنه يمكنه في الأرض فيخبر إخوته بهذا الأمر، وهم لا يشعرون.

6.لم يتطرق القرآن الكريم كيف ألقوه في غيابت الجب، هل رموه بالقوة؟ هل أغروه بشيء حتى ينزل؟ هل، وهل، وذلك لعنصر الإثارة في القصة.

7. وقوله تعالى:( وأوحينا إليه ) اختلف فيه المفسرون، فذهب بعضهم إلى أن المراد بالوحي هنا وحي النبوة والرسالة، ولكن يعكر صفوه أن يوسف لم يكن بالغاً بل كان صغيراً ولذلك أجابوا عنه بان الله تعالى أكمل عقله وجعله صالحاً لقبول الوحي والنبوة، وذهب جماعة أخرى إلى أن هذا الوحي هنا هو الإلهام مثل قوله تعالى(وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى) وأياً ما كان فإن الله تعالى أوحى إليه بما يطمئنه بل ببشارة عظيمة، وهي أنه يُخبر إخوته بهذه التصرفات وهم لا يشعرون.

 8. جاء إخوة يوسف عشاءً حتى لا تظهر ملامح وجوههم عند بكائهم لدى والدهم، فيتبين له أن بكاءهم، أو بكاء بعضهم ليس حقيقة، وهو ذو فراسة وبصيرة، لأن من المعلوم أن النائحة ليست كالثكلى، بالإضافة إلى إشعار والدهم بأنهم تأخروا للاهتمام بالحادثة.