الخامس والعشرون: مشهد انتشار قصة القصر، ومكر النسوة:

فقال تعالى: ( وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ ا الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ  قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا  إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ  فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ  قَالَتْ فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ  وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ  وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ)

تمهيد:

انتشرت القصة داخل المجتمع على الرغم من أن الحاضرين لها أربعة هم يوسف، والمرأة، والعزيز، والشاهد، وأن العزيز قد وصَّى بعدم انتشار الخبر ـــ فقد سبق بيان السبب ، ونذكر هنا بعض النكات واللطائف:

لم يؤنث الفعل، وهو " قال" مع أن الفاعل" نسوة" لأنها اسم جمع، ليس له مفرد، وإنما مفرده: المرأة، كالنساء مفردها" المرأة" أيضاً، وقال بعضهم: إنها جمع تكسير للقلة.

وعلى أية حال فالجمع، أو اسم الجمع من الناحية اللغوية، لا يعد من التأنيث الحقيقي، وإنما من التأنيث السماعي، وبالتالي: يجوز أن يكون الفعل مع تاء التأنيث وبدونها باتفاق النحاة.

وأياً ما كان فإنني أرى أن تذكير الفعل جاء متناسقاً مع ما ذكرناه في "الخاطئين"، ولم يقل" من الخاطئات" وكأنه هنا يشير إلى مقتضى الأنوثة والحياء أن لا يخوض في مثل هذه الأمور.

التعبير بــــ "ا العزيز تراود فتاها عن نفسه، قد شغفها حباً، إنا لنراها في ضلال مبين" يدل على ما يأتي:

أ‌-       التصريح بأنها امرأة العزيز؛ لبيان مزيد من التعجب والاستنكار، أي كيف تتنازل اه بهذه المكانة لعبدها، أو لخادمها الشاب؟.

ب‌-     أريد بـــلفظ" فتاها" أي عبدها الشاب، أو خادمها الشاب، ومن عظمة القرآن أنه لم يقل" عبدها" حتى لا يكون إقراراً بهذه العبودية الباطلة، وإنما قال" فتاها"؛ لأن الفتى لغة هو الشباب فقط، و لكن إضافته إليها يفهم منها دلالة أنه كان تحت إمرتها حسب ظاهر الشراء.

ت‌-     " قد شغفها حباً" أي أحرق الحب قلبها، فقضى على حجابه؛ لأن الشغاف هو حجاب القلب، والشغاف: سويداء القلب، فلو وصل الحب إلى الشغاف ليكاد يموت صاحبه من لوعته وحرقته، وقال الحسن: الشغاف هي الجلدة البيضاء، أي أن حبه قد لصق بقلبها كلصوق الجلدة بالقلب.

ث‌-     " إنا لنراها في ضلال مبين" حيث حكمن عليها بهذا التأكيد بأنها في ضلال مبين، والمراد بالضلال هنا الابتعاد عن طريق الحق واحترام حقوق الزوج، وعن طريق الغواية.

ج‌-      قوله" فلما سمعت بمكرهن" يقال: إن امرأة العزيز سمَّت ذلك بالمكر؛ لأنها ذكرت لنساء القصر في إحدى سهراتها ما وقع لها مع يوسف، ولكنها أخذت منهن عهداً بعدم نشرها، لكنهن لم يلتزمن بذلك ونشرن الخبر، حتى وصل إلى عدد كبير من نساء الطبقة الراقية وغيرهن.

وحينئذ أرسلت إليهن لوليمة لتوقعهن فيما وقعت فيه، وهيأت لهن متكأً، أي ما يسند إليه عند الطعام أو الشراب من الوسائل، وهيأت لهن الطعام، والشراب، والفواكه، وعندما بدأن باستعمال السكاكين؛ لتقشير الأترجة أو البرتقال، أو نحوهما، طلبت من يوسف أن يدخل عليهن، فدخل، فلما رأينه أكبرنه، وأعظمنه، ودهشن من شدة جماله، وانشغلن تماماً به، فقطعن أيديهن، أي جرحن أيديهن بالسكاكين، وعبر ذلك بالقطع للمبالغة في شدة الإعجاب، حتى كادت السكاكين أن يقطعن أيديهن بالكامل، وهن لا يشعرن بهذه الآلام، ولكن كلمة " وقطعن " تشير إلى كثرة استعمال السكاكين وإمرارها في جرح الأيدي  .

وفي هذا إشارة إلى أن حضارة الرفاهية قد بلغت شأواً كبيراً، وأن الترف في القصور كان عظيماً، فإن استعمال السكاكين في الأكل قبل عدة آلاف من السنين له دلالته الواضحة في تصوير الترف والحضارة المادية  .

ح‌-      وقولهن " حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ " دليل على بقاء بعض ديانات التوحيد لديهم، ــــ كما سبق ـــ، وهذه الجملة كلمة تنزيه تستعمل تعبيراً عن التعجب والدهشة بصنع الله.

وفيها اعتراف النسوة، بأن امرأة العزيز معذورة أمام هذا الجمال، وعندئذٍ انتصرت عليهن، و" قالت فذلكن الذي لمتنني فيه"، واعترفت اعترافاً واضحاً، وكشفت عن نيتها، فقالت:" وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ۖ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ ) ويبدو من السياق أن النسوة أيدنها بقوة، وشجعن يوسف على قبول طلبها والاستجابة لرغبتها، بل إنهن كن مفتونات وفاتنات، وحاولن إيقاعه في حبائلهن، ولذلك قال يوسف: ( رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ )، ( فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )، وهذا الصرف قد يكون بإدخال اليأس في نفوسهن من استجابته أو بنحو ذلك.

الخامس والعشرون: مشهد انتشار قصة القصر، ومكر النسوة:

 

فقال تعالى: ( وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ ا الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ  قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا  إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ  فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ  قَالَتْ فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ  وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ  وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ)

تمهيد:

انتشرت القصة داخل المجتمع على الرغم من أن الحاضرين لها أربعة هم يوسف، والمرأة، والعزيز، والشاهد، وأن العزيز قد وصَّى بعدم انتشار الخبر ـــ فقد سبق بيان السبب ، ونذكر هنا بعض النكات واللطائف:

لم يؤنث الفعل، وهو " قال" مع أن الفاعل" نسوة" لأنها اسم جمع، ليس له مفرد، وإنما مفرده: المرأة، كالنساء مفردها" المرأة" أيضاً، وقال بعضهم: إنها جمع تكسير للقلة.

وعلى أية حال فالجمع، أو اسم الجمع من الناحية اللغوية، لا يعد من التأنيث الحقيقي، وإنما من التأنيث السماعي، وبالتالي: يجوز أن يكون الفعل مع تاء التأنيث وبدونها باتفاق النحاة.

وأياً ما كان فإنني أرى أن تذكير الفعل جاء متناسقاً مع ما ذكرناه في "الخاطئين"، ولم يقل" من الخاطئات" وكأنه هنا يشير إلى مقتضى الأنوثة والحياء أن لا يخوض في مثل هذه الأمور.

التعبير بــــ "ا العزيز تراود فتاها عن نفسه، قد شغفها حباً، إنا لنراها في ضلال مبين" يدل على ما يأتي:

أ‌-       التصريح بأنها امرأة العزيز؛ لبيان مزيد من التعجب والاستنكار، أي كيف تتنازل اه بهذه المكانة لعبدها، أو لخادمها الشاب؟.

ب‌-     أريد بـــلفظ" فتاها" أي عبدها الشاب، أو خادمها الشاب، ومن عظمة القرآن أنه لم يقل" عبدها" حتى لا يكون إقراراً بهذه العبودية الباطلة، وإنما قال" فتاها"؛ لأن الفتى لغة هو الشباب فقط، و لكن إضافته إليها يفهم منها دلالة أنه كان تحت إمرتها حسب ظاهر الشراء.

ت‌-     " قد شغفها حباً" أي أحرق الحب قلبها، فقضى على حجابه؛ لأن الشغاف هو حجاب القلب، والشغاف: سويداء القلب، فلو وصل الحب إلى الشغاف ليكاد يموت صاحبه من لوعته وحرقته، وقال الحسن: الشغاف هي الجلدة البيضاء، أي أن حبه قد لصق بقلبها كلصوق الجلدة بالقلب.

ث‌-     " إنا لنراها في ضلال مبين" حيث حكمن عليها بهذا التأكيد بأنها في ضلال مبين، والمراد بالضلال هنا الابتعاد عن طريق الحق واحترام حقوق الزوج، وعن طريق الغواية.

ج‌-      قوله" فلما سمعت بمكرهن" يقال: إن امرأة العزيز سمَّت ذلك بالمكر؛ لأنها ذكرت لنساء القصر في إحدى سهراتها ما وقع لها مع يوسف، ولكنها أخذت منهن عهداً بعدم نشرها، لكنهن لم يلتزمن بذلك ونشرن الخبر، حتى وصل إلى عدد كبير من نساء الطبقة الراقية وغيرهن.

وحينئذ أرسلت إليهن لوليمة لتوقعهن فيما وقعت فيه، وهيأت لهن متكأً، أي ما يسند إليه عند الطعام أو الشراب من الوسائل، وهيأت لهن الطعام، والشراب، والفواكه، وعندما بدأن باستعمال السكاكين؛ لتقشير الأترجة أو البرتقال، أو نحوهما، طلبت من يوسف أن يدخل عليهن، فدخل، فلما رأينه أكبرنه، وأعظمنه، ودهشن من شدة جماله، وانشغلن تماماً به، فقطعن أيديهن، أي جرحن أيديهن بالسكاكين، وعبر ذلك بالقطع للمبالغة في شدة الإعجاب، حتى كادت السكاكين أن يقطعن أيديهن بالكامل، وهن لا يشعرن بهذه الآلام، ولكن كلمة " وقطعن " تشير إلى كثرة استعمال السكاكين وإمرارها في جرح الأيدي  .

وفي هذا إشارة إلى أن حضارة الرفاهية قد بلغت شأواً كبيراً، وأن الترف في القصور كان عظيماً، فإن استعمال السكاكين في الأكل قبل عدة آلاف من السنين له دلالته الواضحة في تصوير الترف والحضارة المادية  .

ح‌-      وقولهن " حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ " دليل على بقاء بعض ديانات التوحيد لديهم، ــــ كما سبق ـــ، وهذه الجملة كلمة تنزيه تستعمل تعبيراً عن التعجب والدهشة بصنع الله.

وفيها اعتراف النسوة، بأن امرأة العزيز معذورة أمام هذا الجمال، وعندئذٍ انتصرت عليهن، و" قالت فذلكن الذي لمتنني فيه"، واعترفت اعترافاً واضحاً، وكشفت عن نيتها، فقالت:" وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ۖ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ ) ويبدو من السياق أن النسوة أيدنها بقوة، وشجعن يوسف على قبول طلبها والاستجابة لرغبتها، بل إنهن كن مفتونات وفاتنات، وحاولن إيقاعه في حبائلهن، ولذلك قال يوسف: ( رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ )، ( فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )، وهذا الصرف قد يكون بإدخال اليأس في نفوسهن من استجابته أو بنحو ذلك.