إن نجاح أي مشروع لا يمكن أن يتحقق إلا من خطة استراتيجية ومرحلية تنفذ بدقة ، وهي تتطلب وضع الأهداف بدقة ، مع وضوح الرؤية ، بأتم الوسائل المؤدية إلى النجاح من توفير مستلزماتها من الموارد البشرية والمالية ، والصلاحيات والمسؤوليات ، وتحديد الزمن ونحو ذلك فحينما ننظر إلى قصة سيدنا يوسف ( عليه السلام ) وما بينه لإنقاذ مصر من مجاعة مهلكة ، نجد أن ما قاله وسجله القرآن الكريم يقوم على مجموعة من السنن والحقائق ، والآليات والأدوات والبرامج والتدابير المؤثرة ، من أهمها :

1ـ الاعتماد على خطة استراتيجية ، وخطة مرحلية

2ـ الأهداف الكبرى ، والأهداف المرحلية الصغرى

3ـ الأدوات والبرامج والمناهج ، وتحديد المسؤوليات

4ـ توفير الإمكانيات المطلوبة

5ـ المصارحة والمكاشفة

6ـ تحديد الزمن ، وتقسيم الخطة عليه

7ـ أولويات لكل مرحلة ، ووضع معايير لها

8ـ أهمية توافر عنصري الإخلاص( الحفظ والأمانة ) والاختصاص( التخصص والخبرة والتجربة الناجحة )

9ـ القدوة فقد ذكر أهل التفسير أن يوسف ( عليه السلام ) ما كان يأكل في اليوم الواحد من بداية السنوات السبع الخصبة ، ثم السبع الشداد إلا أكلة واحدة في وسط النهار ، وقد طلب من الملك ، والمسؤولين أن يطبقوا ذلك حتى يكونوا قدوة للشعب ، ففعلوا ، ولذلك استطاع أن يجمع من الحبوب أكثر مما يحتاجه الشعب المصري في السنوات السبع الشداد ، فباع الزائد للأقاليم المجاورة لمصر ، فكان يعطي لكل شخص ( صغيراً أو كبيراً ) حمل بعير لسنة ، ويطلب منهم الاقتصاد ويبين لهم بأن القحط سيظل طوال السنوات السبع    .

وهذه المقومات وغيرها تتوافر فيما ذكره القرآن الكريم عن سيدنا يوسف(عليه السلام )

أنموذج نبي الله يوسف "عليه السلام" في التخطيط :

  وأكثر من ذلك فإن القرآن الكريم قد ذكر لنا بالتفصيل أنموذجاً رائداً ورائعاً للتخطيط الاستراتيجي والمرحلي ، من خلال قصة نبي الله يوسف عليه السلام ، حيث لم يكتف عليه السلام بتفسير الرؤيا التي رآها الملك ، بل وضع خطة عملية لمدة خمسة عشر عاماً ، فأرشدهم بقوله :  ( تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً )   أي متوالية متتابعة ، وهي السنوات السبع المخصبة المرموز لها بالبقرات السبع السمان .

  وأمام ذلك طلب منهم الادخار والاحتفاظ بغالب زرعهم بصورة فنية ليوم الشدة وللسنوات العجاف فقال : ( فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ )   أي فاتركوه في سنابله لأن هذا يحفظه من السوس والمؤثرات الجوية ( إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ)   وهذا دليل على أهمية الادخار والاحتفاظ بالغالب .

  ثم بين لهم مبررات هذا الادخار الكبير فقال : ( ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ)   ثم بين لهم ما بعد هذه السنوات العجاف فقال : (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ)   أي يأتي بعدها عام رخاء فيه يغاث الناس بالزرع وتنمو كرومهم وأشجارهم وزيتونهم فيعصرونها عصائر وزيوتاً   .

  ولم يكتف يوسف عليه السلام بهذه الخطة ، بل وضع لها مستلزمات النجاح من العناصر القيادية والبشرية ، فطلب أن يكون هو المسؤول عن تنفيذ هذه الخطة بعدما نال ثقة الملك الذي تأكد من عفة يوسف وأمانته وبراءته وقال له : ( قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ)   وهذا يدل على أن الخطة تحتاج إلى منح صلاحيات من ولي الأمر إلى المنفذ ، وإلى وجود ثقة مطلقة به ، وإلى توفير الموارد البشرية ، والمالية للتنفيذ ، حيث إن كلمة (مكين) تدل على تمكين الملك ليوسف بكل عناصر النجاح ، وأسباب التوفيق ، وإن كلمة (أمين) تدل على منح الثقة المطلقة إليه ، وعندئذ فقط قال يوسف للملك : ( قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)    فيوسف عليه السلام لم يطلب مباشرة ، وإنما بعدما عرض الملك عليه أمراً عاماً حيث قال : ( وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ)   .