الراية – الدوحة
أكد فضيلة د.علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أنه نظرًا لأهمية الصبر فقد أولى الإسلام به عناية كبيرة حتى أنه نزلت في شأنه أكثر من 500 آية سواء بلفظ الصبر أو ما يدل عليه.
وقال في خطبة الجمعة أمس في جامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريق كليب إنه حينما يكون قلب الإنسان مشغولاً بالله فإنه يصبر ولذلك ربط الله بين الصبر والتقوى (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)، ولفت إلى أن الصبر واجب وفريضة شرعيّة بل إن الله تعالى قال “وصابروا” أي غالبوا الآخر بالصبر فحينما تصبر على أذى الآخرين فقد غلبتهم بالصبر كذلك الصبر ساعة لقاء العدو والمرابطة للجهاد والأعمال الصالحات.
وأشار إلى أن الذين يعملون في الأعمال الخيرية وغيرها من الأعمال التي تصبّ في صالح المسلمين فإنهم مرابطو أنفسهم لأجل الله سبحانه وتعالى.
وأضاف: التقوى والفلاح مرتبطان بهذه الأمور الأربعة بالصبر والمصابرة والمرابطة وتقوى الله سبحانه وتعالى.. ونحن اليوم مُطالبون بالصبر على العطاء، فالكرم هو الصبر على كل ما تستدعيه النفس من البخل فالكرم صبر والشجاعة صبر وما أحوجنا إلى هذا الصبر في مجال الأخلاق وفي مجال الأموال.
ودعا فضيلته إلى تقديم العون للأهل في سوريا قائلاً: إخوانكم في سوريا وغزة والعراق وأماكن كثيرة محتاجون وهناك ما يزيد على 70% من المشرّدين والمهاجرين في العالم هم من المسلمين مع أن عدد المسلمين أقل من ربع سكان العالم.
وأضاف: نفس المشاكل تقع بين الأمم وبين الحكومات فيتم اتخاذ قرارات وتصرّفات وأنشطة تترتب عليها مشاكل كبيرة لا تعود آثارها على هذه الدولة بل على الأمة الإسلامية.. ولأهمية الصبر فقد أولى الله عناية قصوى به حتى إنه نزلت فيها أكثر من 500 آية بلفظ الصبر أو ما يدلّ عليه وكأن الله يعلم ولا شك أنه يعلم ما الذي يحدث لهذه الأمة من مشاكل وكلها تعود إلى عدم وجود التزكية وعدم الصبر على ما تقتضيه النفس الأمّارة بالسوء أو ما تقتضيه الشهوة أو ما يقتضيه الجاه أو الدواعي التي تستدعي أو تتحقق من خلالها مفاسد كبيرة ومضار عظيمة على الفرد وعلى المجتمع والأمة.
وأضاف: نُقل عن العلماء قولهم إن الإيمان نصفان النصف الأول الصبر والنصف الثاني الشكر، بل إن جميع الأخلاق الإسلامية بل جميع الأخلاق الإنسانية كلها تعود إلى الصبر فالعفة هي الصبر على شهوات الفرج.
كما أن عدم أكل الحرام صبر على شهوات البطن، والشجاعة صبر على دواعي الفرار، وهكذا جميع الأخلاق التي تزيد على مئة خلق من الأخلاق الإسلامية إذا نظرنا إلى حقيقتها وجوهرها فإنها تعود إلى الصبر لأن الصبر هو حبس النفس عن كل ما تقتضيه النفس؛ ما يضرّ بالفرد أو المجتمع أو الأمة.
وتابع: يجمع القرآن الكريم كل هذه الأخلاق والعبادات والعقائد في كلمة الصبر في سورة الفرقان حينما يتحدّث القرآن الكريم عن عباد الرحمن (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا ..).
وزاد بالقول: لقد بدأت الآية بالأخلاق ثم العبادات ثم العقائد ثم المحرّمات والمنكرات ثم في الأخير يقول الرب جل وعلا (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا).
وأشار إلى أن كل هذه الأمور في العقيدة والعبادات والسلوكيات تحتاج الصبر، والغرفة هي الفردوس الأعلى كما فسرت هذه الكلمة بها وبعض العلماء قالوا الجنة مطلقًا وربما هذا هو الأعم لأن عباد الرحمن أصناف منهم من يدخل الجنة بصورة عامة ومنهم من يدخل جنة الفردوس وهم الخواص وكلها داخلة في هذه الآيات الكريمة التي تتحدث عن أخلاق عباد الرحمن ولكنهم في كل ما فعلوا أوجز الله تعالى ذلك (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا) فهؤلاء الذين صبروا على العبادات وهؤلاء الذين صبروا على العقيدة الصحيحة ومقتضياتها وهؤلاء الذين صبروا على الأخلاق الفاضلة القولية والفعلية وبذلك يستحقون بفضل الله الجنة بجميع أنواعها، كلٌ حسب ما قدمه من أعمال اصالحات ومن أعمال المنجيات أو من الأعمال التي تصل إلى المرتبة الأعلى في قمم العبادات والأخلاق.
ورأى فضيلته أن سبب عناية القرآن بالصبر إلى هذه الدرجة يعود إلى أن أمتنا وخاصة الأمم الشرقية قامت على العجلة والعواطف الجياشة وتلك العواطف قد يترتب عليها مشاكل عديدة تصل إلى العواصف فحينما يتبع الإنسان عاطفته فإنها حينئذ تعصف به وبمستقبله.
ولكون هذه العواطف هي السائدة في الأمم الشرقية فقد أراد الله أن يرتقي بهذه الأمة فتكون أمة صابرة لأنه لا يمكن أن يكون هناك ظفر في الآخرة إلا من خلال الصبر، الصبر على المصائب والصبر على الفتن والشدائد والإيذاء والاستهزاء والصبر على كل شيء.
وأكد أن العواطف هي التي تؤدّي لأن يتخذ بعضنا قرارت انفعاليّة، وأعداؤنا هم الذين يريدوننا أن نفعل ذلك، فهم يصنعون لنا المشاكل حتى ننشغل تمامًا بهذه القضية وغيرها من القضايا فيفرضوا علينا حينها القرار الذي يريدونه.