حكم الرؤيا:
إن رؤيا الأنبياء حق، وما عداها فهي إما مبشرات أو منذرات، وإما أضغاث أحلام، وأحاديث نفس، وأن جميع الرؤى من غير الأنبياء، حتى رؤية المسلمِ الرسولَ صلى الله عليه وسلم في المنام ليست دليلاً شرعياً، لإثبات أحكام شرعية جديدة، من إيجاب، وندب، وتحريم وكراهة، وصحة وبطلان؛ لأن الأحكام الشرعية تؤخذ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، في حياته ومن بقية الأدلة المعتبرة، ولا تؤخذ من الرؤى، لأن اعتمادها سيفتح باباً خطيراً وشراً مستطيراً في زيادة الأحكام، أو نسخها، فالدين قد اكتمل، والإسلام قد تم، قال تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) .
ويدل على ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فلم يَبْقَ من النبوَّة إلاّ المُبَشِّرات) قالوا : وما المُبَشِّرات ؟ قال : (الرؤيّا الصالحة) حيث يدل على حصره على أنه لا تؤخذ الأحكام الشرعية من الرؤيا، وإنما هي دلالات وإشعارات لوقوع شيء .
رؤية يوسف حق:
فقد فسرها أبوه يعقوب ـــ عليهما السلام ـــ بأنها بشارة بأنه يكون نبياً يختاره ربه، ويتم نعمته عليه، كما أتمها على أبويه إبراهيم، وإسحاق، كما أن الله تعالى يعلمه تأويل الأحاديث، أي معرفة مآلاتها ونتائجها، حيث يهبه الله تعالى صدق الحسِّ ونفاذ البصيرة ما يدرك به المآلات والآثار والنتائج المستقبلية، وهذا ما حدث فعلاً عند تأويله لرؤيا الملك.
معيارية الرؤى:
فقد وضع الرسول صلى الله عليه وسلم معياراً لكون الرؤى من الله، أو من الشيطان، أو من النفس، فقال: ( إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً، ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءاً من النبوة، والرؤيا ثلاثة؛ فالرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه، فإن رأى أحدكم ما يكره فليصل ولا يحدث بها الناس ) ، وقال أيضاً: ( إن الرؤيا ثلاث، منها أهاويل من الشيطان؛ ليحزن بها ابن آدم، منها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة ) ، وقال: ( إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنها من الله فليحمد الله عليها وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرها، ولا يذكرها لأحد، فإنها لا تضره ) .
حيث تدل هذه الأحاديث على أن الرؤيا الصالحة هي الرؤيا الطيبة التي يسر بها الإنسان، وأن حلم الشيطان هو الذي يحزن به.
بعض الإضاءات حول بعض الكلمات:
1 –خطاب يوسف لأبيه ( يا أبت ) يشير إلى الحب الكبير لوالده.
2 –التعبير بلفظ ( ساجدين ) وهو جمع المذكر السالم فيه إشارة إلى أنهم بسجودهم لله تعالى ارتقت مراتب الشمس والقمر والكواكب " الأحد عشر" إلى مرتبة العقلاء، كما أن ب الأشخاص الذين لا يستعملون عقولهم وسمعهم وأبصارهم في الحقائق تهبط إلى ب " الأنعام".
3 –والإضاءة الثالثة هي: أن هؤلاء الكواكب والشمس والقمر في حقيقتهم وتفسير الرؤيا هم أولاد يعقوب، ويعقوب وزوجته، وبالتالي فالتعبير بالجمع المذكر السالم باعتبار الحقيقة والمآل.
4- رؤيا الصغار وحتى الكفار معتبرة كما في قصة يوسف.